التفت محمد بن زايد نحو ضيفه المسؤول الأمريكي الكبير قائلا: “لو عرف
الإماراتيون ما أفعله لرجموني بالحجارة”. كان ذلك قبل الثورات العربية،
وبالتحديد منذ أن تمكّن من الانقلاب على أخيه “خليفة” ليستفرد بالحكم.
وهذه المقولة جاءت في برقية مسربة ضمن وثائق “ويكليكس”.
ويبدو أن “الشيخ” كان يبالغ أو يحاول أن يظهر للمسؤول الأمريكي أنه مستعد
للذهاب إلى أبعد ما تكون الخيانات والإنقلابات.
ورغم انكشاف بعض أفعاله لم يرجم الإماراتيون حاكمهم ابن
زايد بالحجارة. أرسلت فقط بعض النخب الإماراتية التي كانت محل تكريم من
دولتها رسالة إلى “خليفة”، قبل أن يقصيه شقيقه عن الحكم، تطالبه بالإصلاح.
لكن محمد بن زايد رأى أن يحاكمهم بمحاكمة هزيلة، والتهمة المعلبة الجاهزة
هي محاولة الإنقلاب على الحكم، وزج بهم جميعاً وبينهم واحد من الأسرة
الحاكمة بسجن “الرزين” الذي نافس سجن “غوانتنامو” ببشاعته.
يقال إن “محمد دحلان” مستشاره ورجل الإستخبارات العالمية
المفصول من “فتح” والهارب من القضاء نصحه بذلك. فابن زايد للعلم لا يثق
بعائلته. ومن الغباء أن يثق بأحد من أقربائه وهو الذي ينتمي لعائلة اشتهرت
بغدر الأشقاء وأبناء العم.
فجده “سلطان” قُتل على يد أخيه “صقر” ليستولي على حكم أبو
ظبي، ثم لم يلبث “صقر” إلا أن سقط قتيلاً على يد “خليفة” عم الشيخ “زايد”،
وهو رابع حاكم لأبو ظبي يقتل على يد أحد أفراد عائلته. وورث الحكم “شخبوط”
قبل أن ينقلب عليه أخوه “زايد” ويستولي على الحكم، ويقال إنه لولا العهد
الذي قطعه أمام أمه “سلامة” مع إخوته لبطش بأخيه “شخبوط”، لكنه رأى أن
ينفيه إلى بيروت.
وهذا ما يفسر كيف استعان ابن زايد بعد الانقلاب على أخيه
خليفة بضباط المخابرات ومستشاري السوء والتآمر والفوضى من الأنظمة الهالكة
لينهضوا بالدول العميقة ويطلقوا الثورات المضادة .
وهذا أيضا يرتبط بحقيقة كشفت عنها وثيقة أخرى مسربة، تظهر
عدم ثقة ابن زايد حتى في جيشه، إذ قال -حسب الوثيقة- “إن شيخاً في جامع
يستطيع تحريك 60٪ من أفراد الجيش الإماراتي. حينها نصحه المستشارون بجلب
المرتزقة من جيش كولومبيا والاستعانة برجال عصابات “بلاك ووتر”، مجرمي
الحرب في العراق، كي تحرس قصوره وتحميه من غدر اخوته وأبناء عمومته، وتشارك
في حرب مضادة للثورات انفق عليها مليارات بلده ناشراً الفوضى والحروب
الأهلية، فيما طائراته، خرقاً لكل القوانين، تقصف بلا هوادة الإسلاميين في
اليمن وليبيا.
وليس من المهم أن يتوقف المرء بحثاً عما يريده هذا الحاكم
الذي جاء في أسوأ عصور العرب، فلا يمكن لهذا الرجل أن يتحرك ويتدخل ويحاصر
جارته ويطلق طائراته تقصف الدول بمفرده. ثمة شرطي وحيد للمنطقة هو أمريكا،
وكل تحرك أمريكي هو لتأمين مصالح إسرائيل قبل مصالح واشنطن. وابن زايد لا
ينفذ مخططات فقط بل ينفق عليها المليارات، ويسير أمور بعض الدول العربية
على أهوائه وحسب أحقاده من خلال المال القذر الذي ينفقه “سمساره” يوسف
العتيبة في واشنطن.
لا شك أن أكثر من عالم تاريخ وإجتماع وسياسة سيتوقف عند
هذه الصفحة السوداء من تاريخ العرب في الألفية الثانية. سيكون عنوانها
المال والسلطة والعمالة. إذ ان العميل لحساب واشنطن بدل أن يقبض المال ثمن
عمالته أصبح هو الذي يدفع الجزية مليارات يسرقها من أفواه شعبه الجائع، لا
لكي يحمي رعيته مثلا، بل ليحمي عرشه. وان أسوأ ما في هذا العصر أن تولى أمر
العرب جاهل مستهتر متصهين يده ملوثة بدماء الأبرياء في اليمن وليبيا ومصر
وحتى مالي.
يعرف ابن زايد انه حين يمضي بعض الوقت، وقد يكون أصبح تحت
التراب، سيعرف الإماراتيون ماذا جنت يداه؟! ولم يهمه ان رجموا قبره
بالحجارة. لم يهمه ماذا سيقول التاريخ عنه لأنه لم يقرأ كتاب تاريخ بحياته
وهو الذي يشاع عنه أنه “ساقط إبتدائية”. ولم يهمه الدماء التي سالت على
يديه ولا الثورات التي حاربها وأجهض حملها.
ثمة غرابة في هذه الشخصية الفريدة، إنها تقدم أنموذجاً لما
يمكن أن يذهب إليه الحاكم العربي مقابل أن يحافظ على عرشه ولو شيده على
جماجم الملايين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق