السبت، 28 يونيو 2014

تصرفات وزارة الأوقاف المصرية في ميزان الشريعة بقلم: د. أحمد زايد

 تصرفات وزارة الأوقاف المصرية في ميزان الشريعة
بقلم: د. أحمد زايد
الحمد لله وصلى الله على النبي محمد وآله وصحبه أما بعد:
فنحن نتابع ما يجري في أرض الكنانة من أحداث ووقائع، كان من أعجبها وأكثرها غرابة ما قامت به وزارة الأوقاف من بعض الإجراءات وما جرى على لسان وزيرها من تصريحات تقتضي أن نقول كلمة حق فيها ليستبين الأمر وتظهر الحجة ويزول اللبس.
وظيفة الحاكم وأولي الأمر في الإسلام:
قرر الإسلام أن كل من تولى ولاية في المسلمين فإن تصرفاته فيها منوطة بالمصلحة وقعد العلماء في ذلك قاعدة فقهية ثبتت لديهم بالاستقراء نصها: "تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة" (الأشباه والنظائر لا بن نجيم الحنفي 1/123 القاعدة الخامسة).
فتصرفات أولي الأمر لها غاية وشروط، ولها مجالات وحدود.
أما الغاية: فلابد أن تكون تصرفات أولي الأمر محققة: "حراسة الدين وسياسة الدنيا" كما نص عليه الماوردي في الأحكام السلطانية، والجويني في الغياثي، ووضحها ابن خلدون بعبارة أكثر تفصيلا بقوله في المقدمة عن الإمارة أو الخلافة:
"هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها، إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة، فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به". 
وأما الشروط فملخصها:
-                  أن لا تخالف نصا شرعيا أو إجماعا.
-                  أن تحقق مصالح العباد المقصودة شرعا.
وأما مجالاتها وحدودها:
ففي مجال المأمورات والمنهيات الشرعية يجب التسليم لمقتضاها، والأمر بالمأمور به والنهي عن المنهي عنه، وحمل الكافة على الالتزام به بحكم السلطان المخول إليه.
وفي مجال المسنونات فالمطلوب تعظيمها، وحث الناس عليها بالترغيب فيها والندب إليها وحمايتها من الاستهانة بها أو التفريط فيها.
أما في مجال المباحات فلأولي الأمر تقييد ما ثبت منها بالبراءة الأصلية والاستصحاب بشروط معلومة عند أهل العلم، وأما المباحات بالنص فليس له تغيير أحكامها، لأن المباح من شأنه أن يبقى مباحا كما نص على ذلك الشاطبي في الموافقات.
في ضوء هذه الأصول الموجزة أقول:
تواترت الأخبار أن وزارة الأوقاف المصرية قامت بما يلي:
-                  منع كل من لا يحمل شهادة أزهرية من القيام بخطبة الجمعة وبالتالي التدريس داخل المساجد.
-                  إغلاق الزوايا والمساجد الصغيرة المساحة في محافظات عدة.
-                  تحديد شروط للاعتكاف في رمضان.
-                  محاولة توحيد خطبة الجمعة على مستوى القطر المصري.
-                  منح الضبطية القضائية داخل المساجد للمفتشين بمعاونة الأهالي.
-                  إعادة النظر في قواعد خطبة الجمعة.
وهذه التصرفات المشينة مخالفة للشرع الحنيف، وبيان ذلك على النحو التالي:
أولا- تصرف الوزارة من (منع غير الأزهريين من أداء خطبة الجمعة، ولن يسمح لكل أزهري إلا لمن يحمل ترخيصا من الوزارة).
هذا أمر غير جائز شرعا لما يترتب عليه من تعطيل شعائر الله تعالى في كثير من المساجد، وليس هذا ادعاء أو توقعا، بل حقيقة واقعة بالفعل، حيث صلى البعض صلاة الجمعة خلف المذياع، وآخرون صلوا الجمعة ظهرا، فهل تعطيل الشعائر على هذا النحو وبخاصة شعيرة الجمعة أمر يقره الإسلام وتقتضيه المصلحة؟ أليس هذا سعيا في خراب بيوت الله تعالى التي أمر بتعميرها في قوله تعالى: "إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ" (التوبة آية:18) وفي قوله سبحانه: "فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ . رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ" (النور آية 36/37).
ألا يدخل تعطيل المساجد وإغلاقها في التخريب الذي توعد الله تعالى فاعليه بالخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة في قوله عز وجل:"وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ" (البقرة آية 114).
ثم كيف تقوم الوزارة بذلك ونحن على يقين أن المساجد في مصر كثيرة بحيث تفوق أعداد الخطباء الرسميين بآلاف الأعداد، ألا يترتب على هذا النقص إن أضفنا إليه غير منع غير الأزهريين منع الصلوات وتعطيل الشعائر بسبب نقص الخطباء.
ثم أقول من أين جاءوا بهذا التصور الغريب: قصر الخطابة على الأزهريين؟
هل هذا نص من قرآن، أو مستند من سنة أو إجماع؟
هذا كلام لا علاقة له بشرع أو دين ألبتة، وقد قرر الفقهاء أن أي جماعة لو أخرجوا من بينهم رجلا افتتح خطبة الجمعة وأدى أركانها الخمسة وهي (الحمد لله - والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم - وأوصى الناس بالتقوى – وقرأ آية أو جزءا منها – فعل ما يقع عليه اسم الدعاء للمؤمنين ) انظر (منهاج الطالبين للنووي باب صلاة الجمعة) إن فعل ذلك أي مسلم في جماعة وجبت عليهم الجمعة في مسجد كبير أو صغير، أو حتى بناية من البنايات ليست متخذة مسجدا أصلا صحت جمعتهم بلا خلاف.
فمن أين اشترط الوزير الهمام هذا الشرط؟، ومعلوم شرعا أن أي شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل ولو كان مائة شرط.
ثم السؤال: هل لا يحمل العلم الشرعي في مصر إلا الأزهريون؟ أظن أن من ادعى ذلك فقد أبعد النجعة، وهل كل الأزهريين يصلحون للخطابة وإمامة الناس؟ الواقع يقول غير هذا؟ فهناك خطباء الجمعية الشرعية وهم آلاف، وخطباء أنصار السنة وهم آلاف كذلك، وكثير من الشباب الذي يحسن أن يقوم بالخطبة على أتم وجه، كيف يمنع هؤلاء جميعا اللهم إذا إذا كان المراد تكميم الأفواه والتحكم في الخطاب الديني بمصر بحيث لا يخرج عما يرديه الانقلابيون.
ثانيا- إغلاق المساجد الصغيرة:
يجوز إغلاق المساجد الصغيرة منعا لتعدد الجُمع، وبقصد جمع الناس في مساجد جامعة ليتعارفوا ويتآلفوا، هذا من ناحية الأصل.
أما من ناحية الواقع فإن المساجد الكبيرة غالبا لا تكفي المصلين في صلاة الجمعة وبخاصة في المدن الكبرى كالقاهرة، وقد نص العلماء على أن "عسر الاجتماع" في مساجد معينة بسبب كثرة العدد يبيح انعقاد الجمعة في أماكن أخرى غير المسجد الجامع، ولو صلى جماعة صغيرة العدد جماعة في غير المسجد الجامع دون عذر صحت صلاتهم كما في كتب الفقه.
ثم السؤال: هل بالفعل إغلاق المساجد الصغيرة هدفه الخروج من الكراهة أو الخلاف الذي نص عليه الفقهاء؟، اللهم لا.
فإن سياق الأحداث في مصر في ظل انقلاب دموي يحارب الدين ويحاول التحكم في كل ما يتصل به يقطع بغير ذلك .
إنها محاولة لإغلاق المساجد الصغيرة في الصلوات الخمس والجمعات محاربة لله تعالى ورسوله مهما كانت الأعذار، فتاريخ مصر يشهد أن هذه المساجد تستقبل المصلين المحيطين بها في الأحياء التي بنيت فيها وبخاصة كبار السن الذي يصعب عليهم السير نحو مساجد بعيدة.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة لبيضها بنى الله له بيتا في الجنة" (أخرجه أحمد من حديث ابن عباس) فكيف يحث الرسول صلى الله عليه وسلم على أمر ويأتي من ينهى عنه عمليا، إذ كيف يفكر إنسان في بناء مسجد صغير حسب قدرته ورغبته في الخير وهو يعلم أن الوزارة ستغلقه ليتحول إلى مخزن أو غير ذلك، وما شعور مئات بل آلاف المتطوعين الذين شيدوا هذه المساجد الصغيرة رغبة في الأجر بعد قرار إغلاقها؟.
ثم هل من سلطان الوزارة أو حتى الحاكم أن يمنع المستحب أو المسنون؟
قرر العلماء بلا خلاف أنه ليس للحاكم أن يمنع شيئا مشروعا وإنما غاية سلطانه أن يقيد المباح بشروط، وليس كل المباح إنما المباح الذي ثبتت إباحته بالبراءة الأصلية أو النص العام.
ثالثا- وضع شروط للاعتكاف:
الاعتكاف سنة مؤكدة منصوص عليها في الكتاب الكريم والسنة المشرفة، ولا يجوز لأحد أن يمنع أحدا من الاعتكاف في أي مسجد سواء كان بعيدا أو قريبا، فهذا من الصور البينة في محاربة الشريعة التي لا تحتمل تأويلا مهما تمحل لذلك المتمحلون.
وتسجيل أسماء راغبي الاعتكاف قبل الموعد بأسبوع، ومنع غير أهل الحي من الاعتكاف في مسجد الحي، وإرسال أسماء المعتكفين لجهات معينة معروفة عملها وإجرامها... كل هذه خطايا وآثام وجرائم بل وكبائر لا تجوز شرعا، وهي باطلة لا يجوز لأحد الإقدام عليها تحت أي مبرر ولا يجوز لأحد الالتزام بها؛ لأنها غير نافذة شرعا.
فعنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ قال النبي صلى الله عليه وسلم:": قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ: "كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَوْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ فَهُوَ بَاطِلٌ".
وفي الحديث: "مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ ؟ فَمَنْ شَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ، وَإِنْ شَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ، إِنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَق".
فهذه كلها قيود وشروط باطلة شرعا في حق من أصدرها ولا يجوز للمسلمين تنفيذ شرط باطل أو التقيد به.
رابعا وخامسا- الضبطية القضائية وإعادة النظر في قواعد خطبة الجمعة:
وهذا عار جديد ومخالفة شرعية واضحة، ويكفي أن تقرأ الخبر كما ورد في الصحف هكذا: صرح ... وكيل وزارة الأوقاف: (أن الوزارة اتخذت إجراءاتها لمتابعة كل المساجد، مشيرا إلى أنه تم منح مجموعة من مفتشي الإدارات حق الضبطية القضائية، ليصبح للقانون قوة تنفذه وتحميه، ويمنع كل من تسول له نفسه من ازدراء الزي الأزهري، أو اعتلاء أي شخص للمنبر. وأشار إلى أن مأموري الضبطية القضائية سيعملون بالتعاون مع الأهالي، الذين يبلغون المفتشين بوجود أي شخص غير أزهري).
أليس هذا انتهاكا للمساجد واحتقارا للدعوة والدعاة وإدخالا للرعب في قلوب الناس وتجريء الناس على المخلصين من الشباب الذي يمارس الدعوة إلى الله وبخاصة عند غياب الخطيب الرسمي، أليس البديل عن ذلك تعطل الشعائر والاستهانة بها.
عندما يعمل الأهالي جواسيس ليس لهم هم إلا التبليغ عن فلان وفلان ... لمصلحة من كل هذا؟
إن شيئا من هذه التصرفات العبثية لا يمكن أن يتفوه به مسئول تجاه دور العبادة المسيحية ... فلماذا كل هذا التضييق على الإسلام والمسلمين؟
لا أريد كذلك أن أتناول كثيرا مما ذكره الإعلاميون في حملتهم الشرسة على المساجد حتى طالب البعض بهدمها، وآخرون اتهموها بأنها تفرخ الإرهاب، وليس ذلك غريبا ولا عجيبا بعد أن أحرقت بعضها الشرطة والجيش ودنس بعضها الآخر البلطجية ومن لا خلاق لهم من السفهاء.
يا وزارة الأوقاف بكل مشايخها ودعاتها اتقوا الله في المساجد وفي الدعوة.
لا تهينوا دين الله بهذه الأفعال، كفاكم تنازلات لجهات لن تغني عنكم من الله شيئا.
اعتزوا بدينكم واعلموا أن الرزق بيد الله تعالى والآجال بيده سبحانه.
أوقفوا هذه الحرب على المساجد ولا تشتركوا فيها بعلم أو بدون علم.
ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
________________________
الأستاذ بكلية أصول الدين، جامعة الأزهر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق