ويبقى الأمل
بقلم: وليد أبو النجا
يبقى الأمل ما بقيت الحياة، أمل يُستجلب بالجدِّ والعمل، وليس حلما يُستجلب بالخمول والكسل.
مَن
مِن المصريين كان يتخيل يوم 24 يناير 2011م أن مبارك سيسقط خلال أقل من
شهر، بل مَن مِن الثوار كان يحسب أن ما يقوم به من حركة سيخلع الديكتاتور
من كرسي الرئاسة، الذي ظل متربعا عليه طوال ثلاثين سنة كاملة.
هل
كان يوسف وقد سُجن ظلما يطمع في أكثر من أن يُخلى سبيله، وتُعلن براءته
على الناس، فإن زاد أمله فيعود حرًّا كما وُلد، أما أن يعترف مَن سجنه
ببراءته، ويصطفيه ملك مصر، ويصير عزيزا لها، ويجمع الله له أبويه وأخوته،
فهل مثل هذا يكون في الحسبان؟!
وسيد
الخلق الذي خرج من مكة ليلا، متخفيا يترقب، يعود فاتحا بجيش عرمرم، لم ترَ
الجزيرة العربية مثله من قبل، حتى قال أبو سفيان للعباس: لقد أصبح ملك ابن
أخيك الغداة عظيما.
لم
تعلم سمية أن ابن أم عبد، ذلك النحيف النحيل، رويعي الغنم سيرتقي ذلك
المرتقى الصعب، ويحتزُّ رأس أبي جهل بسيفه، ثأرا لها. لم تكن تعلم، غير
أنها كانت تؤمن بعدالة قضيتها، وجدارة التضحية بالنفس والنفيس في سبيلها.
ولم
يكن عبد الرحمن الداخل، ذلك الذي خرج مطاردا شريدا وحيدا فريدا، من بلاد
الشرق كلها، يتحسس رأسه أن لم يزل في موضعه لم يضرب بالسيف بعد: يحسب أن
يقيم دولة قوية فتية في المغرب يستمر سلطانها قرابة ثلاثة قرون.
ولم
يدر قطز المخطوف صغيرا، المباع كالمتاع في أسواق النخاسة، كما بيع يوسف من
قبل: أن القدر يهيئه لأمر جلل، وأنه سيحكم مصر، وسينكسر أمامه الطوفان
التتري الذي استباح العالم الإسلامي، وأسقط الخلافة، وقتل الخليفة.
هل فقدت الأمل في هذا الجيل
من الناس؟ تذكر قوله: "لعل الله يخرج من أصلابهم مَن يوحِّد الله". فخرج من
صلب أبي جهل قائد جيش الحرب على المسلمين، عكرمة الذي قائد جيوش الحرب على
المرتدين.
وخرج
من صلب الوليد بن المغيرة، خالد، الذي أذاق المسلمين العلقم يوم أحد، ثم
عاد يذيق أعدائهم الصاب أياما عددا بعد ذلك، كان سيفا للمشركين، فصار سيف
الله المسلول.
ورغم ذلك لا تفقد الأمل في هذا الجيل من الناس، فهم ممن يوحد الله، وأغلبهم سيرجع الحق عن قريب.
هل استبطأت النصر، هل ضاقت عليك نفسك، كما ضاقت عليك بلدتك بما رحبت، هل استيأست، أو كدت تيأس؟ لا
عليك، لا بأس، فقد استيأس الرسل من قبلك، لكن النصر من الاستيئاس قريب،
{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا
جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ
الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ}.
ومهما كانت درجة أملك أو
يأسك، فالمهم هو ألا تفقد القدرة على التمييز بين الحق والباطل، والخير
والشر، والهدى والضلال، أن تعرف المعروف وتنكر المنكر، أن تنصر الحق بما
تستطيع، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وألا تكون مع الباطل مساندا أو
ممالئا أو مهادنا.
إن بعد الضيق سعة، وبعد الشدة
فرجا، وبعد الظلمة فجرا، وبعد الحزن فرحا، وإن مع العسر يسرا، ثم يسرا.
يخرج الحرير من دودة، والعسل من حشرة، والمسك من دم، ويخرج {مِنْ بَيْنِ
فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ}، {وَمَنْ يَتَّقِ
اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا
يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ
اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}.
يقول البعض: نوقن أن النصر للمؤمنين، {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} والعاقبة للمتقين، {وَالْعَاقِبَةُ
لِلْمُتَّقِينَ}، ولكن متى؟ علمه عند ربي، قد يكون غدا، وإن غدا لناظره
قريب، وقد يكون بعد عقود! وللظلم في أرض الكنانة تاريخ طويل.
وهذا كلام صحيح، غير أن
المتغير في الحالة المصرية، الذي يؤذن بقرب النصر وتحقق الآمال، هو: أن أهل
الحق لم يتخلوا عن حقهم، أو يتنازلوا عنه، أو يساوموا دونه، ولم يكفوا عن
المطالبة به. وما لم يصطلح المغصوب منه مع الغاصب، ولم يتنازل صاحب الحق
للص عن حقه، فسيظل المجرم أمام الجميع مجرما، ولن يفلت بجريمته.
وقد قال الأقدمون: ما ضاع حق وراءه مطالب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق