رسائل الأيام الثلاثة
بقلم: حسن القباني
فرض
النجاح الأسطوري للشعب في معركة اللجان الخاوية على مدار الأيام الثلاثة
في الداخل والخارج، نفسه على المشهد المصري الثوري، وبعث برسائل مهمة إلى
جميع القوى الثورية والوطنية المخلصة، وأفرز العديد من الدروس الملهمة.
لقد
أظهرت التجربة الشعبية الناجحة قوة المقاطعة كأحد وسائل العصيان المدني في
دحر الانقلاب، في رسالة ذات دلالة قوية بأهمية الاهتمام الثوري بتجارب
العصيان الجزئي المتصاعد كجهد موازٍ للحشد في الميادين والشوارع، وصولا إلى
عصيان مدني شامل في مراحل ثورية متقدمة تستنفد جميع الأسباب المنطقية
للوصول إلى هذه الحالة القاصمة.
كما
قدمت التجربة وسيلة جديدة لتجميع الفرقاء عن بعد، ودون اجتماعات تنسيقية
على مطلب واحد خلف الشعب المصري الذكي الواعي، وهو ما يطرح ضرورة تركيز كل
القوى الثورية على حراك المطلب الثوري الواحد والاهتمام المكثف بحشد الشعب
أكثر من الانشغال بحشد النخب، والانخراط في معارك الشعب والتوقف عن جدليات
الشاشات، والنزول على مطالب الشارع.
وسلطت
التجربة أيضا الضوء على دور حزب الكنبة المشهور بسلبيته، الذي قاطع لأسباب
متعددة أهمها - برأينا - الخوف من الدماء وشعوره العميق بأن مشاركته تفويض
في إراقة مزيد من الدماء المصرية البريئة، وهو ما يفرض أهمية الاهتمام
بهذا الحزب الخامل من جميع الثوار وتخصيص رسائل خاصة به تعزز انضمامه
للحراك الثوري.
لقد
أسقطت معركة اللجان الخاوية كذلك جميع المحاولات المسمومة لشرعنة الانقلاب
وخارطته الدموية، وأكسبت قضية الشرعية الدستورية نقاطا جديدة تعززها مشاهد
الإصرار الشعبي الواسع والواضح على رفع صور الرئيس الشرعي الدكتور محمد
مرسي والهتاف للشرعية الدستورية في رسالة جديدة تواجه مناكفات بعض أبناء
النخبة اليسارية والليبرالية المعارضة لمرسي الذين يصرون على تحويل الشرعية
لفوبيا جديدة دون مبرر، وهو ما يحتاج لمراجعات فكرية وثورية فورا.
وبرزت
الحاجة ملحة للاصطفاف الثوري خلف الشعب الثائر بعد اصطفاف المقاطعة
الملهم، والغريب أن الجميع بمختلف الاتجاهات الرافضة للانقلاب – سواء داعمة
للشرعية أو متحفظة عليها- استجاب لرسالة الشعب ودعا إلى اصطفاف دون تقديم
خارطة تفعيل، بل لم يلتزم بعض المتحدثين بلم اللسان فسدد بقصد أو بدون قصد
طعنة لمحاولات لم الشمل، رغم أن لم الشمل لن يحدث قبل لم اللسان.
إن
استنفاد رصد الأسباب المادية في هذا المشهد لا يجب أن ينسينا قدرة مسبب
الأسباب وناصر المظلومين، وهو درس عميق يجب أن نتوقف عنده كثيراً، فالثورة
إيمان بالله في النصر وإيمان بالحق أنه منتصر وإيمان بأن الباطل لن يطول،
ومشهد المقاطعة برمته يكمن نجاحه في إرادة أعلى من البشر، وأكبر من أي جهد،
وذلك غير بعيد عن هتاف الثوار بعد رحيل مبارك: "الله وحده أسقط النظام".
إن
فوز ثورة 25 يناير على الثورة المضادة في جولة اللجان الخاوية وسقوط
السيسي المبكر، يجب أن يترتب عليه قراءة واعية ووطنية من الجميع للمشهد،
وإنتاج تحركات جديدة تتفق على رحيل الانقلاب وترك المستقبل للمبادرات
المبدعة والحوارات المنتجة دون تجاهل للثوابت أو لصوت الشارع المقاوم، فهو
الجمعية العمومية للثورة وبها ولها الحراك.
_________________________
حسن القباني منسق حركة "صحفيون من أجل الإصلاح"
حسن القباني منسق حركة "صحفيون من أجل الإصلاح"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق