الخميس، 29 مايو 2014

المثقف اللص! بقلم: د. حلمي القاعود


29/05/2014
 المثقف اللص!
بقلم: د. حلمي القاعود
لاريب أن التيار الإسلامي بصفة عامة يعاني من قصور شديد في فهم الواقع الثقافي وما يجري فيه، وخاصة ما يتعلق بالمؤسسة الرسمية التي تقودها وزارة الثقافة، فقد كان الواقع الثقافي حتى بدايات الانقلاب الأول 1952 يمضي غالبا في رحاب التصور الإسلامي الذي تعيشه الأمة منذ ارتباطها بالإسلام قبل ثلاثة عشر قرنا من الزمان. ولم تؤثر في هذا التصور أفكار النخب التي ابتعثت إلى أوربا؛ فقد كانت هذه النخب تعتقد أن ما تنقله من أفكار وتصورات كان يصب لصالح الحضارة الإسلامية، ويجدد الخامل من عناصرها وينشط البطيء من معطياتها، مع الوعي – مهما كان التطرف والجموح- أن المثقف المصري ومثله بقية المثقفين في أرجاء العالم الإسلامي ينتمون إلى الدائرة الإسلامية شاءوا أو أبوا.
ثم إن معظم الأدباء والمفكرين المحدثين في مصر كانوا أبناء الأزهر الشريف، وفي مقدمتهم غلاة المجددين من أمثال طه حسين وعلى عبد الرازق وخالد محمد خالد، وكان التصور الإسلامي حاكما في آرائهم و مصححا لها، وكانت الظاهرة الأدبية في مصر تشير إلى أن الشعراء وكتاب القصة والرواية والدراسة الأدبية والنقد الأدبي والتمثيلية الإذاعية والفيلم والمسلسل التليفزيوني، جاءوا في الغالب من الأزهر الشريف أو اهتدوا بفكره وعلومه.
لم تكن هناك مشكلة في كون المثقف المصري أو العربي يتحرك في مناخ طبيعي لا يتصادم مع العقيدة الإسلامية، ولا يوظف نفسه لمواجهتها والتشهير بها وهدمها، والعمل على استئصال رموزها والمنتمين إليها.
عقب الانقلاب الأول أنشئت وزارة الثقافة للسيطرة على المثقفين وإخضاعهم ووضعهم تحت هيمنة الدولة، وتطور الأمر لتكون الأجهزة الأمنية وما شابهها هي الموجه الحقيقي للثقافة والمثقفين، بعد أن أفرج جمال عبد الناصر عن الشيوعيين المصريين بأوامر من خروشوف زعيم الحزب الشيوعي السوفياتي في إطار صفقة تطبيع العلاقات بين موسكو والقاهرة. صحب هذا الإفراج تعيين الشيوعيين في الصحافة والإذاعة والتلفزيون والثقافة والإعلام ومؤسسة النشر الرسمية والسينما والمسرح والفنون الشعبية، وقد تمكن الشيوعيون وأشباههم من السيطرة على هذه المجالات سيطرة شبه تامة لدرجة أن أول مؤتمر لأدباء الأقاليم في الزقازيق عام 1969 كان في الحقيقة مؤتمرا لحزب شيوعي غير معلن بمباركة النظام الانقلابي الناصري ممثلا في وزير داخليته الشهير شعراوي جمعة!
باستثناء سنوات قليلة في عهد أنور السادات حاول من خلالها أن يقيم حالة من التوازن في الحياة السياسية والثقافية، فقد عاد الشيوعيون وأشباههم بقوة بعد رحيله إلى الهيمنة شبه الكاملة على المؤسسة الثقافية الرسمية والنشاطات الثقافية الخاصة حتى يومنا هذا. لقد استطاعوا أن يتجذروا في فروع وزارة الثقافة وأن يجذبوا إليهم العناصر المعادية للإسلام من ناصريين وليبراليين وطائفيين وانتهازيين، وأن يصوغوا قرارها بأنفسهم، وأن يحولوا الإسلام وحضارته وثقافته إلى ظلام ورجعية وتخلف وإرهاب بمباركة الأجهزة الأمنية والمخابراتية لهم.
لقد امتد نشاطهم إلى دور نشر خاصة وفرق مسرحية غير حكومية وشركات إنتاج سينمائي يملكها بعض التجار ليسهموا بطريقة ما في توجيه حركتها ونشاطها بما يتفق وتوجهاتهم ورؤاهم بعيدا عن التصور الإسلامي ومعطياته!
ثم أصبحت الثقافة والانتماء إلى مجالاتها المختلفة طريقا لسرقة الهوية الإسلامية ووسيلة جيدة للارتزاق؛ أو بلغة السوق "سبّوبة" مربحة، وتعني السرقة بالقانون بصورة دائمة، كل النشاطات الثقافية مفتوحة أمام اللصوص المثقفين لينزحوا من التكية المستباحة التي احتكروها وحدهم أموال الندوات والمؤتمرات واللجان والسفريات والجوائز والمعارض والنشر والتفرغ وصحيفة الوزارة التي لاتبيع والمجالس المختلفة وغير ذلك !
خذ مثلا مسألة التفرغ، وهي منحة تقدمها اللجنة على هيئة مرتب أو مكافأة، وتقدر حسب موقف الشخص من المؤسسة قربا أو بعدا. ويعدها الحظائريون – مثقفو السلطة - حقا في قسمة غرماء توزعها الوزارة على الأنصار والمؤيدين والمسايرين. وهي على كل حال سبوبة تتيح لمن يحصل عليها التحرر من عمله الوظيفي والجلوس على المقاهي والتسكع في الشوارع وممارسة النميمة الأدبية! دون أن ينتج شيئا ذا بال. أليست هذه سرقة بالقانون؟
وخذ مثلا الجوائز الأدبية. إنها قاصرة على الأنصار أيضا. لا تمنح لمن يستحق إلا نادرا، ويوم كتبت في الأهرام لإرجائها حتى يوضع قانون جديد يمنحها لمن يستحقونها بالفعل، جن جنون المثقفين اللصوص، وما كاد الانقلاب يأتي بالوزير السابق مرة أخرى حتى كانت أولى قرارته منح الجوائز في الحال لمن لا يستحقون من الأنصار. بعضهم حصل جائزة تقارب نصف المليون وبعضهم حصل على جائزة تقارب ربع المليون، وبعضهم حصل جائزة تقارب مائة ألف وبعضهم المتواضع جدا حصل على جوائز تقارب خمسين ألفا.
ومازال القراء يذكرون قصة الوزير المذكور حين استقال مدة أسبوع ليحصل على جائزة لا يستحقها تقدر بربع مليون تقريبا؛ لأن القانون يمنعه في حال وجوده في الوظيفة من الحصول عليها، وعاد الوزير الهمام بعد أسبوع الإجازة ومازال يتربع عرش الوزارة!
أحد المنتفعين رأس مؤتمرا أدبيا نوعيا فمنح نفسه جائزة المؤتمر وقدرها مائة ألف جنيه دون أن يخجل من نفسه أو من أعضاء المؤتمر!
هل نتحدث عن النشر؟ السرقة فيه بلا قيود! مكافآت ضخمة للأنصار على أعمال تافهة لا قيمة لها وخاصة فيما يسمونه شعر العامية، وفي المقابل يحجبون نشر كتب خصومهم الذين لا يسيرون في فلكهم الفاسد. أحد الأشخاص يكتب أغاني باردة وسقيمة تطبع له المؤسسة الرسمية ما يسمى الأعمال الكاملة نظير نصف مليون، وستدفع مبلغا طائلا حين يكتب له عرّاب الانقلاب مقدمة لكتيب ينشر فيه هجائياته وبذاءاته وشتائمه للرئيس المسلم محمد مرسي – فك الله أسره - وكانت المؤسسة على مدار أربعين عاما قد أتخمته بأموال الدولة نظير نشر غثائه في مكتبة الأسرة والنشر العام وغير ذلك! أليست أموال الشعب في الوزارة فرصة ذهبية للسرقة بالقانون؟
لاشك أن المثقف اللص يبيع شعبه ويقف في خندق الاستبداد ويصعد على جنازير الدبابات دون أن يخجل أو يستحي، وفي الوقت نفسه يحرم المثقف صاحب الرؤية الإسلامية من حقه الطبيعي في نشاطات الوزارة التي ينفق عليها المسلمون، وإذا عرفنا أن المثقف اللص كان ضيفا على مكتب شعراوي جمعة، ورءوف المناوي مدير الاعلام بالداخلية في عهد مبارك وصديقا دائما للأجهزة الأمنية المضادة للثورة، فعلينا أن نتيقن أن جرامشي سيتحير لو طلب منه تصنيف هذا النوع من المثقفين! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق