هل السيسي عدو للإسلام أو للإخوان؟!!
بقلم: د. نبيل فولي
قد يقال إننا بهذا السؤال نطرح
مسألة مثيرة للفتنة ولا داعي لها، إلا أن التحديد النظري الدقيق للمواقع
والمواقف يساعد على حل كثير من المشكلات، أو على الأقل يزيل الغبش الذي
يحجب الرؤية ويشوه المواقف، ويجعل الإجابات أو حتى ردود الأفعال في غير
محلها.
ولهذا فإن طرح هذا السؤال ليس فقط
مهما للحالة المصرية والعربية، بل ضروري لهما، إلا أننا – مع هذا - لن نكون
دقيقين في الإجابة عنه إلا إذا قررنا مسألتين أساسيتين تمثلان قاعدة نظرية
مهمة في الوزن والتقييم، بل الفهم والتقرير في مثل هذه الموضوعات، وهاتان
المسألتان هما:
1- الموقف السلبي من المسلمين ليس موقفا مماثلا من الإسلام.
2- الظاهر الصالح لا يعني صلاح صاحبه.
أولا- الموقف السلبي من المسلمين ليس موقفا مماثلا من الإسلام:
فالاختلاف مع طائفة من المسلمين، أو
مع الإسلاميين، بل معاداتهم واتخاذ مواقف سلبية منهم لا يلزم عنه
"بالضرورة" معاداة الإسلام نفسه، فليس من يخالف بعض المسلمين كافرا أو
منافقا "بالضرورة".
ويؤكد ذلك أن الإسلاميين أنفسهم
يخالف بعضهم بعضا، ويتخذ بعضهم مواقف سلبية من بعض كما هو معلوم بل مستفيض
مشهور، ويشهد به كثير من الكتب المنشورة والمقالات والمواقع الإلكترونية
والخطب والتصريحات الإعلامية وغيرها.
ولفظ "بالضرورة" هنا مهم وفاصل؛
لأنه يعني أن من يعادي الإسلاميين قد يكون كافرا وقد لا يكون، قد يكون
منافقا وقد لا يكون، قد يكون عميلا لعينًا لخصوم الدين والأمة وقد لا يكون.
ولكن هذه الأحكام المثبتة كلها لا تتقرر بمجرد الاختلاف مع الإسلاميين،
ويحتاج إثباتها إلى قرائن ومواقف أخرى كما تحاول هذه السطور أن تقول.
ويمكن أن نستنتج من هذه المسألة أن
من يعادي الإسلام سيعادي العاملين له ظاهرا أو باطنا أو كليهما، لكن من
يعادي بعض الإسلاميين أو المسلمين لن يكون بالضرورة عدوا للإسلام نفسه. أما
من يعادي كل الإسلاميين وكل الدعاة إلى الإسلام، ففي أمره نظر يتعلق بسبب
العداوة، فإن كانت لأجل الدين الذي يدعون إليه، كان الحكم مختلفا عما لو
كان السبب هو اتهام هؤلاء الدعاة بأن الإسلام يستحق نهجا للدعوة إليه غير
ما اختاروا، باعتبار أن هذا نوع من الاجتهاد الذي يصيب صاحبه ويخطئ.
ثانيا- الظاهر الصالح لا يعني صلاح صاحبه:
فليس كل من أمسك المسبحة، وقطَّع في
السجود جبهته، وأظهر للناس التنسك، وادعى التحنث والتعبُّد، ليس مثل هذا
مسلما صالحا يغار على دينه بالضرورة؛ إذ قد يخالف باطن الرجل ظاهره، ونيتُه
عملَه، فقد كان المنافقون كثيرين في أيام النبي صلى الله عليه وسلم،
وكانوا يشاركون المسلمين صلاتهم وصيامهم وغزوهم؛ أي أنهم كانوا يلتزمون
بكثير من شكليات الإسلام وأعماله الظاهرة، ومع ذلك فقد كانوا من أخطر
العناصر التي آذت الإسلام وأهله، ومثلوا جبهة صعبة ضد الملة الحنيفية، حتى
أذن الله بخذلانهم كما خذل الكفار الصرحاء.
ولا يعني هذا أن الحاكم أو حتى
العالم والكاتب مطالبون بالتنقيب عن ضمائر الناس، أو الكشف عما انطوت عليه
أنفسهم من إيمان أو نفاق أو كفر أو صلاح أو فساد، وقد قال أمير المؤمنين
عمر بن الخطاب رضي الله عنه يرسم دستورا لهذا: "إن ناساً كانوا يؤخذون
بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الوحي قد انقطع، وإنما
نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيراً أمِناه وقربناه،
وليس لنا من سريرته شيء، الله يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءاً لم
نأمنه، ولم نصدقه، وإن قال: إن سريرته حسنة"!
والقاعدة العظيمة التي تقررها هذه
العبارة العمرية هي أن الحاكم والمجتمع ليس لهما من الشخص إلا ظاهره، وسائر
الأحكام الدنيوية تترتب على هذا الظاهر، ولأجل هذا وجب أن تتوافق أعمال من
يدّعي الإسلام وأقواله ولا تتناقض مع دعواه الإسلام، فليس معقولا أن نصدق
ادعاء الإسلام ممن يهزأ بتشريع الله أو برسوله أو قرآنه، أو يعتبر الدين
برمته بقايا متخلفة من العصور السابقة تجاوزها الزمان والحضارة، وإن صام
وصلى وزكّى. وليس معقولا كذلك أن نقول عمن يجعل وده ومحبته في أهل الكفر
والرذيلة وبغضه وكراهيته في أهل الإيمان والإسلام: إنه مسلم صحيح الإيمان
تام اليقين، بل إن لم يكن منافقا كانت فيه خصال وشعب كثيرة من النفاق،
وربما نسلكه في سلك الكفار الصرحاء.
إذن، إن افترضنا أننا بشر عقلاء،
وأردنا أن نحاكم السيسي على موالاته للإسلام أو معاداته، فلا ينبغي أن
نتهمه بمعاداة الإسلام لمجرد أنه يخالف جماعة الإخوان المسلمين الصابرة
المجاهدة أو غيرها، ولا ينبغي أيضًا أن ننفي عنه التهمة لمجرد أنه يردد بعض
العبارات الدينية في خطبه وحواراته، ويصف نفسه بأوصاف الأتقياء، ويبكي
أمام الناس في الصلوات، ويظهر لمن حوله أنه وأسرته معنيون دائما بالمحافظة
على الصلاة والصيام والأعمال الصالحة.
إن كان هذا منطلقنا ومقياسنا الذي
نحرص على حسن رعايته ودقة تطبيقه، فأحسب أننا سنكون منصفين للرجل وللحقيقة
في وقت واحد، فلننطلق انطلاق القاضي الذي لا يخشى في الله شيئا، ويحرص على
التبرئة أكثر مما يحرص على الاتهام، ويرى أن الشبهات تدرأ الحدود!!
موالاة الكفار:
من القضايا الخطيرة التي تضر بدين
الإنسان، وتدخله في حظيرة النفاق على أقل تقدير: موالاة الكفار ومعاداة
المؤمنين، ومعنى الموالاة هنا هو التوافق والتحالف على النصرة والوقوف في
خندق واحد ضد الآخرين، والمعاداة بعكس ذلك.
وقد قرر كثير من العلماء أن من ظاهر
الكفار وحالفهم على أهل الإيمان فهو كافر عدو لله ورسوله، يقول الإمام
الطبري في تفسيره لسورة المائدة: "إن الله تعالى ذِكره نهى المؤمنين جميعا
أن يتخذوا اليهود والنصارى أنصارا وحلفاء على أهل الإيمان بالله ورسوله،
وأخبر أنه من اتخذهم نصيرا وحليفا ووليا من دون الله ورسوله والمؤمنين فإنه
منهم في التحزب على الله وعلى رسوله والمؤمنين، وأن الله ورسوله منه
بريئان".
ويكاد يكون الأمر موضع إجماع من أهل
العلم قديما وحديثا، بل قد يرقى إلى أن يكون معلوما من الدين بالضرورة،
ولم لا والتناقض ظاهر فيمن يدعي الإسلام وينصر الكفار على المسلمين، أو
يحالف أهل الشرك على أهل ملته؟
فهل للسيسي في هذا الباب سهم أي
سهم؟! نعم والله له سهم وسهم وافر؛ فقد رفع في دولته أهل الدعارة والانحراف
في الفكر والدين والخلق، واستبعد الصالحين والعلماء، وتحالف مع تواضروس
وساويرس وعصابتهما ضد المسلمين وضد المحترمين من المسيحيين.
وفي الخارج تحالف مع السفاحين من
حكام إسرائيل ضد المسلمين في غزة، ومع المالكي الطائفي القاتل ضد مسلمي
العراق، ومع العميل الخارج على القانون والعرف حفتر ضد مسلمي ليبيا، وأوفد
جنوده إلى نواح وبلدان يخدم وجودهم فيها مصالح إسرائيل، ويضر بمصالح
المسلمين إضرارا بالغا.
ومع أن الحكم هنا مقرون بدليله
الجلي، إلا أنه سيخرج علينا بعد هذا من يقول: كيف تزعم أن السيسي يوالي
الكفار على المسلمين وأكثر مؤيديه مسلمون، وحلفاؤه الرئيسون هم من حكام
البلاد الإسلامية التي تطبق الشريعة الإسلامية؟!
والحقيقة أن الحكمين منفصلان، فلا
تناقض بين أن يكون مع السيسي طائفة كبيرة من المسلمين وبعض أو كل حكامهم،
وبين أن يكون مواليا للكفار وحليفا لأعداء الملة والأمة، ولن تصبح المعصية
يوما ما عملا صالحا لأن المسلمين يعملونها، أو يسكتون عليها، ولن يصبح
تحالف السيسي مع الصهاينة عملا صالحا لأن أهل الأرض قاطبة يؤيدونه!
ولو رأينا رجلا سكران وفي يده كأس
خمر وأمامه زجاجة منه، فهل يجوز أن أخالف شهادة الحس البديهية وأقول إن ما
بيده ليس خمرا لمجرد أنه مسلم أو لمجرد أن الناس عرفوه بشيء من الصلاح؟!
لقد اعترف وزير المخابرات والشؤون
الإستراتيجية الإسرائيلي يوفال شتاينتس في حديث للإذاعة الإسرائيلية العامة
أن "هناك علاقات سرية هامة بين تل أبيب والقاهرة هذه الأيام"؛ أي أثناء دك
الإسرائيليين لغزة فوق رءوس سكانها. ونشرت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية أن
السيسي يحمى ميناء إيلات الإسرائيلي بالجيش المصري، وذكرت جيروزاليم بوست
في مقال لها أن مصر وإسرائيل يد واحدة ضد حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
ولا يخفى على عاقل أن تخريب سيناء
وقتل أهلها، هو جريمة من هذا النوع؛ تصب في مصلحة الكيان الإسرائيلي
المحتل، وتمثل صورة من صور موالاة أعداء الدين والأمة.
ومن أخطر الأعمال التي ارتكبها
السيسي، وتمثل لونا من موالاة الكفار بصورة غير مباشرة: أنه زج بالجيش
المصري في معاركه مع خصومه في الداخل، وحشر القوات المسلحة في معارك خارجية
لا ناقة لمصر فيها ولا جمل، مما شتت الجيش، وأفقده توازنه وقدرته على
حماية الدولة من أعدائها الخارجيين، وأكبر مستفيد من هذا هو صديقته
إسرائيل.
الموقف من المساجد:
ليست المساجد مجرد حيطان وسُقُف،
وليست كأحد من المباني، بل هي رمز إسلامي بارز يقبع في وسط القرى والمدن
وفي الحضر والبدو ليدل على هوية المجتمع الإسلامية أو هوية جزء منه، ومنه
يرتفع النداء لإقامة شعيرة من أعظم شعائر الإسلام، فيتوافد الناس عليه من
كل جهة لأداء الصلاة المفروضة، في إشارات إلى وظائف أخرى معرفية واجتماعية
ونفسية واقتصادية يقوم بها المسجد.
ومن أجل هذا الموقع المهم للمسجد في
مجتمع الإسلام، كان احترامه احتراما للإسلام نفسه، وإهانته إهانة له، فلا
يعمره إلا المؤمن، ولا يعمره المشركون لعبادة الله أبدا؛ قال الله تعالى:
{مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ
عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي
النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ. إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ
بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ
وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ
الْمُهْتَدِينَ}.
فالموقف من المسجد - إكراما وإهانة -
يترجم عما استقر في فؤاد الإنسان من إيمان وخشية، أو ما سكن في نفسه من
نفاق ورقة دين، أو حتى كفر وشرك واستهانة بشعائر الله وحرماته؛ قال الله
تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ
تَقْوَى الْقُلُوبِ}.
وقد قال الإمام العلامة فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير معلِّقًا على الآية الكريمة: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}: "ظاهرها يقتضي أن يكون الساعي في تخريب المساجد أسوأ حالا من المشرك؛ لأن قوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ} يتناول المشرك"؛ أي ليس أحد، ولا حتى المشرك الصريح الذي لا يفعل هذا الفعل، أظلم ممن يمنع الخلق من ذكر الله في المساجد.
كما أشار العلماء إلى أن تخريب
المساجد نوعان: تخريب حقيقي أو مادي بهدمها أو إحراقها أو ما شابه ذلك،
وتخريب مجازي أو معنوي بتعطيل وظائفها من إقام الصلاة وإلقاء دروس العلم
والمكث فيها بغرض العبادة وانتظار الصلاة؛ قال القرطبي في تفسيره: "خراب
المساجد قد يكون حقيقيا كتخريب بخت نصّر والنصارى بيت المقدس على ما
ذُكِر... ويكون مجازا كمنع المشركين المسلمين حين صدوا رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن المسجد الحرام، وعلى الجملة فتعطيل المساجد عن الصلاة وإظهار
شعائر الإسلام فيها خراب لها".
فهل فعل السيسي شيئا من ذلك؟ والإجابة بالأرقام المعروفة والتي تواترت أخبارها تقول:
- قام جنود السيسي بإحراق مسجد رابعة العدوية يوم الرابع عشر من أغسطس عام 2013م.
- قامت قوات أمن السيسي بإغلاق مسجد الفتح برمسيس ومنعت
الصلاة فيه، واعتقلت إمامه ظلما وعدوانا منذ السادس عشر من أغسطس 2013 وإلى
الآن.
- ضيقت أجهزة السيسي الأمنية على المصلين في مساجد مصر
قاطبة، وأغلقت الكثير منها مع عدم كفاية ما تركته منها مفتوحا، ووضعت من
الشروط لإقام الصلاة وإلقاء خطبة الجمعة ما من شأنه أن يعطل أداء العلماء
والوعاظ لوظائفهم التي ناطها الله بهم؛ من إمامة الناس في الصلوات، وبيان
حقائق الدين ومعاني الإسلام، وتذكير الخلق بالله والدار الآخرة.
وثمة حوادث كثيرة من هذا النوع تصم
السيسي بأنه لا يستهدف الإخوان، ولكن يستهدف الإسلام نفسه وكلَّ ما ومَن
يمثله مع سبق الإصرار والترصد.
فإن زعم زاعم أن الإخوان يختبئون
خلف الدين، ويضرون بالمجتمع بهذه الطريقة، وأنه لابد من هذه الإجراءات وما
يشبهها حتى نتخلص منهم، قيل لهم: إن كان محو الإخوان يلزم عنه محو الإسلام،
فهذا يعني أنهم على حق، وأنهم أخلصوا لهذا الدين حتى صار ملازما لهم
وملازمين له، يبقى ببقائهم ويزول بزوالهم!!
وسيخرج علينا أيضًا من يقول: إن
السيسي لم يفعل من ذلك كله شيئا، بل هو بريء منه براءة الذئب من دم ابن
يعقوب، والفاعل هم جنوده ورجال الشرطة!! وهذا استهتار بالعقول أكبر ممن
زعموا قديما أن عبد الناصر لم يكن يعرف عما يجري للأبرياء في سجونه شيئا!!
وإن وافقنا على هذا الادعاء الهش
المتهافت، فهل ما زال السيسي يجهل ما جرى لبيوت الله تعالى على يد
ميليشياته؟ إن كان لا يدري فهو غائب مغيَّب عما يعرفه صغار المواطنين
وكبارهم، وإن كان يدري، فلم لم يفرج عن بيوت الله تعالى؟ ولمَ لم يعاقب من
ارتكب هذه الجرائم؟! إن الذي يحدث هو أنه يكافئهم برواتب يتجاوز فيها
العسكري الصغير راتب أستاذ الجامعة والمهندس الخبير والعالم الكبير، فهل
ثمة شك في أنه الموجه المباشر إلى هذه الجرائم وأنه المكافئ عليها كذلك؟!
مخالفة ثوابت الدين وإهانته في ظل حكمه:
ليس الحاكم المسلم مجرد شخص يجلس
على كرسي ليوفر للناس طعامهم وشرابهم، بل هو المسئول الأول عن حراسة القيم
والدين، وتوفير الأمن، إضافة إلى رعاية مصالح الناس المادية، ولذلك قال
علماؤنا: "الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا".
ومن هنا كان واجبا على الحاكم
المسلم أن يحافظ على الدين من الإهانة، وأن يوفر من الأسباب ما يبقيه عزيزا
مصونا، وأن يردع كل من يجرح مكانة الدين أو يهين شعائره. ومن هنا أيضًا
فليس من حرية الرأي أن يصبح الدين مَلعَبةً وغرضا للأوقاح والمجرِّحين؛ هذا
يتهمه بأنه جثة محنطة لا مكان لها في مجاري الحياة، وذاك يرميه بأنه بضاعة
قوم عاشوا في قرون سالفة، وهذا يجرح حدوده، وذلك يهزأ بشعائره، وهكذا.
فهل رعى السيسي شيئا من ذلك؟ وهل أدى واجبه في هذه الناحية؟
اقرأ البنود التالية لتعرف الإجابة:
1- ألغى السيسي بتوجيه مباشر منه شخصيا مادة التربية
الإسلامية من جميع مراحل التعليم، ووضع مكانها مادة عامة بلا هوية دينية
محددة، وهذا عدوان صارخ على هوية الأجيال الناشئة، فبدلا من أن تطوَّر
مناهج التربية الإسلامية الضعيفة أصلا بما يخدم العقيدة والمفاهيم
الإسلامية الجليلة، تُلغَى هذه المادة بزعم أن أخلاق الشارع المصري ساءت
وتدنت بصورة خطيرة!!
2- خرج أحد الحمقى ليمنح السيسي ومحمد إبراهيم مرتبة
النبوة والرسالة في جرح خطير للمفاهيم الإسلامية في قلب مصر الإسلامية وعلى
الملأ، فما قال له النظام أو أي متحدث باسمه: عيب، أو استحِ، ولا حاسبه
ولا حاكَمَه أحد!! وتحضرني هنا قصة تُروَى عن طيب الذكر الإمام حسن البنا
رحمه الله، رواها الداعية الفاضل الأستاذ عباس السيسي رحمه الله، فقد قال
أحد المتكلمين المتحمسين لنشر دعوة الإخوان في حفل من الأحفال حضره الأستاذ البنا: إن
مثلنا الآن من فضيلة الأستاذ المرشد - وهو يشير إليه - كمثل رسول الله صلي
الله عليه وسلم بين أصحابه! وما كاد الأستاذ المتحدث ينتهي من هذه العبارة،
حتى قفز الإمام الشهيد إلى
المنصة، ثم اتجه إلى الناس قائلا: أيها الإخوة، معذرة إذا كان الأستاذ
المتحدث قد خانه التعبير، فأين نحن من رسول الله صلي الله عليه وسلم. ثم
نزل إلى مكانه". فالحرص على صيانة مقام الدين وتنزيهه من التطاول، بل حتى
الإيهام واجب كل مسلم، خاصة من يكون ولي أمر الناس في مجتمع مسلم.
3- ما أكثر ما يتعرض الكتبة الذين تنشر لهم صحف الدولة
غثاءهم للدين بالإهانة والتجريح، والنظام الحاكم لا أقول إنه لا يحاسب أحدا
على ذلك، بل يستمر هذا السيل يتتابع بما يوحي بأنها خطة منهم تستهدف هيبة
الدين في نفوس الناس.
ذكر الرواة أن رجلا من المنافقين
قال: ما أرى قراءنا هؤلاء إلا أرغبنا بطونا، وأكذبنا ألسنة، وأجبننا عند
اللقاء!! فرُفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء المنافق إلى
رسول الله وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب!
فقال: {...أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ.
لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ...} وإن رجليه
لتنسفان الحجارة وما يلتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو متعلق
بنسعة رسول الله صلى الله عليه وسلم".
والسيسي ومن معه ارتكبوا من عظائم
الأمور ما يربو على ذلك بكثير جدا، ولم تشر هذه السطور إلى جرائم شابه فيها
السيسي كبار المجرمين في التاريخ؛ مثل: سفك الدماء الحرام غزيرةً بلا وازع
من رحمة أو ضمير في شوارع "بلاده"، وترك الذئاب تعتدي على أعراض الفتيات
والنساء في سجون "وطنه"، ومصادرة أموال الناس بلا سبب مشروع، وتقديم الرشى
والرواتب غير المستحقة للأيادي المجرمة التي ملأت شوارع مصر بالدم، وتعذيب
المعتقلين وقتلهم في السجون، وغيره مما يعرفه القاصي والداني.
ومع شناعة هذا كله، وترجيح عداوة
الرجل للملة والدين بسببها، إلا أن ما سبق من موالاة الكفار، وإهانة شعائر
الدين، وتعطيل وظائف المساجد وإحراقها كافية للقطع بمعاداة السيسي للإسلام
ذاته، وأما اختفاؤه وراء معاداة الإخوان، فهو فوق أنه ظلم بيِّن وحيف على
خلق الله بلا جُرم، حجة ووسيلة للتخلص ممن ينادي بالإسلام ومن الإسلام نفسه
في تكرار خائب لتجربة أتاتورك الفاشل القبيح.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق