مآتم في شوارع مصر
بقلم: محمد جعفر ( باحث سياسي- مركز الديمقراطية ودعم حقوق الإنسان )
لقد هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية، هكذا استقبل المواطن العربي تلك الثورات التي أطاحت
ببعض الأنظمة العتيقة المستبدة، وكأن هذه الشعوب أمضت شبابها تناضل ضد
الظلم والاستبداد والاستعباد حتى جاءت اللحظة وحانت الفرصة لاسترداد
الكرامة المفقودة والحصول على الحرية المنشودة.
بدأ الربيع العربي ساخنا إلا أنه
سرعان ما تباطأت قدراته على المواجهة والتطهير لأسباب تخص بالأساس قوة
الدولة العميقة وشبكات المصالح في هذه البلدان، بالإضافة إلى عدم رغبة
الدول الغربية في إقامة ديمقراطيات تسفر عن دول ناهضة تتفرغ للنمو والتطوير
بعد ترتيب البيت الداخلي وحسم قضية التعددية والتشاركية والتداول السلمي
للسلطة، والذي من شأنه أن يقيم مجتمعات آمنة ومستقرة تتخذ من العدالة
والردع جناحين يبلغا دولة القانون آفاقا ممتدة في التحضر والتمدن.
وقد تلاقت رغبات تلك الدول برغبة
دول المنطقة - التي لم يقف قطار الربيع على محطاتها - في تطويق الشرر
المتصاعد بدعم كيانات رسمية وشبه رسمية للإطاحة بحلم الشعوب في الانعتاق من
براثن التخلف والجهل والفقر والمرض والتبعية والفساد والاستبداد
والاستعباد والتسلط والظلم والقهر.. و.. و.. الناتج عن تسلط الحكم العسكري
وقد نال الشعب المصري الطرف الأكبر من ذلك الحكم الذي يعد الأعتى في
التاريخ من ناحية التسلط والشمولية، فمنذ أن أسس محمد علي باشا الجيش
المصري الحديث في عشرينيات القرن التاسع عشر(1821م) طامحا في ذلك الحين إلى
فصل مصر عن الحكم العثماني مرورا بهزيمة أحمد عرابي في معركة التل الكبير ودخول الإنجليز القاهرة في 15 سبتمبر 1882 إلى انقلاب يوليو1952 وحتى يناير 2011، لم يعرف الشعب المصري الحكم المدني أو يمارسه.
حط
الربيع رحاله في القاهرة بعد صيف طويل تساقطت فيه كل الأوراق وزحف الجفاف
والتصحر على كل المروج، جاء أخيرا الربيع ووقف الوطن على نافذة الثورة
المجيدة، واستطاعت جموع الشعب صنع التاريخ والإطاحة برأس النظام وتدشين حكم
ديمقراطي يعتمد التعددية وتداول السلطة وفق انتخابات شفافة ونزيهة أفرزت
مجلسين نيابيين ورئيس مدني ودستور.
بدأ
الشعب المصري في التقاط أنفاسه وسعى لتحسين وضعه الاقتصادي بعد أن تحسنت
مناخات الحرية والعدالة والكرامة، وعرف المجتمع المصري إنشاء الحزب
بالإخطار وحرية التجمع والتظاهر والتعبير، لم تعد موافقة أمن الدولة شرطا
في التوظيف والترقي، وتراجعت ثقافة الرشوة، كما سادت ثقافة حقوق الإنسان,
غاب المال السياسي عن الانتخابات، وأصبحت التنافسية على أساس البرامج
المتنوعة معيارا مهما لحصد أصوات الناخبين.
آلاف
المشاهد تدل على أن هذا الشعب قد تغير.. أصبح لا يأبه بالظالمين ولا يرهبه
المتجبرون، يعرف كيف ينتزع حقوقه ويبدع بين الحين والآخر على طريق
المجابهة الشاملة مع مؤسسة الفساد ونادي المنتفعين، نعم هناك عقبات تبطئه،
إلا أنه في النهاية يعرف هدفه ولا يتوقف عن تحقيق آماله وطموحاته رغم
التضحيات والآلام التي هي سمة رئيسية من سمات الثورات الناجحة.
باغت
الانقلاب العسكري المصريين، وحاول أن يسرق حلمهم ويقتل فيهم الأمل الذي شب
على الطوق، وأصبح له إرادة فاعلة يستحيل معها أن يعودوا إلى الوراء، فهم
يعلمون منذ البداية أن قوى الشر تتربص بثورتهم وتتآمر على دماء شهدائهم،
إلا أنه لم يدر بخلدهم يوما أن يوجه سلاحهم إلى صدورهم وأن يقتلهم قادة
جيشهم.
كانت تكلفة هذا الانقلاب باهظة ومؤثرة سلبا على مسار هذا الوطن ومصيره.
علي
الرغم من الإقبال المتواضع جدا والذي لم يتجاوز وفقا لمراكز أبحاث مستقلة
12% إلا أن الحكومة تعاملت معه على أنه يتجاوز 40 % حصد قائد الانقلاب منها
ما يزيد على 23 مليون. وقد علق حمدين صباحي وحملته على هذه النتيجة بقوله
إن هذه النتيجة لم تحترم ذكاء المصريين ولم تتفق مع الإقبال الضعيف على
التصويت.
والملاحظ
كما تقدم في مقالات سابقة أن الانقلاب في كل خطوة عينه دائما على
الانتخابات السابقة، فهو شاء أم أبى يجد نفسه في مقارنة مع الدكتور مرسي،
ويحاول في كل مرة أن تكون الانتخابات شديدة الشبه بسابقتها من ناحية
الإخراج والمظهر لا من ناحية الجوهر والمضمون، مما يدفعني للقول بأن هذه
الإجراءات ما هي إلا محاكاة للانتخابات الديمقراطية على غرار تجارب
المحاكاة التي هي عملية تقليد تحاول أن تمثل وتقدم الصفات المميزة لسلوك نظام مجرد بوساطة سلوك نظام آخر يحاكي الأول, فهي محاولة إعادة عملية ما في ظروف اصطناعية مشابهة إلى حد ما بالظروف الطبيعية.
ويأتي
هذا الحرص من وجهة نظر التحليل السياسي لتسويق الانقلاب عالميا واكتساب
شرعية دولية على أساس أن العالم اعترف بنظام مرسي وقبل بهكذا انتخابات،
وعليه أن يعترف بهم لأن شرعيتهم مستمدة من انتخابات مشابهة، معتمدين على أن
العالم غالبا ما ينسي التقارير والمشاهدات ومعظم الحقائق ويتجاوز عن
التجاوزات والخروقات مقابل مزيد من الابتزاز على قاعدة حماية مصالحة وتبادل
أدوار المساندة والدعم, وهي قراءة في الغالب صحيحة وتتماشي تماما مع
النفاق الدولي المعهود ويمكن القول بان العالم الغربي بدأ أولى خطوات
ابتزازه لهذا النظام الانقلابي عندما أعلن عن قبوله بالتعامل مع النظام من
أجل استكمال التحول الديمقراطي مع إرسال ممثلين على مستوى منخفض لحضور حفل
التنصيب، وهو سلوك يمكن وصفه بالحَذِر في قبول النتائج والتعامل مع
عواقبها.
وقد
عبر بعض المتابعين لحفل التنصيب الأسطوري غير المسبوق الذي أقامه قائد
الانقلاب لتنصيب نفسه واستجداء ضيوف من الخارج لحضوره بأنه اصطناع لشرعية
بروتوكولية يصنعها موظفون أجانب بعد عزوف الشعب عن إعطاء هذه الشرعية.
ولا أدري بأي وجه يطالب السيسي الشعب بالتقشف بعد هذا البذخ في المظاهر والنفقات!
إنه
يوم حزين تقام فيه المآتم في كل شارع به شهيد أو معتقل أو جريح أو مطارد..
إذ بأي حال تتلقى أم الشهيد وزوجته وأولاده وذووه صور الرقص والطرب والصخب
احتفاء بتنصيب القاتل.. ودماء الشهداء لم تجف والقلوب الموجوعة ما زالت
تأن وتتألم.
لقد
أصابني شعور بالضيق والحزن والأسى والألم عندما كتبت زوجة أخي وصديقي
الشهيد الدكتور خالد كمال الذي استشهد وهو يقوم بواجبه كطبيب في أول لحظات
فض اعتصام رابعة تدعو ربها وتستمطر رحمته بعد أن شاهدت القاتل يخرج في
زينته وحوله أعوانه وحاشيته تقول: "ونحن في
الثلث الأخير ربي أدعوك وأتوسل إليك أن تنتقم من السيسي ومحمد إبراهيم
وأعوانهما وكل من أيدهما، اللهم انتقم منهم أشد الانتقام وأرنا فيهم عجائب
قدرتك، اللهم انتقم منهم في أعز ما لهم، ربي أنت تعلم حالي، تعلم كيف ينزف
القلب وكيف انكسرت النفس، كيف أن العيون لا تكف عن الدموع، كيف تمر علينا
كل ليلة أنا وأولادي، كيف أن كل الآمال التي بنيناها للسنين القادمة هدمت،
كيف أن السعادة أصبحت لا تعرف طريقا إلينا.. كيف أن الحياة أصبحت تعبا
ووحدة ودموعا وانكسارا، أعلم ربي أن هذا قدرك وأنه الخير، ولكن أرجوك لا
تغضب علي، فأنت أعلم أن كلامي هذا ليس سخطا والعياذ بالله على أقدارك، إنما
هو الألم الذي يعتصر القلب الذي يجعل الدموع لا تجف، إنه الضعف الذي
أصابني بعد فقدان أغلى رفيق، فقدان الإنسان الذي لا يعوض، مهما وصفت هذا
الألم فسأعجز عن تصويره كما يجب، لكن عندما تهدأ القلوب وتنام العيون فتلك
أصعب لحظات تمر عليَّ .. رحمة الله بقلوب ضعيفة، رحمة الله بقلوب الأطفال
التي يُتمت، رحمة الله بقلوب الأمهات الثكالى، رحمة الله بقلوب الزوجات
الأرامل، رحمة الله بقلبي الضعيف، ورحمة الله بالفقيد الرفيق الغالي
خااااااااااالد".
أدركت
أن آلاف الشهداء لهم آلاف الأسر تشعر بنفس الإحساس من الألم والحزن
والفراق والوحشة والظلم والبطش، لا يسعهم في هذه الأيام إلا الالتحاف
بالصبر والإيمان واستحضار معاني اليقين والثبات وأن الله لا يضيع أجر
المحسنين، كما أنه لا يهدي كيد الخائنين.
نعم
يعزي المصريون بعضهم بعضا لضياع الحقوق والحريات، ووفاة دولة القانون،
واختلال ميزان العدالة، لكنهم متمسكون بالأمل، طامعين في تصحيح المسار من
خلال الاصطفاف الوطني واستعادة ثورة يناير.
_________________________
مآتم في شوارع مصر
بقلم: محمد جعفر
لقد هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية، هكذا استقبل المواطن العربي تلك الثورات التي أطاحت
ببعض الأنظمة العتيقة المستبدة، وكأن هذه الشعوب أمضت شبابها تناضل ضد
الظلم والاستبداد والاستعباد حتى جاءت اللحظة وحانت الفرصة لاسترداد
الكرامة المفقودة والحصول على الحرية المنشودة.
بدأ الربيع العربي ساخنا إلا أنه
سرعان ما تباطأت قدراته على المواجهة والتطهير لأسباب تخص بالأساس قوة
الدولة العميقة وشبكات المصالح في هذه البلدان، بالإضافة إلى عدم رغبة
الدول الغربية في إقامة ديمقراطيات تسفر عن دول ناهضة تتفرغ للنمو والتطوير
بعد ترتيب البيت الداخلي وحسم قضية التعددية والتشاركية والتداول السلمي
للسلطة، والذي من شأنه أن يقيم مجتمعات آمنة ومستقرة تتخذ من العدالة
والردع جناحين يبلغا دولة القانون آفاقا ممتدة في التحضر والتمدن.
وقد تلاقت رغبات تلك الدول برغبة
دول المنطقة - التي لم يقف قطار الربيع على محطاتها - في تطويق الشرر
المتصاعد بدعم كيانات رسمية وشبه رسمية للإطاحة بحلم الشعوب في الانعتاق من
براثن التخلف والجهل والفقر والمرض والتبعية والفساد والاستبداد
والاستعباد والتسلط والظلم والقهر.. و.. و.. الناتج عن تسلط الحكم العسكري
وقد نال الشعب المصري الطرف الأكبر من ذلك الحكم الذي يعد الأعتى في
التاريخ من ناحية التسلط والشمولية، فمنذ أن أسس محمد علي باشا الجيش
المصري الحديث في عشرينيات القرن التاسع عشر(1821م) طامحا في ذلك الحين إلى
فصل مصر عن الحكم العثماني مرورا بهزيمة أحمد عرابي في معركة التل الكبير ودخول الإنجليز القاهرة في 15 سبتمبر 1882 إلى انقلاب يوليو1952 وحتى يناير 2011، لم يعرف الشعب المصري الحكم المدني أو يمارسه.
حط
الربيع رحاله في القاهرة بعد صيف طويل تساقطت فيه كل الأوراق وزحف الجفاف
والتصحر على كل المروج، جاء أخيرا الربيع ووقف الوطن على نافذة الثورة
المجيدة، واستطاعت جموع الشعب صنع التاريخ والإطاحة برأس النظام وتدشين حكم
ديمقراطي يعتمد التعددية وتداول السلطة وفق انتخابات شفافة ونزيهة أفرزت
مجلسين نيابيين ورئيس مدني ودستور.
بدأ
الشعب المصري في التقاط أنفاسه وسعى لتحسين وضعه الاقتصادي بعد أن تحسنت
مناخات الحرية والعدالة والكرامة، وعرف المجتمع المصري إنشاء الحزب
بالإخطار وحرية التجمع والتظاهر والتعبير، لم تعد موافقة أمن الدولة شرطا
في التوظيف والترقي، وتراجعت ثقافة الرشوة، كما سادت ثقافة حقوق الإنسان,
غاب المال السياسي عن الانتخابات، وأصبحت التنافسية على أساس البرامج
المتنوعة معيارا مهما لحصد أصوات الناخبين.
آلاف
المشاهد تدل على أن هذا الشعب قد تغير.. أصبح لا يأبه بالظالمين ولا يرهبه
المتجبرون، يعرف كيف ينتزع حقوقه ويبدع بين الحين والآخر على طريق
المجابهة الشاملة مع مؤسسة الفساد ونادي المنتفعين، نعم هناك عقبات تبطئه،
إلا أنه في النهاية يعرف هدفه ولا يتوقف عن تحقيق آماله وطموحاته رغم
التضحيات والآلام التي هي سمة رئيسية من سمات الثورات الناجحة.
باغت
الانقلاب العسكري المصريين، وحاول أن يسرق حلمهم ويقتل فيهم الأمل الذي شب
على الطوق، وأصبح له إرادة فاعلة يستحيل معها أن يعودوا إلى الوراء، فهم
يعلمون منذ البداية أن قوى الشر تتربص بثورتهم وتتآمر على دماء شهدائهم،
إلا أنه لم يدر بخلدهم يوما أن يوجه سلاحهم إلى صدورهم وأن يقتلهم قادة
جيشهم.
كانت تكلفة هذا الانقلاب باهظة ومؤثرة سلبا على مسار هذا الوطن ومصيره.
علي
الرغم من الإقبال المتواضع جدا والذي لم يتجاوز وفقا لمراكز أبحاث مستقلة
12% إلا أن الحكومة تعاملت معه على أنه يتجاوز 40 % حصد قائد الانقلاب منها
ما يزيد على 23 مليون. وقد علق حمدين صباحي وحملته على هذه النتيجة بقوله
إن هذه النتيجة لم تحترم ذكاء المصريين ولم تتفق مع الإقبال الضعيف على
التصويت.
والملاحظ
كما تقدم في مقالات سابقة أن الانقلاب في كل خطوة عينه دائما على
الانتخابات السابقة، فهو شاء أم أبى يجد نفسه في مقارنة مع الدكتور مرسي،
ويحاول في كل مرة أن تكون الانتخابات شديدة الشبه بسابقتها من ناحية
الإخراج والمظهر لا من ناحية الجوهر والمضمون، مما يدفعني للقول بأن هذه
الإجراءات ما هي إلا محاكاة للانتخابات الديمقراطية على غرار تجارب
المحاكاة التي هي عملية تقليد تحاول أن تمثل وتقدم الصفات المميزة لسلوك نظام مجرد بوساطة سلوك نظام آخر يحاكي الأول, فهي محاولة إعادة عملية ما في ظروف اصطناعية مشابهة إلى حد ما بالظروف الطبيعية.
ويأتي
هذا الحرص من وجهة نظر التحليل السياسي لتسويق الانقلاب عالميا واكتساب
شرعية دولية على أساس أن العالم اعترف بنظام مرسي وقبل بهكذا انتخابات،
وعليه أن يعترف بهم لأن شرعيتهم مستمدة من انتخابات مشابهة، معتمدين على أن
العالم غالبا ما ينسي التقارير والمشاهدات ومعظم الحقائق ويتجاوز عن
التجاوزات والخروقات مقابل مزيد من الابتزاز على قاعدة حماية مصالحة وتبادل
أدوار المساندة والدعم, وهي قراءة في الغالب صحيحة وتتماشي تماما مع
النفاق الدولي المعهود ويمكن القول بان العالم الغربي بدأ أولى خطوات
ابتزازه لهذا النظام الانقلابي عندما أعلن عن قبوله بالتعامل مع النظام من
أجل استكمال التحول الديمقراطي مع إرسال ممثلين على مستوى منخفض لحضور حفل
التنصيب، وهو سلوك يمكن وصفه بالحَذِر في قبول النتائج والتعامل مع
عواقبها.
وقد
عبر بعض المتابعين لحفل التنصيب الأسطوري غير المسبوق الذي أقامه قائد
الانقلاب لتنصيب نفسه واستجداء ضيوف من الخارج لحضوره بأنه اصطناع لشرعية
بروتوكولية يصنعها موظفون أجانب بعد عزوف الشعب عن إعطاء هذه الشرعية.
ولا أدري بأي وجه يطالب السيسي الشعب بالتقشف بعد هذا البذخ في المظاهر والنفقات!
إنه
يوم حزين تقام فيه المآتم في كل شارع به شهيد أو معتقل أو جريح أو مطارد..
إذ بأي حال تتلقى أم الشهيد وزوجته وأولاده وذووه صور الرقص والطرب والصخب
احتفاء بتنصيب القاتل.. ودماء الشهداء لم تجف والقلوب الموجوعة ما زالت
تأن وتتألم.
لقد
أصابني شعور بالضيق والحزن والأسى والألم عندما كتبت زوجة أخي وصديقي
الشهيد الدكتور خالد كمال الذي استشهد وهو يقوم بواجبه كطبيب في أول لحظات
فض اعتصام رابعة تدعو ربها وتستمطر رحمته بعد أن شاهدت القاتل يخرج في
زينته وحوله أعوانه وحاشيته تقول: "ونحن في
الثلث الأخير ربي أدعوك وأتوسل إليك أن تنتقم من السيسي ومحمد إبراهيم
وأعوانهما وكل من أيدهما، اللهم انتقم منهم أشد الانتقام وأرنا فيهم عجائب
قدرتك، اللهم انتقم منهم في أعز ما لهم، ربي أنت تعلم حالي، تعلم كيف ينزف
القلب وكيف انكسرت النفس، كيف أن العيون لا تكف عن الدموع، كيف تمر علينا
كل ليلة أنا وأولادي، كيف أن كل الآمال التي بنيناها للسنين القادمة هدمت،
كيف أن السعادة أصبحت لا تعرف طريقا إلينا.. كيف أن الحياة أصبحت تعبا
ووحدة ودموعا وانكسارا، أعلم ربي أن هذا قدرك وأنه الخير، ولكن أرجوك لا
تغضب علي، فأنت أعلم أن كلامي هذا ليس سخطا والعياذ بالله على أقدارك، إنما
هو الألم الذي يعتصر القلب الذي يجعل الدموع لا تجف، إنه الضعف الذي
أصابني بعد فقدان أغلى رفيق، فقدان الإنسان الذي لا يعوض، مهما وصفت هذا
الألم فسأعجز عن تصويره كما يجب، لكن عندما تهدأ القلوب وتنام العيون فتلك
أصعب لحظات تمر عليَّ .. رحمة الله بقلوب ضعيفة، رحمة الله بقلوب الأطفال
التي يُتمت، رحمة الله بقلوب الأمهات الثكالى، رحمة الله بقلوب الزوجات
الأرامل، رحمة الله بقلبي الضعيف، ورحمة الله بالفقيد الرفيق الغالي
خااااااااااالد".
أدركت
أن آلاف الشهداء لهم آلاف الأسر تشعر بنفس الإحساس من الألم والحزن
والفراق والوحشة والظلم والبطش، لا يسعهم في هذه الأيام إلا الالتحاف
بالصبر والإيمان واستحضار معاني اليقين والثبات وأن الله لا يضيع أجر
المحسنين، كما أنه لا يهدي كيد الخائنين.
نعم
يعزي المصريون بعضهم بعضا لضياع الحقوق والحريات، ووفاة دولة القانون،
واختلال ميزان العدالة، لكنهم متمسكون بالأمل، طامعين في تصحيح المسار من
خلال الاصطفاف الوطني واستعادة ثورة يناير.
_________________________
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق