د. رفيق حبيب: التوافق على الثورة.. شرط النجاح
31/05/2014 :
..في دراسة حديثة
قال
المفكر والباحث السياسي د.رفيق حبيب: إنه منذ الانقلاب العسكري، والحديث
يتكرر حول أهمية توحيد الصف الثوري لإجهاض الانقلاب، وكأن عدم توحد الصف
الثوري، سوف يعرقل كسر الانقلاب العسكري. والمشكلة تتعلق أساسا، بطبيعة
مكونات الصف الثوري، وأيضا بتوجهات المكونات الرافضة للانقلاب العسكري،
وأيضا بمواقفها المختلفة منذ ثورة يناير.وإذا كان البعض يرى أن توحيد
الثوار، هو شرط لإجهاض الانقلاب، فيمكن أيضا أن نتحدث عن إمكانية أن يحدث
توافق يعرقل أساسا مسار الثورة. فلا يمكن اعتبار التوافق شرطا لنجاح
الثورة، دون أن نعرف معنى التوافق المطلوب.
عن أي توافق؟
• يتحقق إجهاض الانقلاب بإفشال كل ما نتج عنه، وعودة الشرعية متمثلة في الرئيس والدستور |
وأضاف
في دراسة حديثة له عنوانها "التوافق على الثورة..شروط النجاح" من المهم
التفرقة بين التوافق السياسي، والتوافق الاجتماعي. فالمشكلة في مصر، قبل
وبعد الثورة، أن التوافق المجتمعي غائب، لأسباب كثيرة، من أهمها تأثير
منظومة الاستبداد التي فككت المجتمع، وبالتالي فككت أي توافق
مجتمعي.والتوافق السياسي رغم أهميته، لا يؤدي ضمنا إلى تحقيق توافق مجتمعي،
بما يعني أن التوافق السياسي بين أي مجموعة من القوى السياسية، قد لا يكون
له أثر على المجتمع، ولا ينتج توافقا مجتمعيا.ولكن التوافق المجتمعي،
يفترض أن ينتج توافقا سياسيا، لأنه يبني أرضية حقيقية للتوافق
السياسي.والمشكلة التي تواجهها مصر بعد الانقلاب العسكري، ليست مشكلة
سياسية خالصة، يكفي فيها التوافق السياسي، بدون الحاجة لوجود توافق مجتمعي،
لأن مصر بعد الثورة، تعرضت لثورات مضادة متعددة، كان آخرها الانقلاب
العسكري، وكلها أنقضت على الثورة من خلال ثغرة غياب التوافق المجتمعي.
• من يقبل بالتدخل العسكري ضد رئيس يعارضه لا يمكن أن يكون جزءا من تحالف ثوري يعمل على إسقاط الحكم العسكري |
موضحا
أن الانقسام المجتمعي الذي ظهر بعد الثورة، وكان موجودا قبلها، والنزاع
الأهلي الحادث بعد الانقلاب العسكري، نتج أساسا من غياب التوافق المجتمعي
الظاهر والواضح، وأيضا غياب دور التوافق المجتمعي في تشكيل الرأي العام.
مما
يعني برأيه أن الانقلاب العسكري قام أساسا استنادا على غياب التوافق
المجتمعي، ويحاول حماية الحكم العسكري، من خلال تغييب التوافق المجتمعي،
حتى يظل المجتمع مفككا، مما يساعد على فرض الحكم المستبد عليه.لذا، فالثورة
تحتاج إلى أرضية قوية من التوافق المجتمعي تستند عليها، ولا تحتاج فقط
لتوافق سياسي بين قوى ورموز سياسية، بل تحتاج تحقيق توافق مجتمعي على
الأرض، ومن ثم يتم التعبير عن هذا التوافق من خلال توافق سياسي، للقيادات
والرموز التي تعمل على كسر الانقلاب العسكري.
التوافق وعودة الشرعية
• في الشارع المصري ملايين المصريين يقودون حراكا ثوريا نضاليا ويقدمون التضحيات الكبيرة |
وتحت
عنوان "التوافق وعودة الشرعية" قال "حبيب" لأن الأزمة الراهنة ترتبط
بالانقلاب العسكري، فإن من أهم شروط التوافق السياسي والمجتمعي، هو الموقف
من الانقلاب العسكري، وكل ما نتج عنه. فمن الصعب أن يحدث توافق بين قوى لها
مواقف مختلفة من الانقلاب العسكري، فكل من قبل ولا يزال يقبل بما نتج عن
الانقلاب، لا يمكن أن يكون جزءا من تحالف يضم من رفض التدخل العسكري، وكل
ما نتج عنه.من وافق على عزل أول رئيس منتخب من قبل القوات المسلحة، أيا كان
المبرر، قبل بالتدخل العسكري عندما وافق موقفه السياسي، لذا فكل من قبل
التدخل العسكري وما نتج عنه، لا يمكن أن يكون جزءا من حراك ثوري يرفض
التدخل العسكري بالكامل.
ويري
"حبيب" أن مسألة عودة الشرعية، تعد محكا مهما لأي توافق سياسي، فالبعض يرى
أن تمسك تحالف دعم الشرعية بعودة الرئيس محمد مرسي، يعد عائقا أمام بناء
تحالف سياسي واسع ضد الانقلاب العسكري.ولكن الحقيقة، أن عودة الرئيس محمد
مرسي، تعني فشل التدخل العسكري، لذا
فهي أمر ضروري.
• وقف الرئيس ضد التدخلات الخارجية وعمل على تفكيك منظومة التخلف المفروضة ولهذا قام الانقلاب ضده. |
يتحقق
إجهاض الانقلاب العسكري، عندما يتم إفشال كل ما نتج عنه، وعودة الشرعية
متمثلة في الرئيس والدستور، وبهذا يكون التدخل العسكري قد فشل في إسقاط
إرادة عامة الناس والانقلاب عليها، وتصبح العودة للمسار الديمقراطي هي
السبيل الوحيد، لحسم الخلافات السياسية.
ومن
يقبل بتدخل الجيش وعزل رئيس منتخب، بسبب المظاهرات المعارضة له، هل يقبل أن
تصبح هذه قاعدة، أم أنه يقبل بها فقط إذا كان هو نفسه معارضا للرئيس؟ وهل
يجوز وضع قاعدة تؤدي إلى تدخل عسكري لعزل أي رئيس تخرج ضده مظاهرات حاشدة؟
فكل من قبل ومازال يقبل بالتدخل العسكري ضد رئيس يعارضه، لا أتصور أنه يمكن
أن يكون جزءا من تحالف ثوري يعمل على إسقاط الحكم العسكري. لذا فلا يمكن
أن يقوم أي توافق لا يستند أساسا على رفض التدخل العسكري وكل ما نتج عنه،
ورفض عزل الرئيس وتعطيل الدستور بقوة سلاح الجيش.
مضيفا
وهناك العديد من البدائل الممكنة بعد إسقاط الانقلاب العسكري وعودة
الشرعية، حيث يمكن تأسيس مرحلة انتقالية جديدة بقواعد وإجراءات منضبطة،
لفتح الباب أمام تعديل الدستور بطريقة ديمقراطية، ثم الدخول في استحقاقات
انتخابية جديدة.
محمد مرسي
وتحت
عنوان "محمد مرسي" أوضح "حبيب" أنه لأن فصول القصة لم تحكَ بعد، لذا فالبعض
لا يدرك أن الرئيس محمد مرسي كان يمكنه أن يبقى في منصبه، إذا كان المنصب
هو الهدف، وكان يمكنه أيضا أن يجنب نفسه وجماعة الإخوان المسلمين ما تعرضوا
له بعد الانقلاب، إذا كانت السلامة الشخصية هي الهدف.والحقيقة، أنه من أجل
مصر المستقلة، ومن أجل حماية مسار الثورة، وقف الرئيس ضد شبكات المصالح
والفساد، التي تنهب المال العام، ووقف ضد التدخلات الخارجية، وعمل على
تفكيك منظومة التخلف المفروضة على مصر، لهذا قام الانقلاب العسكري ضده.
• البعض يرى تمسك تحالف دعم الشرعية بعودة الرئيس عائقا أمام بناء تحالف واسع والحقيقة، أن عودة الرئيس تعني فشل التدخل العسكري، لذا فهي أمر ضروري |
مشيرا
إلى أنه من المهم أن نعرف لماذا حدث الانقلاب العسكري، ولا نكتفي بالتركيز
على أسباب خروج مظاهرات ضد الرئيس، فالأسباب الحقيقية لقيام الانقلاب
العسكري، تتعلق أساسا بتحالف الدولة التابعة، الداخلي والإقليمي والدولي،
والذي رفض بإصرار أن تكون مصر مستقلة، ولها إرادة حرة.والانقلاب العسكري
حدث حتى لا تكون مصر دولة مستقلة لها هوية ومرجعية مستقلة. فتحالف الانقلاب
العسكري رفض أن تتحرر مصر ويصبح لها هوية إسلامية مستقلة، مما يجعلها غير
تابعة ثقافيا وحضاريا للغرب المهمين.
الداعم
الإقليمي للانقلاب خشي من أن تتشكل في مصر منظومة سياسية إسلامية
وديمقراطية، فنظم الحكم التي تعتمد على سند إسلامي غير ديمقراطي تخشى من
وجود نموذج ديمقراطي إسلامي ناجح، يُسقط شرعيتها ومبرراتها.
الانقلاب والهوية
كشف
"حبيب" أن الانقلاب العسكري يمثل حربا محلية وإقليمية ودولية على المشروع
السياسي الإسلامي، لذا فهو يستهدف أساسا الهوية الإسلامية، ويمثل رفضا
لبناء أي نظام سياسي على المرجعية والهوية الإسلامية. لذا فإن الحراك
الثوري الرافض للانقلاب العسكري غلب عليه الطابع الإسلامي، بل وأصبح حراكا
ثوريا إسلاميا.
والمشكلة
الأساسية في مسألة التوافق، سواءً السياسي أو الاجتماعي تتمثل في الهوية
العامة للنظام السياسي. وأغلب إن لم يكن كل الخلافات السياسية نابعة من
الخلاف حول الهوية. والأهم من ذلك، أن الانقسام السياسي الحاصل بعد الثورة،
كان انقساما حول الهوية، وكل مظاهر الاستقطاب السياسي والمجتمعي كان تدور
حول الهوية.
استئصال المشروع الإسلامي
• بعودة الشرعية يكون التدخل العسكري فشل في إسقاط إرادة الناس وتصبح العودة للمسار الديمقراطي السبيل الوحيد لحسم الخلافات |
ويرى
"حبيب" أن الانقلاب العسكري قام مستندا على تحويل الانقسام حول الهوية، إلى
نزاع أهلي حول الهوية، بل إن الحكم العسكري يستند لحماية بقائه، على إشعال
حرب أهلية حول الهوية، تقسم المجتمع وتفككه، حتى يستقر الحكم العسكري.
والحكم العسكري القائم بعد الانقلاب دشن حربا سياسية شاملة، تعتمد على
الإقصاء الدموي لاستئصال المشروع السياسي الإسلامي. مما يعني أن الحكم
العسكري، يحاول استئصال مكون ثقافي وحضاري رئيس في المجتمع، لتأسيس حكم
عسكري علماني.
ونبه
"حبيب" إلى أنه إذا كانت مسألة الهوية هي التي عرقلت معظم محاولات التحالف
والتوافق قبل الانقلاب العسكري،فهي أيضا عقبة مهمة يمكن أن تعرقل أي توافق
ثوري يتصدى للانقلاب العسكري. وأي محاولة للتوافق، تتجاهل مسألة الهوية، أو
تتجاوزها، ربما تفشل في النهاية، وتعرقل الحراك الثوري، بدلا من دعمه.ولا
يوجد حل لمسألة الهوية، إلا بالتوافق على الهوية السائدة في المجتمع، والتي
تنبع من الموروث الثقافي والحضاري للمجتمع. وإذا اختلف الفرقاء حول ماهية
الموروث الثقافي والحضاري للمجتمع، فعليهم أن يتوافقوا على أن اختيار
مرجعية وهوية الدولة هي حق أصيل للمجتمع، الذي يجب أن يختار هويته بحرية
كاملة.
حق المجتمع في اختيار هويته
وفي كل
الأحوال بحسب "حبيب" فإن الهوية العامة للمجتمع، يجب أن تكون أيضا هوية
الدولة والنظام السياسي، كما أن الهوية السائدة في أي مجتمع، هي الهوية
التي تعبر عن الأغلبية المجتمعية الراسخة، ولا نقول الأغلبية السياسي
المتغيرة.ولا يمكن أن يكون أي طرف جزءا من الحراك الثوري، وهو يرفض أن
يختار المجتمع الهوية التي تعبر عنه، كما لا يمكن أن يكون أي طرف جزءا من
الحراك الثوري، وهو يرفض الهوية الإسلامية، إذا اختارتها الأغلبية
المجتمعية. ولا يمكن أن نتصور أن يشارك في الحراك الثوري، طرف يؤيد الإقصاء
الدموي للمشروع السياسي الإسلامي.
• لا يمكن قيام أي توافق لا يستند أساسا على رفض التدخل العسكري وكل ما نتج عنه، ورفض عزل الرئيس وتعطيل الدستور بقوة سلاح الجيش. |
وأكد
"حبيب" أن كل تحالف ثوري يتوافق على الهوية السائدة في المجتمع، ويتبنى تلك
الهوية، يمثل إضافة للحراك الثوري المناهض للانقلاب، كما أن كل تحالف أو
توافق يقر بحق المجتمع في اختيار هويته، ويعلن قبوله لخيارات المجتمع، حتى
وإن عارضت خيارته، يمثل إضافة للحراك الثوري.وفي المقابل، فإن كل توافق أو
تحالف يحاول تجاوز مسألة الهوية، ويتجنب تحديد موقف منها، فلن يتمكن من
الاستمرار أو البقاء، ولن يضيف قوة للحراك الثوري، وربما يمثل خصما منه.
فلا يمكن دعم مسار الثورة، بإعادة إنتاج الأزمة التي وظفت لخدمة الثورة
المضادة والانقلاب العسكري.
الثورة والهوية
رصد
"حبيبي" أن الحراك الثوري اكتسب بعد الانقلاب العسكري، طاقة هائلة بسبب أنه
استند على هوية واضحة، فأصبحنا أمام تحدي تاريخي مختلف عن ما حدث بعد ثورة
يناير. فالانقلاب العسكري استهدف الهوية التي ظهرت واختارتها أغلبية مع
بداية التحول الديمقراطي، فأصبح الحراك الثوري حاملا لتلك الهوية.
• يمثل الانقلاب العسكري حربا محلية وإقليمية ودولية على المشروع السياسي الإسلامي |
والحكم
العسكري يستهدف أساسا إقصاء المشروع السياسي الإسلامي، لأنه يدرك ما لهذا
المشروع من شعبية، كما يدرك قدرة هذا المشروع على التمدد الشعبي. وهو ما
جعل الحراك الثوري، حاملا لمشروع سياسي، هو المشروع السياسي الإسلامي.
ولأن
الحراك الثوري أصبح يحمل مشروعا وهوية، على الأقل في الجزء الغالب منه، لذا
أصبح الحراك أكثر قوة وقدرة على الصمود والثبات، فالمحتوى الثقافي للحراك
الثوري، أكسبه قوة نضالية أكبر، كما حقق له قدرا أكبر من التماسك.وحراك
ثورة يناير، لم يكن حراكا يحمل هوية واضحة، بقدر ما كان يحمل مطالبا عامة
يتوافق عليها الجميع، ولكن حراك يناير لم ينتج كتلة شعبية ثورية تحمي
الثورة وتدافع عنها، وهو ما ساعد على حدوث الانقلاب العسكري. أما الحراك
الثوري بعد الانقلاب، فأصبح له سمت عام، وهوية واضحة.
الحراك الثوري
• الحكم العسكري يستند لحماية بقائه على إشعال حرب أهلية حول الهوية تقسم المجتمع وتفككه |
وتساءل
"حبيب" فهل يحتاج الحراك الثوري تحقيق توافق أكبر حتى ينجح؟ أم أن توسيع
دائرة التوافق وتغييب حضور الهوية، يمكن أن يضعف الحراك الثوري أو يعرضه
للتفكك؟ تلك هي المسألة، لأن الحراك الثوري بعد الانقلاب أكتسب قوته من
هويته الواضحة، فأصبح حراكا له مشروع، وتغييب المشروع لتوسيع دائرة الحراك،
ربما يضعفه ولا يقويه.ولأن الحراك الثوري يناضل بشكل مستمر، وسيستمر حتى
إجهاض الانقلاب، في معركة النفس الطويل، لذا فلا يمكن تغييب هوية الحراك
ولا مشروعه العام. وأي توافق يتم بين قوى ورموز سياسية ويتجاهل مسألة
الهوية، لن يكون له حضور في الحراك، ولن يضيف له جديدا.
فمشهد
الحراك الثوري بعد الانقلاب، يؤكد أن أي محاولة لتوسيع الحراك وتقويته، يجب
أن تكون مناسبة لطبيعة الحراك نفسه، وتستند على خصائصه، ولا تحاول تغيير
طبيعته ومضمونه، فأي محاولة لتغيير طبيعة الحراك الثوري، وتغييب هويته
الظاهرة، ستفشل أو تفشل الحراك نفسه.
التوافق النخبوي
وأوضح
"حبيب" أنه إذا كان التوافق المطلوب مجتمعيا قبل أن يكون سياسيا، فإن هذا
التوافق يجب أن يكون شعبيا، أكثر من كونه نخبويا. ومشكلة كل محاولات
التوافق والتحالف قبل الثورة وبعدها، أنها كانت تعتمد على تحقيق توافق بين
النخب والقيادات، دون أن تعمل على بناء أرضية شعبية لهذا التوافق.والعديد
من التفاهمات التي تتم بين النخب والقيادات، في المراحل المختلفة بعد ثورة
يناير، ليس لهذا مردود في الشارع، ويصعب تسويقها بين عامة الناس، وربما لا
توجد لها أرضية شعبية مناسبة أساسا.مما جعل التفاهمات في غالبها نخبوية،
وبلا أساس شعبي.
• الحكم العسكري بعد الانقلاب دشن حربا سياسية شاملة، تعتمد على الإقصاء الدموي لاستئصال المشروع السياسي الإسلامي. |
وإذا
كان التوافق السياسي مهم في القضايا السياسية الجزئية، فإن التوافق النخبوي
مفيد أيضا في القضايا الجزئية. ولكن في القضايا الكلية، المرتبطة بمصير
المجتمع، فإن التوافق الشعبي هو الأساس. والنظرة النخبوية، التي ترى أن
النخب لها شرعية التعبير عن المجتمع، ليست مناسبة للمجتمع المصري.ومسألة
الثورة برمتها، مسألة كلية تحتاج لبناء توافق شعبي، وليس توافقا نخبويا،
لأنها تتعلق بمصير المجتمع المصري، بل وبمصير المنطقة العربية والربيع
العربي.
وأشار
"حبيب" إلى أن التوافق النخبوي لا يؤثر على الشارع، في حين أن أي توافق
شعبي يكون له حضور مباشر في الشارع.والحراك الثوري، هو فعل شعبي بامتياز،
وهو الذي يحرك الشارع بل ويسيطر على الشارع أيضا.لذا فإن أي توافق جيد
ومفيد، يجب أن ينبع من الحراك الثوري الشعبي، ويعبر عنه. وتلك في تصوره
الطريقة المثلى لتحقيق التوافق المفيد للثورة، حين يستخلص التوافق من
الواقع على الأرض.
التوافق المجتمعي
ففي
الشارع المصري ملايين المصريين الذين يقودون حراكا ثوريا نضاليا، ويقدمون
التضحيات الكبيرة. وفي داخل الحراك الثوري العديد من الشرائح والفئات، التي
حققت تماسكا اجتماعيا، وأصبحت تمثل كتلة اجتماعية صلبة ومتماسكة، مما يعني
أن كتلة الحراك الثوري، هي كتلة توافق مجتمعي.
• الحكم العسكري، يحاول استئصال مكون ثقافي وحضاري رئيس في المجتمع، لتأسيس حكم عسكري علماني. |
وإذا
تمكنت قوى الحراك الثوري، وكل القوى التي تريد أن تكون جزءا من الحراك، بل
وكل الرموز التي تريد أن تشارك في المعركة ضد الحكم العسكري، من استخلاص
الأرضية الثقافية المشتركة للحراك الثوري، والتعبير عنها والالتزام بها،
تمدد الحراك الثوري بصورة تقويه وتدعمه.وإذا كانت الكتلة الإسلامية لها
حضور بارز في الحراك الثوري، فإن الكتل الأخرى المشاركة في الحراك، وجدت
ضمنيا قاعدة مشتركة تستند لها في علاقتها بالكتلة الإسلامية. مما يعني أن
الحراك الثوري، وفي ظل النضال والتضحيات، يكتشف الأرضية الثقافية المؤسسة
للمجتمع المصري.
الخلاصة
وخلص
"حبيب" إلى أن القاعدة الأساسية في الثورة الشعبية، أنها تشكل كتلة ثورية
نشطة تبني مسار الثورة وتحميه، وهو ما يحدث بعد الانقلاب العسكري، ولم يحدث
قبله. وتلك الكتلة الثورية النشطة، ثارت من أجل الحفاظ على المسار
الديمقراطية وحماية الشرعية وإجهاض التدخل العسكري.وليس من الممكن تجاوز
شروط الثورة التي تبنتها الكتلة الثورية التي تناضل عبر مسار مفتوح زمنيا.
ولا يمكن أن تتشكل تحالفات تختلف في موقفها من التدخل العسكري، الذي قوض
المسار الديمقراطي، لأن قبول ما نتج عن التدخل العسكري، يسمح بتكراره مرات
أخرى.
والمسألة
ليست مسألة شخص أو حزب، ولكن مسألة تخص تأمين مسار العملية الديمقراطية،
ومنع أي تقويض لها في المستقبل. كما أن المعركة لم تكن واقعيا ضد شخص أو
جماعة، بل كانت ضد تحرر مصر واستقلالها. ولأن حرب الانقلاب العسكري ضد
المشروع السياسي الإسلامي، وضد الهوية الإسلامية، لذا لم يعد من الممكن
تجاوز مسألة الهوية في المعركة مع الانقلاب العسكري.
والتوافق
على قواعد تحرير المجتمع، يمكن أن يكون سبيلا لتحقيق توافق بين القوى
المقاومة للحكم العسكري، بأن يقر الجميع بحق المجتمع في اختيار الهوية التي
تعبر عنه.
في كل
الأحوال، فإن الأصل في التوافق هو التوافق المجتمعي الشعبي، الذي يجب أن
يبنى ويتعمق،ثم يتأسس عليه توافق سياسي ثوري، لتحقيق أهداف الثورة، وحماية
مسار الثورة والديمقراطية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق