الإسلاميون فى طور جديد (1-2)
بقلم: شاهين فوزي
بمرور
عام على الانقلاب العسكري العلماني فى مصر، تبدو التيارات الاسلامية فيها
فى خضم طور هائل من التغييرات الجذرية في طبيعة مكوناتها وفي أطروحاتها
الدعوية والسياسية على حد سواء، وكما كانت نكسة يوليو2013 كاشفة عن حجم
ولاء العسكر ودولتهم العميقة للحلف الصهيوأمريكي، فقد أماطت اللثام أيضاً
عن حقيقة الولاءات والمناهج التي شكلت وعي الكثير من الإسلاميين منذ عقد
الثمانينيات وحتى عشية مجزرة رابعة الإباء.
إذا
تطرقنا بادئ الأمر للاتجاهات السلفية، يبدو أن الانقلاب قد أسفر عن تفتيت
الكتلة السلفية غير المتجانسة بالأساس إلى 3 اتجاهات رئيسية:
1-
التيار السلفي المستقل المقاوم للأنظمة العلمانية: وهو التيار العريض
الأكثر شعبية وتغلغلاً على اتساع المنطقة، وقد عبرت عنه البيانات التي صدرت
عن العديد من علماء الأمة من أرض الحجاز حتى موريتانيا، وعبر عنه كثافة
الحضور السلفي التلقائي ضد الانقلاب العلماني بدءاً من اعتصامي رابعة
والنهضة التي كان للشباب السلفي دور بارز فيهما، وكذلك الشيوخ السلفيون
البارزون والنشطاء المخلصون الأفاضل (حازم أبو إسماعيل - محمد عبد المقصود –
فوزي السعيد – سعيد عبد العظيم – نشأت أحمد - جمال عبد الهادي - حسام أبو
البخاري – خالد حربي.. وغيرهم كُثر من داخل وخارج مصر).
2-
الجمهور السلفي الخامل: (حزب الكنبة السلفي) وقد بنى هذا الجمهور انتماءه
السلفي على متابعة دروس الشيوخ السلفيين سواء كان ذلك بحضور حلقات العلم أو
اعتماداً على القنوات الدينية التى انتشرت انتشاراً واسعاً في العشر سنوات
الأخيرة، ومن أبرز الشيوخ المكونين لوعيهم (محمد حسان- محمد حسين يعقوب –
أبو إسحاق الحويني.. وغيرهم)، وهذا الجمهور وقف من الانقلاب موقف العاجز
غير المدرك لحقيقة الحدث أو طبيعة الصراع، وهو نفس الموقف الذي اتخذه
شيوخهم من اعتبار الأمر فتنة يلتبس فيها الحق بالباطل، وليس هذا بالأمر
الجديد، فما سمحت أمن دولة مبارك لهم بالانتشار واتاحت لهم القنوات إلا
لابتعادهم عن التطرق لجوهر قضية المسلمين في المشرق وصراعهم مع العلمانية،
بل لا ننسى هنا أن كثيرا منهم قد تنادوا أيام عملية الرصاص الصهيونى
المصبوب على غزة فى ديسمبر 2008 بأنه لا شأن لنا بهذا، وأن المسلم جدير به
أن ينشغل بإصلاح نفسه تحت شعار (لا دخل لنا بما يجرى فى غزة )!!!!.
أما الآن فإنهم يدعوننا للسلامة، وأن نرتد على أعقابنا لنحيا الذل والمهانة تحت دعوى اتقاء الفتنة، فهم يذكروننا بقول المتنبي:
ذَلَّ مَن يَغبِطُ الذَليلَ بِعَيشٍ رُبَّ عَيشٍ أَخَفُّ مِنهُ الحِمامُ
ذَلَّ مَن يَغبِطُ الذَليلَ بِعَيشٍ رُبَّ عَيشٍ أَخَفُّ مِنهُ الحِمامُ
كُلُّ حِلمٍ أَتى بِغَيرِ اِقتِدارٍ حُجَّةٌ لاجِئٌ إِلَيها اللِئامُ
مَن يَهُن يَسهُلِ الهَوانُ عَلَيهِ ما لِجُرحٍ بِمَيِّتٍ إيلامُ
3- التيار السلفي الموالي لانظمة العلمانية والتابع للحلف الصهيوأمريكي:
كانت
أمسية 3 يوليو 2013 هي نهاية أكذوبة السلفية العلمانية النفطية، وقد انتهت
أطروحات هذا التيار الذي تأسس في الثمانينيات بدعوى حماية العقيدة وحراسة
المفاهيم إلى اضطرار العسكر وحلفائهم في المنطقة لإحراقهم باستخدام الدعوة
السكندرية ورموزها كمحلل للانقلاب العلماني، ومبارك لخطوات التحالف
الصهيوأمريكي، لقد انتزعت عنهم ورقة التوت الأخيرة ليظهر ياسر برهامي
والمقدم وأحمد فريد وأشباههم في التنظيم النفطي وأتباعهم على صورتهم
الحقيقية، بعد أن دمروا وعي أجيال من السلفيين تحت دعوى نقاء المنهج وتحريم
الديمقراطية، ثم سارعوا الآن لا لمجرد المشاركة فى الديمقراطية بل لمساندة
وموالاة ديكتاتورية علمانية فاشية، فمن كانوا يعيبون على الإخوان انتخابهم
فى مجالس الشعب لمخالفة الدستور للشريعة، صاروا الآن تابعين أذلاء لنظام
يهدم أسس الشريعة ويعلمن البلاد ويحكم بالإعدام على الآلاف من الإسلاميين!!
وقد
تبين للقاصي والداني أن تلك التنظيمات كانت منذ يومها الأول مجرد أدوات
تحركها المخابرات والعسكر، وليتضح أنهم ما قاموا ولا تم تمويلهم النفطي إلا
لصناعة تيار يحمي النظام العربي العلماني الذي يحكم بلداننا قهراً منذ
رحيل الاستعمار في أواسط القرن العشرين، ويزايد على الحركات الإسلامية
المستقلة بدعوى نقاء المنهج، بينما هو ينخر كالسوس في جسد الإسلاميين
فاتناً شبابهم وموغراً صدورهم ومربياً للعداوة تجاه الإخوان في قلوب
أتباعه، وهو ما جسده قول برهامي لأزلامه: "الإخوان أشد خطراً على الإسلام
من اليهود"!!.
ولأن
رموز السلفية العلمانية (السيسية) أوشكت على الاحتراق تماماً، فإن الصف
الثاني يتم تجهيزه لخوض غمار الحرب الفكرية ضد التيار الإسلامي المقاوم،
وهو ما يندرج تحت مسميات جوفاء كحراسة المفاهيم أو حراسة الشريعة أو الحفاظ
على نقاء المنهج، مما يذكرنا بقول ابن عمار عن ملوك الطوائف الموالين
للفرنجة:
مما يزهدني في أرض أندلسٍ أسماءُ معتمدٍ فيـها ومعتضدِ
ألقابُ مملكةٍ في غير موضِعِها كالهرّ يحكي، انتفاخاً، صولةَ الأسدِ
والآن
يقوم برفع راية الحرب ضد الفكرة الاسلامية الأصيلة وجوه جديدة اشتهرت بين
نشطاء فيس بوك تحت مسمى (الأوصياء الجدد، صغار البراهمة) وهدفهم الثابت هو
صرف الناس عن المعركة الأساسية مع الأنظمة العلمانية الموالية للصهاينة
بدعوى العمل المجتمعي والابتعاد عن سؤال السلطة الآن، والطريف أن هؤلاء
بعينهم منذ عدة شهور قد أشبعوا الرئيس الأسير وجماعته نقداً وتكذيباً
وسخرية، وشنوها حرباً إعلامية ضروسا نافين وجود فكرة مشروع إسلامي للحكم!!
والخلاصة
أن الأمر في مصر بات جلياً، فبعد ما جرى من مذابح ومحارق وقتل واعتقال فإن
التعامي عن تلك الحقائق الدامغة والعودة للسرداب أضحى خدعة لا تنطلي على
أحد، فقد بات الانقلاب ورموزه المحاربة للدين مناطاً عملياً واضحاً للولاء
والبراء، وفاضحاً لحقيقة الكثير من الشيوخ والدعاة ذائعي الصيت إعلامياً،
لكنهم - ويا للسخرية - عند المحنة توحدوا مع الدعاة الجدد العصرانيين الذين
طالما رموهم بكل نقيصة وخرجوا ليحدثونا عن اتقاء الفتنة وطاعة الحاكم
(الصهيوني) المتغلب، وعن ضرورة التعايش وتربية المجتمع المنغمس في الرقص
والتحرش تحت رعاية سدنة الانقلاب!!! ليصدق فيهم قول الشاعر:
وجوهكم أقنعة بالغة المرونة
طلاؤها حصافة، وقعرها رعونة
صفق إبليس لها مندهشا، وباعكم فنونه
وقال: " إني راحل، ما عاد لي دور هنا، دوري أنا أنتم ستلعبونه".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق