الوسواس الصهيوني وحصار قطر
بقلم: عامر عبد المنعم
فكرة حصار العرب وتطويق الدول فكرة صهيونية
لا يقوم بها مسلمون يعرفون دينهم، فالعربي لا يحاصر عربيا، والمسلم لا
يحاصر مسلما، والعربي المسلم لا يتحالف مع الأعداء ضد أخيه، وحصار المسلم
للمسلم سلوك غير مسبوق في التاريخ الإسلامي، وكثيرا ما اختلف الحكام لكن لم
يتم تحميل الشعوب مسؤولية هذا الخلاف، ولم ينتقم حكم مسلم من شعب عربي
مسلم كما يجري الآن للقطريين.
تطويق العرب وخنقهم فكرة صهيونية مارسها
الإسرائيليون ضد القرى والمدن الفلسطينية منذ عام 1948، وتتجلى في أوضح
صورها حاليا في الحصار المفروض على غزة، لإجبار حركة حماس التي تدير القطاع
على الاستسلام والقبول بالهيمنة اليهودية.
بسبب الخلاف في الدين والروح الصليبية
العدوانية استخدمت الولايات المتحدة الحصار على الدول الإسلامية التي
اعتبرتها متمردة على الهيمنة الأمريكية، وفرضت العقوبات على العراق
والسودان وإيران وأفغانستان وليبيا، وأطلقت على هذه الدول اسم "الدول
المارقة" بل وتم تدمير العراق بعد حصار استمر لمدة 13 عاما وأفغانستان
قبله.
إذا كان غير المسلمين يقومون بحصار المسلمين
لأسباب ودوافع عقدية وتفسيرات متطرفة فإن تبني حكام دول عربية لسياسة
الحصار ضد دول عربية أخرى يعد خروجا على كل الثوابت الدينية والقومية،
وينافي كل القيم الإنسانية، ويعد انقلابا على التاريخ والجغرافيا، وعلى
روابط الجوار واللغة وصلة الأرحام.
لقد اعتدنا أن يختلف الحكام فيما بينهم، وقد
يتخذوا مواقف عقابية ضد بعضهم البعض لكن أن تعلن الحرب على رعايا دولة
عربية أخرى فهذا غير مسبوق، ويزيد الأمر غرابة أن الحصار المفروض على قطر
ليس لأن أميرها متهم بالتحالف مع الإسرائيليين أو أنه يحارب الإسلام وإنما
لأنه لا يعترف بأن حماس جماعة إرهابية!.
التحالف مع إسرائيل
لقد حدث انقلاب في الموقف من الكيان
الصهيوني، وتحول الموقف العربي التاريخي ضد الاحتلال الإسرائيلي والدفاع عن
القضية الفلسطينية إلى تحالف مع إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني والتحريض لضرب
المقاومة في قطاع غزة ومعاداة الفلسطينيين!.
ليتهم وقفوا على الحياد ولم يتدخلوا في
الصراع الإسرائيلي الفلسطيني – مع أن هذا ليس موقفا مشرفا- لكنهم شاركوا
الإسرائيليين في فرض الحصار الغاشم على قطاع غزة ويشاركون الآن في المخطط
الذي أطلق عليه أحدهم بأنه "صفقة القرن"، وتم تسريب معلومات مفزعة عن هذه
الصفقة الملعونة تشير إلى تدمير غزة والإجهاز النهائي على القضية
الفلسطينية!.
لقد فضح الحصار الجوي والبري والبحري الذي
تتعرض له قطر الاستعدادات لضرب غزة، فالذين يتآمرون مع إسرائيل ضد حماس
والقطاع المحاصر يريدون إغلاق قناة الجزيرة وتأميم الإعلام حتى تتم جريمة
القرن في صمت!.
إنهم يريدون قتل الفلسطينيين بعيدا عن
الإعلام وفرض واقع جديد قبل أن تنتبه الشعوب العربية، ويأتي في إطار هذا
السعي حملة إغلاق المواقع الإلكترونية وحظرها التي تمت قبل فرض الحصار على
الدوحة بأيام.
شماعة الإرهاب
بدلا من أن يخوض حكام العرب معركة من أجل
النهوض والتنمية، ومحاربة الفساد والفقر، وإنقاذ شعوبهم من المجاعات
المتوقعة، والتصدي لمخططات التقسيم الصهيونية اخترع بعضهم معارك أبدية ضد
أعداء غير محددين، يتكاثرون بمتوالية هندسية باسم الحرب على الإرهاب،
وأصبحوا أكثر تطرفا من مواقف الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الذي لا يخفي
مواقفه العدائية ضد المسلمين.
لا نبالغ عندما نقول إن الإدارة الأمريكية
والأوربيين أكثر رحمة من بعض حكام العرب، فالغرب يقصر المواجهة مع بعض
الكيانات المسلحة مثل تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة بينما دعاة الحرب
العرب يوسعون الدائرة لتشمل كل الكيانات الإسلامية بما فيها الحركات
السياسية والدعوية وحتى المنظمات الإغاثية والجمعيات الخيرية.
ومن المفارقات أن بعض القادة العرب الذين
يدعون للحرب على الإرهاب يتهمون دول الغرب المسيحي بدعم الإرهاب الإسلامي،
لأنها لا توافق على وضع حركات إسلامية مثل الإخوان المسلمون على قوائم
الإرهاب، وسلك بعض حكام العرب طريقا شاذا لتدمير التماسك المجتمعي بوضع
قوائم للإرهاب تضم ألوان من الطيف الإسلامي لا تعبر إلا عن حالة من السادية
والعدوانية ومحاربة طواحين الهواء.
لقد أصبحت دعاوى الحرب على الإرهاب بابا
للارتزاق، ولتبرير بقاء الاستبداد، والوصول إلى شرعية خارجية حيث يظن البعض
أنه كلما أظهر كراهيته لكل الحركات الإسلامية كلما حصل على التأييد
الدولي، وبالغ البعض في التطرف إلى تبني مواقف ضد الإسلام كدين وضد
المسلمين كشعوب!
استهداف الإسلام
من خلال رصد مواقف العرب الرسمية يبدو في
الأفق ملامح ظهور محور عربي جديد يتبنى أجندة صهيونية، تعمل على تحجيم
الإسلام ومظاهره وشيطنة كل القوى التي تبدي توجهات إسلامية ويتم تسخير
الفضائيات العربية للهجوم على ثوابت العقيدة وتوظيف الفن للطعن في الدين
الإسلامي.
ولأن الأجندة الصهيونية الجديدة صادمة،
وسيترتب عليها جرائم تهز كيان الأمة العربية، كانت الضربات متنوعة هدفها هز
قداسة الدين في النفوس، فالإسلام هو المرجع الذي يعود إليه الناس لضبط
مواقفهم تجاه ما يجري، إلا أن الحملة على الإسلام ومؤسساته تختلف من دولة
لأخرى في هذا المحور الجديد والتي وصلت قمتها إلى اتهام الأزهر الشريف
بالإرهاب!.
لكن يظل الاندفاع لمحاربة الإسلام جزءا من
الإستراتيجية الإسرائيلية التي ترى ان الفرصة مواتية لضرب عقيدة المسلمين
في لحظة تاريخية استثنائية فقدت فيها الأمة مناعتها وسقطت جدران الحماية
بعد ظهور قيادات تتوهم أن خدمة الصهاينة هي الطريق للحفاظ على الكراسي!.
أمة العرب اليوم تواجه خطرا يفوق كل ما
تعرضت له من أخطار، فالخطر ليس من غزو خارجي، وإنما من الداخل، بعد اعتناق
دوائر متنفذة للعقيدة الجديدة وتدمير الذات بإشعال الحرائق بين الدول
وبعضها البعض، وداخل كل دولة وتفكيك نسيج المجتمعات.
باختصار، نحن أمام إستراتيجية إسرائيلية،
ليست أمريكية وليست أوربية، هدفها حرق المنطقة ذاتيا وتدمير أمة العرب
بأيدي بعض أبنائها واستنزاف الأموال والأرواح تمهيدا للتقسيم وتنفيذ خطة
التفتيت التي وضعت على الخرائط وحان وقت تنفيذها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق