الانتخابات الرئاسية.. قراءة أولية في دلالات المقاطعة
بقلم: محمد جعفر
تعلن
اللجنة العليا للانتخابات بعد أيام قليلة نتائج الانتخابات الرئاسية
المحسومة سلفا بحسب الصحف المصرية والعالمية والمواقع الإلكترونية، وكذلك
كل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة وبالإضافة إلى حملتَي المرشحَين.
لا
مشكلة إذًا في إعلان اللجنة العليا عبد الفتاح السيسي - قائد الانقلاب
العسكري الدموي الذي أطاح بأول رئيس منتخب وقتل وشرد الآلاف - رئيسا لمصر،
فهو انتصار مستحق طبقا لتكهنات الجميع، إنما المشكلة التي تؤرق اللجنة هي
مراعاة نسب التصويت وأن تكون في حدودها الدنيا أعلى من تلك التي حصل عليها
الرئيس مرسي.
والمتابع
للانتخابات في الخارج يدرك ذلك بوضوح، فقد مددت اللجنة فترة التصويت ليوم
ثالث ثم مددت ليوم رابع بدون إبداء أسباب منطقية، حتى تخطى التصويت حاجز
310 ألف الذين صوتوا في الانتخابات الرئاسية الماضية، وراجع تصريح المتحدث
الرسمي باسم اللجنة المستشار عبد العزيز سالمان الذي قال: "أنا لا أعقد
مقارنة بين هذه الانتخابات والانتخابات الرئاسية الماضية، إلا أن عدد
المصوتين هذه المرة أكبر، وتم رصد 180 ألف صوت جديد صوتوا في هذه
الانتخابات ولم تشملهم قواعد البيانات"؟!!
كما أعلنت وزارة الخارجية أن إجمالي أعداد الناخبين الذين شاركوا في التصويت بلغ 318 ألفا، متخطيا أعداد المصوتين في انتخابات 2012.
ويقدر
عدد المصريين في الخارج الذين يحق لهم التصويت بنحو ثمانية ملايين شخص،
وهو ما يجعل نسبة المشاركة قرابة 5% حيث سمحت السلطات للناخبين بالتصويت
دون التقيد بالتسجيل في سجلات الناخبين، وهو ما جعل من حق أي مصري في
الخارج التصويت.
ولعل
مقاطعة الخارج كانت دلالة على ما سوف يحدث في الداخل إذ إنه من السخف أن
يقول البعض إن المواطن في الخارج له اهتمامات مختلفة عن مواطن الداخل، لا
سيما بعد ثورة يناير التي ربطت أبناء الوطن بهمومه ومستقبلهم بمستقبله.
وبغض
النظر عن الاستكبار الإعلامي لمعسكر الانقلاب، وتأكيده الدائم على الشعبية
الجارفة "للوسيم" خرج بعض السياسيين ليعبروا عن قلقهم من نسب المشاركة في
الخارج، فقد أكد الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية عمرو هاشم ربيع -
في مقال بصحيفة "المصري اليوم" - أن التصويت خارج مصر يشكل جرس إنذار لما
سيكون عليه الوضع في تصويت الداخل، داعيا لتحرك عاجل لحث المصريين على
المشاركة خاصة بين قطاعات الشباب.
أما الانتخابات في الداخل فقد جاءت المشاركة بنسب متقاربة مع الخارج، فقد رصدت مراكز الدراسات والبحوث هذا العزوف من قبل الناخبين، فالمركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام "تكامل مصر" أصدر
تقريرا عن نسب المشاركة في يومي 26 و27 مايو، أي اليومين المخصصين
للتصويت، ذكر فيه أن نسب التصويت لم تتعد 7.5 % والأعداد لم تتجاوز أربعة
ملايين وأربعون ألف ناخب نصفهم تقريبا من المسيحيين، وكانت أعلى نسبة تصويت
في قنا بواقع 10.5% ثم جنوب سيناء بواقع 10.2 % أما أقل نسبة تصويت فكانت
من نصيب مرسى مطروح بنسبة 1.2 % ثم الفيوم بنسبة 0.5 % أما باقي المحافظات
فتراوحت نسبة الإقبال بين 6 إلى 10 %.
أما المرصد العربي للحقوق والحريات فقد صرح بأن نسبة المشاركة لم تتجاوز بأي حال من الأحوال 12 % من جمالي عدد الناخبين المسجلين في قاعدة البيانات.
ولقد
تابع الشعب المصري مدى الذهول والصدمة البادية على وجوه إعلاميين بارزين
محسوبين على الانقلاب، دفعت هذه الصدمة إعلامية شهيرة لتذكير المسيحيين
بالستين كنيسة التي حُرقت على حد تعبيرها، بل وذهب زوجها إلى أن ضعف
الإقبال يعني فتح السجن لمحمد مرسي وعودته إلى الحكم مرة أخرى، وقد هدد آخر
باللطم وخلع الهدوم إذا لم ينزل الناس للإدلاء بأصواتهم.
أما الصحف العالمية فقد أبرزت نسبة الإقبال الضعيف الذي اضطرت معه اللجنة العليا للانتخابات لتمديد التصويت ليوم آخر، ففي
تقرير لـ"رويترز" حول الانتخابات الرئاسية بمصر ذكرت أنه تم تمديد
الانتخابات الرئاسية في مصر لمدة يوم في محاولة لتعزيز نسبة المشاركة والتي
جاءت أقل من المتوقع مما هدد بتقويض مصداقية المرشح الأوفر حظا قائد الجيش
السابق عبد الفتاح السيسي.
أما "سي إن إن" فقد أذاعت تقرير بعنوان "CNN ترصد
"الإقبال القليل" للمصريين على التصويت ببعض مراكز الاقتراع" وكتبت
تتساءل: "لماذا مددت السلطات المصرية فجأة عملية التصويت للانتخابات
الرئاسية؟ هذا قد يكون بسبب المشاركة القليلة نسبيا في عملية التصويت، يجب
أن نشير إلى أننا لم نزر كل مراكز التصويت في القاهرة ومصر، لكن أغلب تلك
التي زرناها لا توجد فيها طوابير أو أشخاص ينتظرون وفي أغلب الأحيان يكون
عدد أفراد الشرطة أكثر من عدد المصوتين".
ونقلت
في تقرير آخر أن ضعف الإقبال حدا باللجنة لاتخاذ بعض الإجراءات، منها
التهديد بالغرامة، والتمديد ليوم ثالث، والتسهيل للوافدين، وقالت أيضا: "وسط
مؤشرات على ضعف إقبال المصريين على المشاركة في الانتخابات الرئاسية هذا
العام، مقارنةً بانتخابات 2012، تعالت أصوات كثيرين في الدوائر الحكومية
والإعلامية، لمطالبة اللجنة العليا للانتخابات بالسماح للوافدين غير
المسجلين في كشوف الناخبين، للإدلاء بأصواتهم في غير مقار لجانهم الانتخابي".
صحيفة
"فايننشال تايمز" البريطانية في تقرير لها عن سير الانتخابات الرئاسية في
مصر قالت: "إن الناخبين خيبوا ظن عبد الفتاح السيسي، إذ لم تشهد مراكز
الاقتراع الإقبال الذي كان يعول عليه وزير الدفاع السابق، والمرشح الأوفر
حظا في هذه الانتخابات".
أما صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" الأمريكية فعلقت تقول: "تعثرت
الآلة الدعائية للمشير عبد الفتاح السيسي في حشد الناخبين خلال يومين من
التصويت من أجل صعوده لعرش الحكم في مصر، ما أدى للإعلان مساء اليوم
الثلاثاء عن مد التصويت ليوم ثالث غدًا الأربعاء، لتحفيز الناخبين على
الإقبال على لجان الاقتراع, فمن المتوقع فوز المشير السيسي بأغلبية ساحقة
في الانتخابات الرئاسية الجارية، إلا أن كثافة الإقبال تعتبر حاسمة
لشرعيته، بما جعل السلطات المصرية تتخذ خطوات استثنائية لتعزيز نسبة
الإقبال".
وقالت
وكالة أنباء "فرانس برس": إن نسبة المشاركة في انتخابات الرئاسة التي بدأت
الاثنين وتستمر حتى مساء اليوم الثلاثاء تهدد بإفساد فوز المشير عبد
الفتاح السيسي، وأضافت أن العديد من لجان التصويت التي زارتها الوكالة خلال
الساعات الأولى لليوم الثاني للتصويت كانت مهجورة على حد وصفها.
وعلقت
صحيفة" يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية على تصريحات عضو اللجنة العليا
للانتخابات في مصر، عبد الوهاب عبد الرازق، والتي أكد فيها أن اللجنة قررت
مد فترة التصويت يومًا آخر، وقالت: إن السلطات المصرية تحاول حث المواطنين
بشتى الطرق الممكنة للخروج والتصويت.
أما
هآرتس فقالت: "اللجان الانتخابية الفارغة من المتوقع أن تضر السيسي الذي
أراد أن يقدم نصرًا ساحقًا في الانتخابات" وأضافت الصحيفة الإسرائيلية:
"بعد أن دعا السيسي مؤيديه إلى التصويت عن بكرة أبيهم، يتوقع أن يُنظر في
مصر والعالم إلى نسبة الإقبال الضعيفة على أنها عائق أمام المشير الذي أطاح
بمحمد مرسي أول زعيم منتخب للبلاد".
وقد
يصاب المجتمع المحلي والعالمي بخيبة أمل - كالتي مني بها السيسي جراء
إحجام الناخبين عن التصويت - بما سوف تعلنه اللجنة العليا للانتخابات بعد
أيام عن نسب إقبال فوق متوسطة تتجاوز 40% بعد متابعته الدقيقة التي عكست
نسبا واقعية ومشاهدات حية للجان فارغة، ومحاولات بائسة لتحسين نسبة
المشاركة دون جدوى، إذ الحديث عن نسبة إقبال فوق متوسطة غير واقعية يعد
تزويرا فاضحا وقفزا على إرادة الشعب الذي لم يعير الانتخابات أية أهمية، بل
وفضح الدعاية الكاذبة والتقارير الخادعة عن حجم ونسبة التأييد للانقلاب.
الجدير
بالملاحظة أن الشعب المصري الذي لم يتوقف عن صنع المعجزات أشرف بكل فئاته
العمرية على إسدال الستار على الشعبية الوهمية للمشير، بل وأوقف شرعنة
الانقلاب، بل ذهب بعض مناهضي الانقلاب إلى أبعد من ذلك بالقول بأن
الانتخابات الرئاسية تعد استفتاء حقيقيا على شرعية الرئيس مرسي المستمرة
على الرغم من إجراءات خارطة الطريق.
وفي
تقديري أن نتائج هذه الانتخابات سوف تنعكس أصداؤها على المرحلة المقبلة
برمتها، وستلقى مزيدا من الجدل والسخونة والتأزم على الساحة السياسية
المصرية قد يصاحب هذا التأزم ضغوط واقعية على أطراف الأزمة للبحث عن حل
بعيدا عن الاستكبار الشكلي الذي تحلي به الجميع بعد أن أثبتت الأيام عدم
قدرة أي طرف بالانفراد بالساحة السياسية المصرية وتغييب الآخرين.
_______________________
باحث سياسي – مركز الديمقراطية ودعم حقوق الإنسان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق