الثلاثاء، 3 يونيو 2014

الشعب المصري يصفع قائد الانقلاب بقلم: محمود إبراهيم صديق



 الشعب المصري يصفع قائد الانقلاب
بقلم: محمود إبراهيم صديق
لا يكاد يصدق صاحب الهاشتاج الأشهر في العالم ماذا حدث. قائد الانقلاب الذي انفصل عن الناس وعاش حياه الكهنوت مع عبدته وألقى لخياله المجال لحكم مصر لم يفهم سيكولوجية الشعب، ولا حتى أصحاب الثورة أنفسهم في أن تكون الردة قاسمة وموجهة بهذا التركيز.
فقره وجهالة عقله وسطحية تفكيره جعلت منه لا شيء في عيون المصريين.
الشعب عاد ليلقنه درسا قاسيا ويضعه في ركن ضيق بعد أن سبه وعاث في عرضه وفكره يوم أن قال إن أمامنا خمسة وعشرين عاما لتطبيق ديمقراطية كاملة.
كان الجواب عمليا ومباشرا بنتائج أذهلت قادة التحالف الوطني أنفسهم، ليسقط حالة الإجماع المزعومة وفقاعة الإعلام.
كنا كثيرا ما نسمع أنه شعب لا يستحق الحرية، شعب لا ينكر الدماء ويسلم عقله إلى المفلسين وفقراء الفكر والدجالين في وسائل الإعلام. شعب هش لا يقوى على مواجهة الأحداث ولا مقاومة التغيرات في المبادئ والقيم. شعب أكلته أميته واستسلم إلى الدكتاتور. شعب لا تكتمل ثوراته. شعب في مجمله لا يستحق أكثر من سطحية قائد الانقلاب لتحكمه.. كلمات تترد كثيرا، ونسمعها دوما في كل مكان. دوما يوجهون اللوم إلى الشعب، ودوما ما يشيرون بالهجوم على الشعب.
لم يدرك الكثير أن هذا الشعب كان ضحية المثقفين والنخبة من أبنائه. ذكر السيد (لوبون جوستاف) في كتابه "سيكولوجية الجماهير" أن الجماهير تحترم القوة ولا تميل إلى احترام الطيبة التي تعتبرها شكلا من أشكال الضعف، وما كانت عواطفها متجهة أبدا نحو الزعماء الرحيمين والطيبي القلب، والمستبدين الذين سيطروا عليها بقوة وبأس، وهي لا تقيم تلك النصب التذكارية العالية إلا لهم، وإذا كانت تدعس بأقدامها الدكتاتور المخلوع فذلك لأنه فقد قوته ودخل في خانة الضعفاء المحتقرين. البطل العزيز على قلوب الجماهير هو ذلك الذي يتخذ هيئة القيصر".
كم من المرات تسمع هذه العبارات في إعلام قائد الانقلاب، وعلى ألسنة ساستهم ومشاهيرهم ضمن خطة السيطرة على العقول وتطويعها في اتجاه صالحهم. احتقار عقول المصريين الدائم عبر تلك الكلمات وأماني الاستقرار التي يحلم بها الفقراء على يد قائد الانقلاب تولد شعورا بالدونية يكون معها الاستسلام والخضوع حتي تنتظر الجماهير عطايا الدكتاتور ومنحته اليهم بفسيح من الديمقراطية والحرية، وليرسخ في ذاتهم أننا شعب لا يستحق إلا ما يمنحه هو.
لكن علينا أن ندرك أيضا بما لا يدعنا ندفن روؤسنا في التراب أن الأغلبية دائما غوغاء، ودوما ما تنخدع خلف قوى الباطل المصطنعة، وتؤيد الطغاة، حتى أن منهم من يستعدون الخارج على أبناء وطنهم لخلاف سياسي أو منهجي.
رأينا كيف فرح الكثير من العراقيين بدخول القوات الأمريكية إلى بغداد واحتلالها مع ذريعة إسقاط صدام. ولا تنكر أن الذين رقصوا في ميادين رابعة والنهضة على دماء الشهداء وإن لم يكن له وزن في المعادلة السياسية وليسوا معبرين أبدا إلا عن قطاع لا يستحق الاحترام، هؤلاء أيضا يقبلون بذلك.
"بادوليو" قائد وسياسي إيطالي، قتل من أهل ليبيا والحبشة 600 ألف شخص، وبعد انتهاء الحرب العالمية 1945 أصبح رئيسا لوزراء ايطاليا ولم يُحاكم، لُقب من شعبة بالمُفخَّم، وبكى الملايين عند وفاته!
أيضاً "ستالين"، صاحب مجزرة كاتين 1940 التي مات فيها 23 ألف بولندي، وقتل من الروس حوالى 11 ألف شخص لتنفيذ الشيوعية، وغيرها من جرائم، مات دون محاكمة، يُلقبه الملايين بالمُعظم الذى أنقذ العالم من الخطر النازي!
وكذلك "ماريو رواتا"، قائد إيطالي بنى معسكرات القتل والإبادة في يوغوسلافيا، قتل أكثر من 100 ألف شخص وعذب الآلاف خلال الغزو الإيطالي الألماني 1943، عاش رواتا ولم تتم محاكمته، نصب له تمثال تذكارى تخليداً له!
رمسيس الثاني فرعون موسى ونائبه هامان، انهزم رمسيس الثاني في معاركه مع الحيثيين الذين سيطروا على مدينة قادش، ونجا فرعون من بين أيديهم بأعجوبة، وفقدت مصر سلطتها على كل مدن فلسطين. هرب فرعون من مواجهة الحيثيين ووقع معهم معاهدة سلام 40 سنة، وتفرغ لقمع المصريين وبناء المعابد لكتابة أساطير انتصاراته على الحيثيين. صدق المصريون جدران المعابد وكذبوا أعينهم واعتقدوا أنه الزعيم القائد المنتصر. منذ ذلك التاريخ لم تنجح ثورة شعبية في مصر، ولم تكتمل ثورة بنتائج حاسمة لصالح الثوار، كلها بضع هبات أو فورات قصيرة ومتواضعة، مقابل أيضا تحركات للعسكر والجنود، كان الهدف منها تمكين آلة الجيش من الحكم.
نعم نادرا ما يثور المصريون على أوضاعهم الصعبة ويؤثرون الاستقرار الذي يمنحهم فقط لقمه العيش والنوم والأمن ولا يلتفتون لما حولهم في بلاد العالم كيف يحيون في ثروات وخيرات بلادهم. الشعب الذي يصبر كثيرا على الفراعين ويقاسي الليالي ويكابدها تؤلمه حاجته دون أن يصرخ أو يقاوم. هذا الشعب الذي انهزم أبناؤه في 1967، ولاذوا إلى الصحراء لتحميهم، عاد الرجال في 1973 ليحطموا أساطير الحروب ويستعيدوا نصرهم بعد ست سنوات.
نحن لا نستطيع أن نصدر شخصية الشعب المصري على ما سبق، ونعتبر أن شعبنا تنتهي أحلامه لسد جوعته. أيضا هذا الشعب خرج مدافعا عن شرعيته وتعرض للقتل في أحداث الحرس الجمهوري ورمسيس ورابعة والنهضة. يخطئ من يظن أن البركان قد يهدأ، لكنه ثائر ينتظر لحظة الانفجار.
وعلينا أن ندرك أننا لا نستطيع أن نطالب الشعب بالتضحيات (فكل خُلق لما هو ميسر له) لكن متى وجد الرجال ما يدفعهم للحرية والأمل في مستقبل بلادهم سوف يعبرون عن شخصيتهم كما رأينا في مقاطعة الانتخابات الهزلية.
لا يخدعنك صبر المصريين، فالأمة لم تمت ولن تموت بإذن الله مهما تكالب عليها القتلة والخونة وأصحاب المصالح من أبنائها، فها نحن نرى الأحرار في بلادنا يعبرون عن شموخ الشعب ويدركون أن الحرية لا تأتي بإخراج الشعوب من المعادلة واختزال عقول الرجال. يسطرون بدمائهم الزكية ملاحم الثبات وتاريخ البطولات دفاعا عن أمتهم المجيدة.
الأمة لم تمت، فالأسرى في المعتقلات يتعالون بكل كبرياء على آلامهم وجراحهم، ويرسمون بثباتهم طريق الحرية أمام صمود الطلاب والحرائر من أبناء الجيل، حتى وإن طال الطريق، فمازال الأحرار في طريق تحرير بلادهم.
الثورة مستمرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق