الجمعة، 6 يونيو 2014

الشورى التي لا قيمة لها عند الله بقلم: د. فتحي أبو الورد

 الشورى التي لا قيمة لها عند الله
بقلم: د. فتحي أبو الورد
الشورى أقدس مبدأ تقوم عليه الحياة السياسية في المجتمع الإسلامي، كما أنها من ألزم اللوازم لإنسانية الإنسان وكرامته التي قدسها الإسلام وحافظ عليها، وتعد أول الأعمدة في هيكل البناء الدستوري للدولة المسلمة، وهي أصل في إدارة الشؤون الجماعية بل هي أهم قواعد الحكم في الإسلام.
قال ابن عطية كما أورد القرطبي وابن كثير في تفسيريهما: الشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام، من لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب، هذا ما لا خلاف عليه. وعزائم الأحكام هي الواجبات التى لا يجوز تركها.
وفي قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾ قال الرازي في تفسير مفاتيح الغيب: ظاهر الأمر للوجوب، فقوله ﴿وَشَاوِرْهُمْ﴾ يقتضى الوجوب. وليس من قرينة تصرف الأمر من الوجوب إلى الندب، وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء.
وقد كان أمر الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم بالشورى ليقتدي المسلمون به من بعده ولتكون سنة عامة ماضية في الحكم على وجه الخصوص.
قال الحسن والضحاك كما ذكر ابن كثير: ما أمر الله تعالى نبيه بالمشاورة لحاجة منه إلى رأيهم وإنما أراد أن يعلمهم ما في المشاورة من الفضل ولتقتدي به أمته من بعده.
وقد سوى الله سبحانه بين الشورى وبين الصلاة والإنفاق في قوله: ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ [سورة الشورى: 38].
والشورى إحدى الركائز في الحياة العامة لاستحقاق الأمة الحياة.، وفي هذا جاء قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الترمذي: "إذا كان أمراؤكم خياركم وأغنياؤكم سمحاءكم وأمركم شورى بينكم فظهر الأرض خير لكم من بطنها".
وقد عرفها القاضي أبو بكر بن العربي بقوله: هي الاجتماع على الأمر ليستشير كل واحد منهم صاحبه ويستخرج ما عنده.
ومن أجمع التعريفات المعاصرة للشورى ما ذهب إليه أستاذنا الدكتور محمد سليم العوا بأنها صدور الحاكمين فيما يتخذونه من قرارات أو يحدثونه من أوضاع وتنظيمات عن رأي أهل العلم والخبرة والمعرفة فيما يحقق مصلحة الأمة أو يتعارض معها.
وفي ضوء التطور الحادث والتداخل القائم في نظم الحكم الحديثة تعد الديمقراطية التي ترتكز على إرادة الشعوب وتحتكم إلى صناديق الاقتراع أقرب النظم المعاصرة لنظام الشورى في الإسلام، وإن ظلت هناك فوارق جوهرية تفصل بين الشورى والديمقراطية، مردها إلى مصدرية التشريع فيما ورد فيه نص شرعي قطعي.
ومن غير اللائق إنسانيا أن يعيش الإنسان مهمشا معزولا في مجتمعه دون أن يكون له دور فعال في الأحداث من حوله، ومشاركة إيجابية في صنع القرار ومراقبة تنفيذه.
وحين يقرر الإسلام الشورى مبدأ دستوريًا في الحكم فإنه بذلك يقضي علي عدو الإنسانية الفاضلة ومفسدها ــ كما يقول الشيخ محمود شلتوت ــ وهو الاستبداد بالحكم والرأي، واحتكار التشريع والتصريف والإدارة، ويحقق للفرد كرامته الفكرية، وللجماعة حقها الطبيعي في تدبير شؤونها.
والشورى في المنظور الإسلامي تحول دون نشوء ديكتاتوريات في المجال السياسي، وترد الأمر لأهله وهم الأمة التي تقرر شؤونها وتحدد مصالحها بإرادتها الكاملة بحيث لا يقع في حياتها إلا ما ترتضيه ولا يبرم أمر إلا بإقرارها.
والحكم الفردي من قديم ومن حديث أنتج تشوهات وعاهات في مسيرة الحياة الإنسانية السوية وأفقر الأمة في أهم ما يمكن أن تمتلكه من المعادن الإنسانية النفيسة التى يقوم بها – وعليها - النهوض الحضاري المنشود،، وعمل جاهدا على تغييب الوعى، وسلب العقول، وإماتة الضمائر، وتزييف الحقائق، وتسويق الأوهام.
لقد كان من مساوئ الديكتاتوريات - القديم منها والحديث - الممثلة في فرد أو حزب أنها سببت الشقاء للشعوب وأفسدت الحياة العامة، وكان من محاسن الشورى أنها أسعدت الشعوب وأبقت على الحياة العامة في الجملة نظيفة، وفي هذا المعنى جاء قول حافظ إبراهيم في عمريته:
رأي الجماعة لا تشقى البلاد به *** رغم الخلاف ورأي الفـرد يشقيـهـا
ومن مميزات الشورى الكبرى أنها ترد الحاكم إلى حجمه الطبيعي كلما حاول الانتفاخ والتطاول.
والبيئة المنكوبة بالاستبداد أشبه بدجاج كثير وديك واحد كما يقول الشيخ محمد الغزالي.
ولكن باسم الشورى في مجتمعاتنا العربية والإسلامية وقعت مهازل كثيرة، فحيث يتم تزوير الانتخابات وتزييف إرادة الأمة فباسم الشورى تمَّ هذا، وحين تمثل أغلبية جاءت على حراب التزوير الشعب في المجالس النيابية فباسم الشورى جاءت، وحين يمارس الاستبداد والتسلط والقهر على أفراد المجتمع فباسم الشورى يمارس، وهكذا أصبح ترديد كلمة الشورى - حتي في أكثر الأقطار استبدادا - طلاءً يصبغ النظام السياسي القائم بصبغة مصطنعة تستر قبحه، وتواري سوءاته تحت غطاء يناسب الأغطية التي ترتديها ــ أو تتسر بها ــ أنظمة العالم المتحضر، حتى وإن فرغت كلمة الشورى من محتواها وأصبحت شكلا لا مضمون له. وصدق حافظ إبراهيم حين قال:
لقد كان فينا الظلم فوضى فهذبت *** حواشيه حتى صار ظلمًا منظمًا.
إن الشورى في إحدى صورها اليوم لدى الديكتاتوريات المعاصرة تعني القدرة على تزوير الانتخابات العامة، واختلاق سوق انتخابي لا يوجد إلا في وسائل الإعلام الخاضعة الموجهة، وإحداث ضجة إعلامية من صنائع المستبدين عن مشاركة المواطنين توازى نسبة المشاركة المحددة سلفا والتي سيعلن عنها لاحقا.
إن الشورى الحقة هي التي تثمر نظامًا سياسيًا مدعومًا بإرادة الأمة، أما غير ذلك مما يلبس مسوح الشورى فإنها مسرحيات هزلية سئمتها أمتنا، وملتها شعوبنا.
رحم الله الشيخ شلتوت، لقد عدد أشكالًا مما يتسمى بالشورى زورًا، والشورى منه براء، واعتبرها جميعًا لا قيمة لها عند الله، من ذلك: الشورى التي تنسج خيوطها بكثرة العدد، أو عن طريق الإغراء والإرهاب لا قيمة لها عند الله، والشورى التي تجعل من الفرد المفسد أو الذي لا يعقل حاكمًا بأمره في الأمة لا قيمة لها عند الله، والشورى التي لا يجد المخلصون في جوها متنفسًا يكشفون فيه عن عبث العابثين وفساد المفسدين، لا قيمة لها عند الله، والشورى التي يلبس المنافقون في جوها مسوح الصدق والإخلاص ويكتمون عن الحاكم المخلص بذور الشر والفساد لا قيمة لها عند الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق