الثلاثاء، 27 مايو 2014

كواليس من الكهف الناصرى: جمال عبدالناصر بين الحقيقة والوهم:


  كواليس من الكهف الناصرى


 


بقلم: أبو الحسن الجمال
 جمال عبدالناصر بين الحقيقة والوهم: 
  شغلت سيرة الرئيس االراحل جمال عبدالناصر الناس كثيرا ..فمنهم من قدسه ورفعه مكانا عليا ومنهم من أهال عليه التراب ونسب له كل نقيصة نتيجة مواقف شخصية عاطفية متسرعة ولا يهمنا فى السطور التالية إلا الحقيقة وحدها ولا شىء سواها فهذا هو هدف المؤرخ النزيه الذى يمتلك أدواته ويوظفها بحرفية وعندما تأتمر ذكراه تستغلها بقايا الناصريين والشيوعين ويذهبون إلى ضريحه فى منشية البكرى ويجعلونها مناحة وملطمة مثلما ، وسوف يوجهون قذائفهم ومدافعهم ضد خصومه من الإسلاميين الذى يتعرضون اليوم لإبادة جماعية فى سجون الانقلاب ويشمتون فيهم ويحرضون عليهم طوال الوقت.. يساعدهم إعلام بغيض صنعت أعمدته بمال رجال مبارك الفاسدين  ... إن جمال عبدالناصر فى ذمة الله يفصل بيننا وبينه يوم القيامة، لا يفيد مع الله لطم أو ضغط لأنه الحكم العدل ويعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور.

   كان الأجدر بالناصريين ومن أيدهم من اليسار أن يعتذروا للشعب عما اقترفه نظام ناصر فى حق الشعب وما سببه من هزائم ومظالم وإهدار لقيمة الإنسان، ولقد حصدنا نتاج زرعه فى عهد اتباعه السادات ومبارك، الذين سارا على نهجه فى اختلاف بسيط فى المنهج ولكن الجوهر واحد، ولكنكم انشغلتم مثله بالكلام والخطب والشعارات، وكأن الشعب مازال يعيش مخدوعاً فى الستينيات ومازال شمس بدران، واعتماد خورشيد، وحمزة البسيونى، والفريق الدجوى، والروبى، والرائد موافى، هم الذين يسيطرون على مفاصل الدولة ... الفارق بين مرسى وناصر الأول استلم دولة مهلهلة منهكة، أما ناصر فكانت مصر فى بداية عصره تدين بريطانيا بـ450مليون جنية استرلينى، وكانت الشوارع تنظف بالماء والصابون ومصر كانت منطقة جذب لكل الناس من شتى بقاع العالم.
  
 وفى احتفالات الذكرى الستين لانقلاب يوليو استغلت بعض القوى السياسية المناهضة للتيار  الاسلامى وعلى رأسه الأخوان المسلمين الاحتفال واصطادت فى الماء العكر، وقالت أن ثورة يوليو باقية ولو كره الأخوان، وكأن الثورة قامت ضد الأخوان المسلمين الذى كان الفصيل الوحيد الذى علم بساعة الصفر ومن الذين يصطادون فى العكر: حمدى رزق رئيس تحرير مجلة المصور الأسبق، ورفيق حلمى النمنم رئيس مجلس الإدارة لدار الهلال، وكلاهما عينهما الدكتور يحيى الجمل (من عتاة الناصرية) الذى كان يشير على المجلس العسكرى فى كل حركاته وقرارته وهو الذى أغراه بالإعلان الدستورى المكمل (المكبل)، وقد صدر عدد تذكارى من مجلة "المصور" بمناسبة ثورة يوليو ويحمل المانشيت الرئيسى "ثورة يوليو باقية ولو كره الأخوان المسلمين"، مما يتبادر إلى الذهن أن الثورة قامت ضد الأخوان المسلمين وأن الملك فاروق وأعوانه من الإقطاعييين (معظمهم ينتمى إلى حزب الوفد) كانوا ينتمون إلى الأخوان المسلمين، وأن المستعمر البريطانى القابع فى جبهة قناة السويس كان أيضا من الأخوان المسلمين ...

  إلى هذا الحد يستخف القائمون على دار الهلال وهم أحد أبواق النظام البائد وسدنته، وبعضهم كانوا مخبرين لجهاز أمن الدولة بدرجة رئيس تحرير، فلكم سودوا آلاف الصفحات للحديث عن عبقرية وديمقراطية الرئيس السابق مبارك، والدور الإنسانى والثقافى التى تلعبه زوجته الهانم "سوزان مبارك"، فى مشروعها "القراءة للجميع" الذى أثرى من خلاله كثير من المنافقين والمتسلقين، و كذلك أحصوا المميزات لنجليها لصوص مصر جمال وعلاء، فإنى أحيل القارىء لمقالات المدعو حمدى رزق، وحلمى النمنم، وكبيرهم مكرم محمد أحمد، وخليفته عبدالقادر شهيب الذين تحولوا فجأة إلى ثوار بمجرد أن أعلن عمر سليمان تخلى الفرعون مبارك عن سدة الحكم ، ونافقوا الثوار وكشفوا عوار الفساد الذي كانوا هم  جزءً منهم ، وأنهم سدنة الفرون وصناعته، بل وصل المفارقة مداها أن كتب عبدالقادر شهيب كتاباً بعنوان "الأيام الأخيرة فى حياة مبارك"، وهو الذى طرده المحررون والعمال من دار الهلال يجر أذيال الخيبة، والتلون ليس منهجاً جديداً فى الصحافة المصرية ...

   لقد تلون من قبل كثيرون ... أرجع أيها القارى لصحافة مصر قبل ثورة يوليو وما بعدها بقليل ... النفاق والتلون هو الحل وسيد الموقف، إلا قليل حافظ على مبادئه ومهنيته فكان جزاؤه الطرد والتشرد ومصادرة الأموال مثل: آل أبى الفتح وجريدة "المصرى" ، وحمدى رزق الذى فاز بجائزة المجلس الأعلى للصحافة وكان من ضمن حيثياتها (لبراعته فى الهجوم على الأخوان المسلمين)..هذا الرجل الذى كان من ضمن الحملة الإنتخابية للرئيس المخلوع مبارك فى سنة 2005، الذى سام المصريين سوء العذاب، وكان  حمدى ضيفاً دائماً على برنامج عمرو عبدالسميع (حالة حوار) الموجه ضد أعداء المخلوع مبارك وعى رأسهم الأخوان المسلمين... كانت أوارد الصباح والمساء لديهم هو التسبيح بحمد مبارك وزوجته ونجله العبقرى فى نهب مصر.
 
  وعبدالناصر ورفاقه هم الذين تخلصوا من اللواء محمد نجيب قائد الحركة، وأهانوه وحددوا إقامته لأكثر من عشرين عاما، بينما أكرموا الملك فاروق وأخرجوه من مصر فى احتفال مشرف، لمجرد أن دعى نجيب العسكر للعودة إلى الثكنات وتسليم البلاد لحكم مدنى، ولكن السلطة "أحلوت" فى أعينيهم، وسال لعابهم للمال والجاه والمنصب.

  وقد علق على هذا المفكر "مكسيم رودنسون" حيث قال: "اتضح أن الجيش جماعة أنانية، متلهفة على الاستمرار فى السلطة، وعلى زيادة امتيازاتها، وهى بعيدة عن الطبقات العاملة، وغير جديرة بأن تهب نفسها لأهدافها"، وتشبثوا بالحكم ودافعوا عنه، وسخروا إمكانيات الدولة واموالها فى صنع زعامات وهمية لهم وزيفوا الوعى الجماهيرى بشعارات وخطب مثل:العدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص، والتفكير فى الطبقات العاملة".

  وقد سخر الكاتب الناصرى إبراهيم عيسى المكنى بـ"أبى حمالات" من الرئيس المنتخب محمد مرسى، فقال ينتقده فى حضوره الاحتفال بعيد الفلاح الستينى، وعير مرسى بأنه استفاد من خير جمال عبدالناصر، وتعليمه المجانى ومنحه الخمس فدادين، وكأن عبدالناصر صرف على الناس من عزبة أبيه فى "بنى مر"، وأضاف قائلاً:
 "السؤال الآن: هل يمكن أن يفعل محمد مرسى لشعبه وأبناء فلاحيه شيئا مثل عبد الناصر غير نصيحته لهم بتقوى الله عشان يطرح البركة فى المحصول؟ وهو كلام رائع وطيّب، لكن يليق بخطيب المسجد اللى على الترعة أكثر مما يكون جوهر ما قاله مرسى وسط خطبة رئاسية، بدأت بالاعتذار إلى الفلاحين عن الإجراءات الأمنية المشددة التى منعتهم وعطلتهم وأهانت بعضهم حين الدخول إلى قاعة الاجتماع، وربما هذا التعامل الأمنى الفظ قد جعل اللغط والهمهمة والغمغمة مستمرة طويلا فى أثناء كلمة الرئيس، حتى إنه طلب من الحضور أن يسمعوه، وقد سمعوه.".

   والجدير بالذكر أن الاحتفال الأول بعيد الفلاحين تم فى 9/9/1952، وكان رئيس الحركة وقائد الثورة محمد نجيب، ولم يسمع أحد بجمال عبدالناصر إلا بعد حادث المنشية الوهمى سنة 1954، فكيف ينسب هذا الانجاز لناصر، وقد كان محمد نجيب رئيسا مجلس قيادة الثورة، والبلاد أيضاً كانت تحت حكم الوصاية الملكى؟
 أليس هذا من قبيل التدليس والكذب ونسب الخير لغير أهله؟

 ونرد على هذه الترهات بقول أحمد حمروش أحد قادة يوليو الذى قال: "التفكير فى الطبقات العاملة لم يكن وارداً فى ذهن قادة الجيش وتعبير العسكريين عن أهداف هذه الطبقة كان تصوراً بعيداً عن الواقع والحقيقة".
 
  وأهين الإنسان المصرى فى عصر جمال وحرم من خير مصر الذى وزعه جمال على الدول ليصنع به الأمجاد ويشترى نفاقهم دون التفكير فى المواطن المصرى الذى عانى الأهوال فى مجازر طرة، والقلعة، ووادى النطرون، والواحات، وقد حدث مرة أن مصر كانت قد اشترت كمية من القمح من الاتحاد السوفييتى، وكان القمح فى طريقه إلى مصر، وحينئذ أشيع أن بالهند مجاعة، فأمر عبدالناصر أن تتجه السفن التى تحمل القمح إلى الهند، أرايت أن الرئيس الملهم كان يفكر فى غيره أكثر من شعبه لإضافة رصيد زعامى إلى رصيده، وغرف مشيره المهزوم عبدالحكيم عامر من الذهب الموجود بالبنك المركزى، ليرشى به شيوخ اليمن بعد الانتكاسات والهزائم التى واجهها الجيش المصرى فى هذه الحرب التى كانت لا ناقة لنا فيها ولا جمل، والذى يرجع لكتاب الصحفى الكبير وجيه أبو ذكرى، وهو من الصحفيين الشرفاء الذين لم يشتروا من قبل رجال الأعمال مثل أبوحمالات، وزمرته، وهو ذهب لليمن مراراً وكتب كتابه "الزهور تدفن فى اليمن"، يدرك حجم الكارثة التى تعرضت لها مصر من هول الاشتراك فى هذه الحرب التى تحيز فيها عبدالناصر لطرف عربى ضد طرف عربى آخر باسم القومية والوحدة.

   ومن الهزائم نكبة يونيو 1967 التى دلعها الناصريون باسم نكسة   1967 التى عرت النظام وكشفته على حقيقته وبانت الزعامات الورقية، لقد أعطى الزعيم الملهم قرار الانسحاب قبل أن تبدأ المعركة، وضرب سلاح الطيران على الأرض، فبينما كان الطيارون الإسرائيليون يعودون إلى إسرائيل من كل أرجاء العالم ويرتلون آيات التوراة كان نظائرهم المصريون يحتسون الخمرة ويعربدون فى حفلة ماجنة بأنشاص وربما كان معهم الفريق الهارب شفيق والرئيس المسجون مبارك، وكانت النتيجة خسائر بشرية رهيبة وخسائر فى المعدات بلغت 100% .

  وقد تعرض السنهورى أبوالقانون للضرب فى مكتبه بمجلس الدولة حتى سقط  مغشياً عليه، ثم عزل من منصبه وجميع الذين كتبوا أو اتهموا بذلك مسهم الضر، وألقى فى غياهب السجون وصودرت أموالهم وانتهكت أعراضهم وأعراض ذويهم، وصحيفة المصرى التى كانت مفخرة الصحافة المصرية، صدر قرار بإغلاقها لمجرد أن انتقدت أفعاله ولم تصفه بالفاشى أو الطرطور أو التائه كما تفعل صحافة السفالة اليوم، وما حدث من تلفيق تهمة لمصطفى أمين، وكذلك تعرض القضاة للعزل لمجرد أن تكلموا وانتقدوا، وتكلم المحامون فهددوا ، وقيل أن الدولة الاشتراكية لا تعرف الاشتراكية ... ألا تكفى هذه الأدلة بأن يضع الحمدانيون الصباحيون حصوات الملح فى أعينهم ويختشون ولا يفتخرون بعصر الفريق الدجوى، واعتماد خورشيد، والرائد موافى .   
  
الفريق فؤاد الدجوى شاهد على عدالة عبدالناصر:
    لجأ جمال عبدالناصر إلى محاكمات استثنائية للتنكيل بخصومه السياسيين ولم يورط القضاء العادى فى هذه المساخر والعار الذى لطخ به عصره، كما استعان بشيوخ العار من الأزهريين الذين كفروا خصوم عبدالناصر وخلعوا عليهم مصطلح الخوارج، كما يفعل خلفائهم اليوم الذين أفتوا بكفر من يعارض السيسى وقال أحدهم وهو مفتى الدم "اضرب فى المليان..طوبى لمن قتلهم وقتلوه".. واختار ناصر نماذج بعناية شديدة فعلوا له المطلوب ، مثل حمزة البسيونى وشمس بدران ورجال المشير عامر وصلاح نصر والروبى وصفوت الشريف: القواد الذى أسس كتائب الإعلام الفاسد الذى لم يتطهر بعد، وغيرهم مع أنهم كانوا من الأسباب المباشرة لأكبر نكسة فى التاريخ الإنسانى كله ... قصمت ظهر العرب والمسلمين، وسوف نفصل القول عن أشهرهم ظلماً وعسفاً وانعدام ضمير ... ومنهم أيضا الفريق الدجوى رئيس المحكمة العسكرية العليا فى الفترة من 1957إلى 1967..

   لمع الرجل فى سنة 1957 الذى ارتبط اسمه بمحاكمات عسكرية أكثر من عشر سنوات، كان فيها القاضى الذى يعترف بأنه لا يعرف القانون، وإنما يعمل لحماية النظام، وأن مهمته هى أن ينطق بالحكم الذى يضعه قصر الرئيس ... فى هذا الوقت بالذات الذى ينبغى لكل لبيب بالإشارة يفهم أن نتعرف على هذا الدجوى الذى جلس فى منصة القضاء عدة مرات ووزع أحكام الإعدام والسجن على أطيب الناس وأطهر الناس.
  
   كان الدجوى كما يذكر الدكتور أحمد شلبى فى "موسوعة التاريخ الإسلامى" - حاكم غزة عند العدوان الثلاثى على مصر سنة 1956، وعندما دخلت القوات الإسرائيلية غزة أسرع فؤاد الدجوى فسلم المدينة للغزاة، وكانت زوجته تعانى من كيس دهنى يحتاج إلى عملية بسيطة، وكان فى غزة مستشفى مصرى به استعدادت طبية هائلة، وأطباء مصريون مهرة، وقد عرضوا استعدادهم لإجراء العملية الجراجية لها، ولكن اللواء الدجوى رفض ذلك، فلما استسلم للجيش الإسرائيلى طلب من ضابط إسرائيلى أن تجرى العملية لزوجته فى تل أبيب، ووجدها الإسرائيليون فرصة لهم فاستجابوا، ونقلوا زوجة اللواء الدجوى إلى مستشفياتهم وأجروا لها العملية، وكافأهم على ذلك بأن وقف أمام عدسات التليفزيون الإسرائيلى يعلن ثناءه على الجيش الإسرائيلى وعلى شجاعته ومروءته، ويسجل شكره على ما قدمه الإسرائيليون لزوجته.
   
  وانتهزت إسرائيل هذه الفرصة فأرسلت الفيلم إلى تليفزيونات العالم وإذاعاته، وكان الناس يعجبون لقائد يقف هذه الوقفة المهينة ويثنى على قاتلى أهله ومحتلى أرضه، وقد سمع الرئيس جمال عبدالناصر كلمات هذا القائد التعيس الخائن من الإذاعات المختلفة، وقرر أن الدجوى سيحاكم عقب عودته من الأسر من إسرائيل، وأنه سيعدم رمياً بالرصاص على هذه الخيانة، ولكن شيئاً آخر حدث له، فبدلاً من أن يعدم كرم، فلم يكد يعود من إسرائيل حتى اختير فى يوليو 1957 - أى بعد أيام من عودته وليس بعد سنين، عندما أقر بدفع الثمن الذى عصمه من الموت ... رجع من خيانة ليستلم خيانة أخرى وهى خيانة الضمير وخيانة الشرف وذبح الأبرياء – عين رئيساً للمحكمة العسكرية العليا التى شكلت لمحاكمة السياسيين الأحرار الأبرار الأطهار مثل: الدكتور محمد صلاح الدين وزير خارجية مصر قبل الثورة، وعبدالفتاح حسن وزير الشئون الإجتماعية فى نفس الوزارة ، وقد تعجب الأستاذ مصطفى أمين لاختيار هذا الخائن الجبان  لمحاكمة رجلين قاما بدور وطنى مشهور سنة 1951 على اثر إلغاء معاهدة 1936 ، فقد حرضا العمال المصريين على الانسحاب من المعسكرات البريطانية، وعينهم عبدالفتاح حسن فى وظائف بديلة، واشتركا فى دفع قوات البريطانيين لتؤرق القوات البريطانية المحتلة، حكم عليهما بأقصى العقوبات، كما حكم على مصطفى أمين، وعلى سيد قطب وهواش وعبدالفتاح إسماعيل، وجرائمه لا تحصى ولا تعد ..
  
  وبعد ان استطردنا موقف واحد من أسباب النكسة المروعة ومن الذين تخرجوا فى الكلية الحربية كما تخرج أعوانه: شمس وحمزة والشريف والغول وعامر، لم يكونوا من اتباع "رسل باشا"، أو اللورد كرومر، أواللورد كيتشنر، وأظنهم ما زالوا يحصلون على معاشهم من القوات المسلحة، ولم يتعرضون لمحاكمات حقيقية.. فسرعان ما شملهم العفو وعاشوا عيشة الملوك فى الخارج، ولا تعجب ان أحدهم يعيش الآن فى بريطانيا ومعه جواز سفر دبلوماسى هو العقيد شمس بدران  بصفته أنه كان وزيراً للحربية أثناء نكسة 1967، وآخر أغتيل فى لندن فى منتصف السبيعينات ووجد فى شقته مليون جنيه سيولة، غير العقارات وأموال البنوك، هو العقيد على شفيق زوج المطربة مها صبرى.
 
هروب الجلاد شمس بدران وطريد العدالة:                
   نجحت ثورة يوليو فى تجنيدها لإعلام موجه قام بالتشنيع على النظام السابق لها، وتم اتهام الملك فاروق ونظامه بتهم شنيعة استخدمت فيها كل الأقلام، ومنها التى كانت تسبح بحمده من صحافة وإعلام، وقام بنفس الصنيع نظام السادات ونظام مبارك وهلم جرا، وكنا نتوقع من نظام الرئيس الشرعى محمد مرسى أن يفضح هذا النظام البائد البوليسى الفاشى المجرم الذى ارتكب من الجرائم والحماقات ما يندى له الجبين من تعذيب وقتل لمعارضيه، ليس بالتشنيع كما تم من قبل، ولكن بإبراز الحقائق ..

 تذكرت هذا وأنا أقرأ بعض ما كتب عن الفريق الدجوى، والعقيد الهارب شمس بدران الذى سام المعارضين سوء العذاب وتفنن فى تعذيبهم حتى وصفه الشيخ كشك ذات مرة بـ"شمس الكسوف"، كان كل القادة فى الجيش يهابون هذا الجلاد الفاسد، وقد ذكر أحدهم بأن الفريق الدجوى زار المشير عبدالحكيم عامر ومر على مدير مكتبه الجلاد شمس بدران، وامتشق قوامه ليؤدى التحية العسكرية له، وهو عقيد وفى سن أولاده، ولكنه الخوف الذى استولى على قادة هذا الزمان الذين اهدوا لمصر أكبر نكبة تعرض لها العرب فى التاريخ كله.

  وظل شمس الجلاد سياط على الشعب المصرى.. الأمن يتنصت على الناس فى حياتهم الخاصة، يتعقب كل من يخالف الاشتراكية والميثاق أو يوجه مجرد انتقاد للزعيم الملهم الذى لا يخطئ أبداً، ونتيجة لهذا كان أداة البطش مع فريق انتقاه بعناية رجال غلاظ القلوب، خلت من الرحمة، استعملوا كافة أساليب التعذيب الوحشي ضد أناس مسالمين لمجرد أن اختلفوا أيدلوجيا مع النظام الحاكم، ووصل بهم إلى إهانتهم أمام ذويهم مثل ما حدث للمستشار الجليل محمد المأمون الهضيبى الذى كان نزيل سجون ناصر الرهيبة هو ووالده المستشار حسن الهضيبى المرشد الثاني لجماعة الأخوان المسلمين، ولسوف نذكر أسماء جلادوا باستيل مصر الذى استعملهم شمس الكسوف وهم: النملة، وتمثال الجهل، والديزل، والنوبى، وعلى الأسود، وعلى زومة، والغول، وخروشوف، وسامبو، وزغلول ... وقد قال شمس ذات يوم: "الواحد منكم ذى الكلب والكلب أحسن منه كمان .. نقتله هنا وندفنه هنا فى الجبل ولا من شاف ولا من سمع"، وقال الصول صفوت الروبى: "أنتم مش داخلين علينا بعدد ومش لازم تخرجوا بعدد"، وكان هؤلاء الظلمة قد أهلكوا من الانفس مما يشيب له الولدان ومما دونه المخلصين الذين تعرضوا لهذه الأهوال ومنهم الصحفى المناضل جابر رزق الفولى، وعبدالمنعم سليم جبارة، والشيخ محمد الغزالى، واللواء حسين حمودة، واللواء صلاح شادى، والناشر الكبيرأحمد رائف، والصحفى الكبير سامى جوهر، فى حين دلس سحرة فرعون ولم يجرؤ على مواجهة الظالم والحاكم الفاشى، ولكنهم بدلاً من ذلك عبدوه  وأطاعوه ورفعوا من شأنه وقالوا له: "تفوت على الصحراء تخضر"، بينما كانت أيديه تقطر دماً طوال عقدين من الزمان،  من عجب أن يستأسدوا على الرئيس المنتخب مرسى وينعتوه بما ليس فيه من ألفاظ السفلة، وهو ليس بجديد عليهم وهو الذى رباهم قواد كان يحركهم بأصبع من يديه.         

 هيكل يشترك فى جرائم التعذيب:
  خرج علينا الأستاذ هيكل بعد فوز الإسلاميين ليوجه النقد للرئيس المنتخب، ولم يجد الأستاذ غير الأستاذة لميس الحديدي، التى تنشر الإشاعات كل ليلة وتزرع اليأس والقنوط هي وإعلام المارينز وإعلامي نظام مبارك، وهو الذى كان شاهداً على هذه المجازر وشاهد الكثير من تفاصيلها ويكفى أنه سكت على هذا النظام الفاسد، الفاشى ويكفى وجود الفريق الدجوى الذى سلم قطاع غزة عام 1956، وخرج على التليفزيون الإسرائيلى يمتدح إسرائيل ويصفها بأحسن الأوصاف، وأصر على علاج زوجته من كيس دهني بها فى مستشفيات إسرائيل، علماً بأن هناك مستشفى مصري متقدم فى غزة، ولما رجع كافأه ناصر بأن ولاه المحكمة العسكرية العليا وهى التى حاكمت الوطنيين والأخوان المسلمين ..حاكمت مصطفى أمين، والدكتور محمد صلاح الدين، وعبدالفتاح حسن، وسيد قطب، وآلاف آخرين..
 وقد كانت الأجهزة الأمنية تتلاعب بالرئيس عبدالناصر ويخترعون له المؤامرات ومنها قصة محاولة اغتيال عبدالناصر التى حاول تنفيذها إسماعيل الفيومى، وقد زين لهذه القصة المفتراة الأستاذ هيكل على صفحات الأهرام على هذا النسق ومفاد الخبر الأول هو أن الشرطي إسماعيل الفيومي قد هرب من السجن الحربي وكان متهما في قضايا الإخوان المسلمين الذي أعلن جمال عبد الناصر عن اعتقال 40ألفا منهم في ليلة واحدة في خطاب بموسكو وبقرار جمهوري صدر في 6/ 9/1965، والغريب أن خبر هروب الفيومي نشر بالصحف المصرية ومعه الجملة التالية:
                       "مكافأة مالية لمن يرشد عنه"
وقد كانت هذه الجملة امعانا في إخفاء حقيقة دامية وراء هذا الخبر المفبرك...
 والخبر المفبرك الثاني:  نشرته جريدة الأهرام أيضا على أنه وارد من جميع وكالات الأنباء مفاده... "إن الشرطي إسماعيل الفيومي قد تمكن من الهرب إلى سويسرا" .. ولم تكتف الصحيفة التي كان يرأس تحريرها الصحفي الأوحد محمد حسنين هيكل" أشد المقربين إلى رئيس الجمهورية عبد الناصر "بهذا الشق من الخبر.. بل أوردت أن الشرطى المصري المسكين الذي يقرأ العربية بالكاد، عقد مؤتمرا صحفيا "بالفرنسية" في جنيف العاصمة السويسرية وهاجم في المؤتمر المزعوم نظام الحكم في مصر في ذلك الحين "وهو نظام عبد الناصر" ..  هكذا انطق الطغيان فلاحا مصريا بالفرنسية. ولم يكن أحد من مصر يدري في ذلك الحين الذي أسدلت فيه ستائر من الضباب على كل الحقائق على أرض الوطن.. أن الخبرين يخفيان وراءهما مأساة إنسانية... وقصة قتل مروعة اهتزت لها السماء قبل الأرض...
وإذا كانت جريمة القتل قد أحيطت بتمثيلية أغرب من الخيال.. فقد كانت فصول الجريمة في واقعها أوضح من كل حقيقة, إذ أنها واقع حدث بشهادة الشهود.
ويبقى التساؤل الكبير مطروحاً، وهو: كيف تمت فصول قتل الشرطي إسماعيل الفيومي الحارس الخاص لجمال عبد الناصر .. ولماذا .. حوكم وحكم عليه بالمؤبد من محكمة الفريق الدجوى بزعم أنه "هارب" بينما هو في الحقيقة مدفون في ثرى صحراء مدينة نصر مسربل في أبدية إلهية تتسامى فوق أبديتهم الدنيوية.
  ثم نكتشف بعد ذلك أنها مجرد قصة مخترعة وأن الفيومى قد قتل فى السجن الحربى ودفن فى صحراء مدينة نصر، ثم بلغ عنه كهارب مثله كغيره من الأبرياء الذين تعرضوا لهذا المصير ، ومن عجب أن يشترك فى هذه المسرحية الصاغ أقصد المشير عبدالحكيم عامر ليلمع صبيه وتابعه شمس بدران، وكان ضحيتها وزير الداخلية الوحيد فى هذا الزمن الذى جاء من جهاز الشرطة وهو اللواء عبدالعظيم فهمى الذى استوقفه عامر فى الإسكندرية، وسنحت الفرصة في أغسطس عام 1965 لتنفيذ إحدى المؤامرات التي تزيد من نفوذ المماليك "الناصرية" وتقربها إلى السيطرة الكاملة على الحكم وزيفت التقارير التي تؤكد أن الإخوان المسلمين يقومون بمؤامرة لاغتيال كل رجال الحكم وأن المباحث العامة "نايمة في العسل " ورفعت هذه التقارير إلى المشير عبد الحكيم عامر من "شمس بدران" ومن"صلاح نصر وهكذا بدا صراع أجهزة الجستابو الناصري يأخذ شكلا حاداً...
 وكان من نتيجة رفع هذا التقارير أن استدعي المشير عبد العظيم فهمي وزير الداخلية في ذلك الحين وأنبه على إهماله وإهمال رجاله وقال له بالحرف الواحد:
"ماذا يفعل في الإسكندرية وقد كادت القاهرة تقع في يد انقلاب ينظمه الإخوان المسلمون؟ أن المخابرات العامة أنقذت أعناقنا بأعجوبة من الشنق .. وأنت ووزارة داخليتك نائمون في العسل.. عندك طائرة في مطار الدخيلة تنتظرك .. تركبها أنت وأعوانك فورا، ومن مطار القاهرة إلى مكتبك لتنظيم علمية تصفية المؤامرة.
فقال عبد العظيم فهمي للمشير: سيادتك تشير إلى تقارير ثبت أنها غير صحيحة ولا توجد مؤامرة إخوانية ولا حاجة.. وأنا مسئول..
فقال عبد الحكيم عامر:  وكمان بتكذب تقارير المخابرات؟ على كل حال تأخذ الطائرة إلى القاهرة الآن... ولنا بعد ذلك كلام.
فقال عبد العظيم فهمي للمشير: ولكن الرئيس سيغادر الإسكندرية إلى جدة، وأمنه الخاص من مسؤوليتي وهو رأس النظام.. ومن غير المعقول، حتى إذا افترضنا أن هناك مؤامرة، أن أترك رئيس الجمهورية في الإسكندرية وأسافر أنا إلى القاهرة...
قال عبد الحكيم عامر: هذا أمر.
  وسافر عبد العظيم فهمي إلى القاهرة بالطائرة وإذا بشمس بدران يذهب إلى الرئيس عبد الناصر ويقول له أن وزير داخليتك ترك الإسكندرية بخلايا الإخوان المسلمين المتربصة لاغتيالك، والقضاء على النظام، وذهب إلى القاهرة لغرض غامض!   ومن ثم بدأت المأساة الثانية للإخوان التى تعرضوا فيها لأبشع التعذيب وراح ضحيته الشهيد سيد قطب وإخوانه، وبعد عدة شهور من هذه الأحداث الأليمة تحدث النكسة المروعة التى لم يصمد فيها الجيش المصرى الذى صدرت الأوامر بانسحابه قبل أن تبدأ الحرب وحوكم بعض جنود النظام فى محاكمات صورية لامتصاص غضب الشعب، ثم فوجئنا بالإفراج عنهم فى سرية تامة وتهريبهم إلى خارج الوطن مثل شمس الذى خرج من مصر بالجواز سفر الدبلوماسى ، ويصله راتبه بالعملة الصعبة، ويعيش فى أفخم السكن بالأموال التى هربها هو وعصابة على بابا والأربعين حرامى التى استولت على القصور الملكية وقصور الثراة واستولت على ما فيها وهو ما تناوله الروائى إحسان عبدالقدوس فى رواياته: "يا عزيزى كلنا لصوص"، و"محاولة إنقاذ جرحى الثورة"، و"الراقصة والسياسى" التى أرخت لحياة الرائد موافى ...  
هذا هو النظام الذى يدافع عنه بقايا الناصريين ويهتفون فى تظاهراتهم بالقول الباهت: "عبدالناصر قالها زمان الأخوان ما لهمش أمان"، وهم الذى الذين استقبلوه فى المطار أثناء عودته من موسكو بعدما أصدر أمر باعتقال 40ألف من الأخوان: "ذبح .. ذبح يا جمال لا رجعية ولا اخوان ... ذبح .. ذبح يا جمال لا رجعية ولا إسلام" .
 نفس السيناريو تكرر فى مصر فى الأول من يوليو من العام الماضى عندما هرب الفريق أحمد شفيق من مصر حاملا أمتعته التى بلغت 7600 كيلو جرام، ولم يفتش فى المطار وزعم أنه ذاهب لأداء العمرة أيام وسيعود يستأنف نشاطه السياسي كمعارض نظيف للنظام الجديد، وأظنه سافر بجواز سفره الدبلوماسى كسلفه شمس بدران، وكان أن قدمت فيه البلاغات العديدة التى حفظها النائب العام السابق، ولم تفعل إلا عندما تأكد من إقامته إلى جوار الفريق ضاحى خلفان فى دبى، يحرض معه الأنظمة الفاسدة التى تريد خنق الثورة المصرية والجدير بالذكر أن الفريق شفيق حاول إجهاض الثورة يوم 2/2/2011 مع وزير داخليته محمود وجدى وجحافل الفلول وحاولوا وأد الثورة المصرية وهو ما سمى بموقعة الجمل.
 والشيء الوحديد المختلف بين الحالة الأولى متمثلة فى شمس بدران التى التزم الصمت منذ 45 عاما فى عاصمة الضباب ويتصرف بحرص ولم ينطق ببنت شفة فى غربته، والرجل مرعوب لأنه شاهد عن قرب التصفية الجسدية لأناس لمحوا بكشف بعض الخيوط، ومنهم الفريق الليثى ناصف الذى لقى حتفه عام 1972 فى البرج الذى لقت حتفها فيه سعاد حسنى بعد 30 عاماً، لنفس السبب، وأشيع أن الرائد موافى هو الذى تخلص منها، وشاهد شمس أيضا التخلص من رفيقه العقيد على شفيق، ووجد فى شقته مليون جنيه استرلينى على سرير حجرته. وشاهد أيضاً اغتيال أشرف مروان. لذا لاذ الرجل بالصمت مع الذين هربوا من مصر مثل يوسف بطرس غالى وطاهر حلمى وإبراهيم نافع، والوحيد الذى تكلم هو عبداللطيف المناوى الذى ألف كتابا عن الساعات الأخيرة فى حكم مبارك.
  أما شفيق فقد اتخذ من دبى مكانا للشوشرة على حكم الرئيس مرسى .. يضخ الأموال لزعزعة الاستقرار فى مصر ومن ضمن ما قاله فى تصريحاته الأخيرة بتخويف المستثمرين من الاستثمار فى قناة السويس، لأن هذه المشروعات ستسحب منهم عقب رحيل الرئيس مرسى، وبالرغم من التهم الموجهة ضده ، لم تواتيه الشجاعة ليقف أمام القضاء ليبرأ نفسه إن كان واثقاً من براءته، ولم يكن لديه كبر مثله الأعلى  مبارك الذى واجه مصيره ولم يهرب مثله.
 هؤلاء الذين همش الإعلام ذكرهم ولم يتعرض لفسادهم وإجرامهم، بل يحاربون الشعب طوال الوقت ويفزعونه من أوهام وأكاذيب يشيعونها وتتسبب فى تعطيل الإنتاج ونشر الفوضى، بل أن يتواصلون مع الفريق شفيق ويقضون معه أجازة نهاية الأسبوع معه فى منفاه .  
 (إسلاموفوبيا) فؤاد علام
  فى الوقت الذى دعى فيه معظم الحركات السياسية العلمانية إلى استدعاء الجيش مرة أخرى إلى المشهد السياسى والانقلاب على الرئيس المنتخب بإرادة شعبية، وهى التى صدعتنا فى الماضى بالاحتكام إلى الديمقراطية والصندوق، كما حدثتنا هذه الفصائل عن مزايا الديمقراطية والحكم النيابى وعن الدول التى مارست الديمقراطية وكيف صارت أحوالها من أحسن لأحسن ونال الفرد فيها كل الحقوق، وكان منهم من يختتم مقاله الذى ينشره فى صحف غسيل الأموال بعبارة تخدع البسطاء "الديمقراطية هى الحل"، وما أن تم تطبيق كل ما نادوا به فى الماضى حتى انقلبوا على الديمقراطية ذاتها، لأنها أتت بغيرهم إلى سدة الحكم، بل وجدنا هذا الكاتب نفسه طالب باستبعاد الأميين من التصويت فى الانتخابات، وينسج قصصاً لا تحدث إلا فى خياله المريض مثل مقاله القصصي "فى المخبأ السرى" عن لقاء المرشد بالرئيس مرسى وتلقينه إياه بالتعليمات، وهو ما كذبه حراس الرئيس من الشرطة.
        إذن "الدس والتدليس هو الحل"، بدلاً من "الديمقراطية هى الحل!!!"

  ورأينا الذين صدعونا فى الماضى بمعارضتهم لنظام مبارك فى حدود وحسب خطة مرسومة، صيغت بدقة لتظهر النظام بأنه يراعى الديمقراطية ويسمح بحرية الرأي والتعبير، وعندما تخطى أحدهم الحدود الحمراء تم خطفه واقتياده إلى صحراء المقطم، ليُجرد من ملابسه، وظل يجرى بعد أن أصابه المس (مس الرائد موافى وأمن الدولة)، حتى أنقذه أحد الجنود وستره بملابسه، هذا الفعل الشنيع الذى فعله النظام البائد وجهازه البوليسى الفاشى الذى تعقب المعارضة بكل الأساليب القذرة استنكره كل شريف فى هذا الوقت، ومن عجب أن يجرى هذا الصحفى حواراً مع أحد جزارى الدولة البوليسية الفاشية التى أفرطت فى استخدام الأمن لحماية الأنظمة الموجودة وهو اللواء فواد علام، نكاية فى الآخوان المسلمين رفقاء الأمس والذى تخرج على يديه زبانية التعذيب فى جهاز أمن الدولة الذى سبب للمصريين الجراح وأصاب المصريين فى كرامتهم ومنهم رئيس تحرير "صوت الأمة" نفسه وقدم له ولمعه بقوله: "اللواء "فؤاد علام" رجل أمن من طراز فريد اشتهر بقوته ومصداقيته وأنه الرجل الذى أحكم قبضته على الإخوان المسلمين وألزمهم الجحور التى عاشوا فيها كجماعة محظورة - وهو الوحيد الذى يحمل ملفات هذه الجماعة ويحتفظ بها حتى الآن. خبير أمنى قوى الإرادة، صاحب فكر ثاقب وهو المسئول العملاق فى يوم من الأيام بجهاز مباحث أمن الدولة السابق، تمنيت اللقاء به منذ سمعت عنه لأجرى هذا الحوار الصحفى معه، خاصة بعد أن كنت أرافق القطب الإخوانى الراحل «أحمد رائف عبدالحميد» إلى وزارة الداخلية ليلتقى مع اللواء «فؤاد علام» فيصعد إليه مهموماً ويغادر مكتبه ووزارة الداخلية مبتسماً سعيداً، وكانت علامات الاستفهام تتراقص أمامى بشدة حول هذا الموقف إلى أن أفصح لى أخيراً سيادة اللواء «فؤاد علام» عن الكثير من الأسرار بشأن الإخوان المسلمين". 

   ترك (الصحفى المخطوف) الحديث عن الفساد والمفسدين والمجرمين، وتهرب رجال أعمال مبارك من الضرائب وهروبهم خارج مصر، ودفاع زملائه عنه، وركز هجومه على نظام مرسى الديكتاتورى الدموى حسب ظنه،  بل لم يركز على مهرجان البراءة للجميع ولم نره يحتج عند الإفراج عن الرائد موافى، بل أن يحتاج الرجل إلى عمل مقاس نظارة أخرى ليعيد رصد الفساد الذى زكم الأنوف عن الناشطين الذين أثروا فى غمضة عين، وامتلاكهم القصور والسيارات الفارهة، وعن زملائه الذين امتلكوا القصور والفيلات والأملاك والسيارات "الهمر" وهم الذين بدأوا حياتهم منذ بضع سنوات من مستوى معيشى تحت الفقر.. ذهب الرجل إلى الجزارين يستفتيهم فى الاخوان المسلمين ويسترشد بآرائهم الكاذبة، ويغض الطرف عن إجرامهم ويقدمهم للمجتمع على أنهم خدموا مصر وبذلوا فى رفعتها الغال والنفيس.  

  هل يصل بنا الاختلاف إلى استخدام منهج "كيد النساء" والتحالف مع الشيطان، ضد حلفاء الأمس؟

 لقد أحيا فؤاد علام ضلالاته القديمة ودافع بشراسة عن جهاز أمن الدولة وطالب بعودته حتى يتم القضاء على الإرهاب والجماعات المتطرفة (الغير شرعية) وسماه بالاسم منها حركة كفاية، و6إبريل، وطبعا جماعة الأخوان المسلمين، وزعم أن زعماء الأخوان منهم الشهيد حسن البنا، والمستشار حسن الهضيبى كانوا جواسيس للمخابرات الانجليزية والأمريكية، وعنده أدلة على ذلك، طيب أين هذه الوثائق؟ ولماذا تحتفظ بها فى بيتك ومكانها الطبيعى مكان عملك؟ هل قمت بخصخصتها وقت مواسم الرحيل إلى الخصخصة التى تمت فى عهد سيدك وولى نعمتك نزيل السجن حسنى مبارك؟ هل قمت بالسطو عليها لتبتز بها هذه الجماعات حتى لا يلاحقونك قضائيا بمنطق "سيب وأنا أسيب".

  كان الرجل قد اشترك فى الهجمة الشرسة على الجماعات الإسلامية بعد خروجه إلى المعاش فى أواخر الثمانينيات واشترك مع كتيبة الرائد موافى زميله السابق فى أجهزة العسكر الجهنمية، التى اشترك فى القتال فيها معظم المتحولين من قادة الصحافة التى ينظرون للثورة والثوار، فتحت له مجلة "روز اليوسف" أبوابها ليواصل الهجوم على الحركات الإسلامية والرئيس يتابعه معجبا ويشد على أزره ويوصى به خيراً، ويتصل به الرائد موافى شاكراً وناقلاً له تحيات الرئيس ومن ضمن ما ردده: زعمه أن بعض الدول تستخدم الجماعات الإسلامية لتحقيق مصالح وأهداف خاصة، وأن الإخوان اتفقوا مع الأمريكان للإطاحة بثورة يوليو والاستلاء على حكم مصر، كما جدد اعتراضه ساعتها على منح حزب دينى للإسلاميين حتى لا يحدث انفجار فى مصر وقد خيب الله ظنه وجعله يعيش حتى يرى أن الأحزاب الإسلامية هى التى تسعى لتجنيب مصر العنف الذى تشجعه اليوم الأحزاب العلمانية والليبرالية واليسارية لأنهم يستخدمون مبدأ "فيها لا أخفيها"، ومن ضمن ما زعم وردد أن  انكماش حركة الإخوان فى منطقة الخليج بعد ضغوط السعودية عليها، كما أدعى أن المخابرات الغربية وراء حقن المنطقة العربية بالفصائل والجماعات الإسلامية، ومائة منظمة إرهابية فى أمريكا ترتكب جرائم كبرى ولا تعلن الأجهزة الأمنية عنها.
 فؤاد علام وإدعاءاته وإنكاره للتعذيب:
 أجرت جريدة الشرق حوارا شاملاً مع فؤاد علام  وردد ما كان يقوله إعلام حسنى مبارك فى هذا التوقيت وأجمل فى هذا الحوار ما ردده فى كتابه " الاخوان وأنا" الذى طبعه نظام مبارك عن مؤسسة "أخبار اليوم"، وأعلن في هذا الحوار: "أن جماعة الاخوان المسلمين هى أم الارهاب فى العالم فهى جماعة تغير من أساليبها وجلدها وإدعاءاتها لكن فى حقيقة تكوينها وادبياتها وأفكارها وتاريخها هى أم الارهاب فى العالم. أما بالنسبة للجماعات الأخرى فيجب أن نعلم ان المفهوم الدولى للحركة الاسلامية بصفة عامة غير سليم. وفى بعض الاحيان يوجد تجاوز فى وصف بعض الجماعات بالارهاب. ويصل التجاوز الى اتهام الاسلام نفسه بالدموية. ونعيش الآن الازمة التى اثارها بابا الفاتيكان تجاه رسول الاسلام صلى الله عليه وسلم واتهامه بامور لا علاقة لها بالحقيقة معتمدا على بعض التأريخات البيزنطية المعروفة بعدائها الشديد للاسلام وللنبى الكريم صلى الله عليه وسلم وهو مفهوم خاطئ. وقبل عدة شهور كان هناك أزمة الدنمارك وهى تدل على مفهوم خاطئ ايضاً"

   وعندما سأله المحرر عن استخدام التعذيب ضد هذه الجماعات طوال العقود الماضية هون الرجل من هذا الشأن وعزاه إلى اختلاق من جانب الأخوان فى أدبياتهم حيث قال بالنص: "ومن وقت وجود الجريمة نلاحظ ان المجرم يحاول تبرير جريمته بأى وسيلة للوصول الى البراءة وذلك بادعاءات متعددة، والادعاءات السائدة فى جريمة الرأى هي التعذيب، وهذه قضية محسومة لاتستطيع الكذب فيها، والمعيار ليس بحديث المجنى عليه او المتهم ولكن من خلال تقارير فنية وطبية تجزم أن الادعاء صحيح، والطب الشرعي قادر على اثبات شكل وطريقة التعذيب وهل يتفق مع ما يدعيه البعض، وقد أنشأ الإخوان فى عصر جمال عبدالناصر جهازا إعلاميا للتشهير بنظام حكمه من خلال منشورات ودعاية إعلامية. اليوم لاشك ان وجود منظمات حقوق الانسان تمثل ضمانة للوصول الى الحق بنسبة كبيرة واتمنى منهم تطوير أسلوب عملهم لتحقيق الهدف من وجودهم".
 قاتل السنانيرى:
   ذكر المؤرخ الكبير أحمد رائف فصولاً من إجرام جزاري أمن الدولة فى كتابه الحجة "البوابة السوداء"، ففيه الكثير من الخبر اليقين، وتحدث غيره الكثير، منهم: جابر رزق، وحسين حمودة، ومحمد الغزالى، وذكروا أحاديث عن الشهداء الذين لقوا ربهم أثناء التعذيب وذكر زبانية المعذبين منهم حسن أبوباشا، وممدوح البلتاجي، وشمس الكسوف، والروبى وغيرهم .. ومن الذين نكل بهم الشهيد  محمد كمال الدين السنانيرى، الذى أمضى زهرة حياته فى السجون المصرية لمدة عشرين عاما فى الفترة من 1954 إلى أفرج عنه 1974، وتحمل فى المعتقل كل صنوف العذاب بنفس راضية فى سبيل الإسلام، ولما نشبت حرب أفغانستان ذهب يعضد أبناء النضال، وبعد عودته من أفغانستان تعرض للاعتقال مع غيره من أبناء الحركة الإسلامية وقادة العمل الوطني في مصر، وكان الرئيس السادات قد أصدر- في [ذي القعدة 1401 هـ الموافق سبتمبر 1981 م] - قرارات التحفظ الشهيرة على معارضي سياسته، وألقى بهم في المعتقلات بعد أن اشتدت المعارضة لاتفاقيات الصلح مع العدو الإسرائيلي، وتعرّض السنانيرى في أثناء اعتقاله لتعذيب رهيب؛ أملاً في معرفة معلومات عن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، ووقع عليه أهوال من العذاب بعد أن تجاوز الستين من عمره، ولم يتحمل جسده هذه الأهوال التي تفنن زبانية التعذيب في إلحاقها به، ولم يكن لمن في سنه أن يتحمل هذه الأهوال ففاضت روحه الطاهرة في [10 من المحرم 1402 هـ الموافق 8 من نوفمبر 1981م، ولم يكتف هؤلاء الجلادون بقتله، بل حاولوا اغتياله معنويًا، فأشاعوا أنه قد انتحر بأن ربط عنقه بفوطة، ثم ربطها بكوع الحوض الموجود بالزنزانة، وصار يجذب نفسه حتى مات، وفى الصباح اكتشف السجَّان الجثة، وجاء الطبيب الشرعي، وعاينها وأثبت سبب الوفاة، ولم يصدق أحد هذه القصة الملفقة، التي لا يمكن أن يقبلها عقل طفل صغير, فتاريخ السجون المصرية في عهد الثورة مليء بمثل هذه المآسي، وخبرة رجالها في اغتيال المعتقلين العزَّل أمر يعرفه الناس جميعًا، وتلفيق التهم الكاذبة عن ادعاء هروبهم بعد القيام بقتلهم معروف بين الكافة، ولا يمكن لمن صمد عشرين عامًا ثابت النفس، راسخ الإيمان أن يجزع لاعتقاله فترة قليلة من الزمن، فيقدم على مثل هذا العم، وثبت أن قاتله هو اللواء فؤاد علام بشهادة الثقاة من زملاء السنانيرى، فلم يؤثر عن أحد من الأخوان المسلمين أو التيار الإسلامى عموما أثناء قضاءهم السجن فى باستيل الحكم البوليسي الفاشى، أن أقبل على الانتحار هربا من العذاب، فلماذا لم ينتحر أثناء فترة سجنه الأولى التى بلغت عشرين عاما متصلة، ولو أن هذه الجريمة حدثت فى بلد غير مصر الذى يكرم فيها الجلادون لكان مصيرهم الإعدام رميا بالرصاص، بدلا من مرورهم على القنوات يستجمع فلول المجرمين ويحرضهم على النظام الجديد.
 علام يقول: اتق الله يا مرسى:
 ستعجب عزيزى القارئ أن يظهر فؤاد علام وينتقد سياسة الرئيس مرسى منذ أن وصل لسدة الرئاسة، بل هو قد انتقد وصول الإسلاميين وصار يشنع عليهم فى وسائل إعلام الرائد موافى ورجال أعمال مبارك، بدلا من الندم على إجرامه وعجز القانون البشرى عن القصاص منه، مازال الرجل يعتبر الفصائل إرهابيين يجب أن يرجع جهاز أمن الدولة للتعامل معهم، وهى التى حظيت بقبول الشعب المصرى، ولم تنجح بتزوير أمن الدولة، ويختم الرجل حواره بتوجيه نصيحة للرئيس مرسى بان يتق الله فى شعبه: "أنا هنا انتهز الفرصة لأقول للرئيس محمد مرسى بصراحة تامة اتق الله فى وطنك واتق الله فى شعبك، وأحسن اختيار مستشاريك ومعاونيك،"، بدلا من أن ينصح رجاله وغلمانه بالكف عن زرع الفتنة وزعزعة الاستقرار فى مصر وهو يذكرني بقصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي التى قال فيها:
برز الثعلب يوماً في ثياب الواعظينا
فمشى في الأرض يهذي ويسبّ الماكرينا
ويقول : الحمد لله إله العالمينا
يا عباد الله توبوا فهو كهف التائبينا
وازهدوا في الطير إن العيش عيش الزاهدينا
واطلبوا الديك يؤذن لصلاة الصبح فينا
فأتى الديك رسول من إمام الناسكينا
عرض الأمر عليه وهو يرجو أن يلينا
فأجاب الديك : عذراً يا أضلّ المهتدينا
بلّغ الثعلب عني عن جدودي الصالحينا
أنهم قالوا وخير القول قول العارفينا
مخطئٌ من ظنّ يوماً أنّ للثعلب دينا "


عندما هتفت مصر ضد النظام فى الستينات

  تعرضت مصر لأكبر نكبة عسكرية فى التاريخ الحديث، ولأكبر هزيمة فى التاريخ الإنساني جرت بين اليهود والمسلمين، هى نكسة5 يونيو 1967، على يد نظام خدع المصريين كثيراً وجعلهم يعيشون فى أجواء شعارات لم يتحقق منها شيء على أرض الواقع، وكُشف النظام أمام شعبه ولم تخدمه أجهزته الأمنية والإعلامية التى سيطر بها على عواطف الشعب المصرى وحاصره بها، بعدما طارد معارضيه بالقتل والسحل والسجن والاعتقال وتلفيق التهم لهم، فاستحل أموال الشعب المصرى والاقتصاد القوى الذى ورثه من عصر الملكية، حيث كانت مصر تدين بريطانيا العظمى بعشرات الملايين من الجنيهات الإسترلينية، فقد ذكر الضابط إبراهيم الطحاوى، سكرتير هيئة التحرير وأحد الزعماء الذين قادوا المظاهرات فى مارس 1954 تهتف بسقوط الحرية والسنهوري الجاهل احتجاجاً على عودة الدستور والحريات للبلاد، وذلك فى كتاب (القضية الكبرى) أن مجوهرات أسرة محمد على بالإسكندرية جمعت فى 37 صندوقاً، سعة الصندوق متر واحد مكعب، ولنا أن نسأل:
 أين هى تلك المجوهرات؟
 ومن الذى جردها وتسلمها؟
وأين وثائق الجرد والتسليم؟ و
هل بيعت لحساب الدولة أو لحساب بعض الأفراد؟
أو هى لا تزال فى صناديقها محبوسة لم يكشف عنها النقاب بعد؟
  نفس الأمر ينسحب على أصحاب الأملاك والثروة والعقارات والقصور التى وزعت على الضباط ، كان هؤلاء الناس تحركهم نوازع وطنية، كانوا يستثمرون على تراب الوطن، لم يهربوا أموالهم إلى الخارج، وعندما تم التأميم تنازلوا عنها ولم يقاوم أحد منهم النظام إلا فى حالات فردية، ولم يؤسسوا صحفاً ليستأجروا أًصحاب الأقلام المسمومة حتى يجهضون الثورة كما تم بعد ثورة يناير، أى أن نظام يوليو استلم دولة قوية كانت رائدة الدول فى الشرق كله، يهرع إليه كل الناس عرباً وعجماً، كان المجتمع على درجة فائقة من الأخلاق، وعندما تمت بعض الإصلاحات والتغيير تم هذا برجال العصر السابق، أما بعد ثورة يناير فقد حصدنا ما زرعه النظام البوليسى الذى قرب إليه ضعاف النفوس من الرجال وفر من مصر ما عرف الطيور المهاجرة التى ساهمت فى بناء النهضة فى دول أخرى، واستشرى الفساد وتجذر فى كل مكان، وظهر فى كل المجالات فى السياسة والاقتصاد والتعليم والمجتمع، حيث دخل الناس فى بيات شتوي لم يتخلله فصل آخر طوال 15سنة، خُدر الشعب بالشعارات والانجازات الوهمية والانتصارات الزائفة، واشترك الناس جميعهم إلا قليل منهم تواروا خلف القضبان يتعرضون للتعذيب والقتل، فى بناء صنم أضخم من صنم أبى الهول، الذى (يفوت على الصحراء تخضر)، وهو البطل الوحيد والقائد الملهم الذى يفكر نيابة عن الشعب، حتى حدثت الفاجعة الكبرى التى أفاقت الناس، ويظهر الفرعون على شاشات التليفزيون كسيراً، يعلن استقالته نهائيا ويعود إلى صفوف الجماهير، ويعمل نظامه جاهدا على إثنائه ورجوعه، وجهزوا الحافلات التى أحضرت الناس من مديرية التحرير والمحافظات للهتاف للزعيم والمطالبة بعودته، والناس تراهم وهم سكارى ومصدومين من إثر الهزيمة التى ألجمت لسانهم أياما وشهور...

   وتعقد محاكم هزيلة لقادة حرب يونيو أصدرت أحكاما هزيلة، وهنا ينفجر الوضع، وتخرج الطلبة والعمال الذين ساهموا فى صنع الصنم، وهتفوا ضد النظام، وعندما ذهبوا إلى جريدة "الأهرام" التى كانت تضلل الشعب، وتنشر الأخبار الكاذبة طوال عصر الفرعون وأثناء الحرب، وهى التى زعمت بأن الجيوش العربية تزحف فى صحراء "النقب" باتجاه تل أبيب وأنه تم إسقاط مئات الطائرات... لمح الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل الذى ساهم فى تضليل الرأى العام بما بثه من أضاليل وأكاذيب ، جحافل الثوار تزحف نحو الأهرام فى مبناها القديم ، ويهرول إلى سطح المبنى ليرى بنفسه الجماهير الغفيرة من العمال والطلاب ، فإذا به يصفر وجهه وترتعد يداه ..رأى الآلاف المؤلفة من العمال والطلبة ويسمعهم يهتفون ضد النظام وضد صاحبه وضد مركز قواه، ويفتنون فى النداءات والهتافات، ويطلبون فيما يطلبون من (الجبان أن يتعلم من عدوه موشى ديان)!!..عندئذ نزل هيكل فى الحال، لم يتحمل النظر إلى هذه الجحافل الذى لم يتعود رؤيتها منذ عقد ونصف، منذ أفول نجم الديمقراطية، ولم يمكث حتى للفضول الصحفى، لأنه لا يريد أن يقرر الحقيقة وإلا سحبت منه كل الامتيازات ولصودرت منه العزب والقصور والسيارات والشقق الفارهة ومعظمها على شاطئ النيل، وقد حصل عليها بالابتزاز من (آل تقلا) أصحاب الأهرام الذين رجعوا صفر اليدين إلى بلادهم كما جاءونا أول مرة. جرى على الفور ليحتمي فى حجرة من البناء العتيد، فقد أخذ العمال والطلبة يقذفون الأهرام بالحجارة ويحاولون حرق البناء، ليقضوا – كما كانت تقول هتافاتهم- على بؤرة الدعاية والتضليل والإفساد!!!..

   وقد تحركت مظاهرة جامعة القاهرة صباح يوم‏24‏ فبراير‏1968‏ والتي ضمت ألوف الطلبة والطالبات وتجاوزت أول الحواجز الأمنية الموجودة علي أول الطريق المؤدي إلي كوبري الجامعة‏،‏ وسارت بجوار المجموعة التي تقود المظاهرة‏، وصارت تهتف بسقوط الأحكام التي أصدرتها المحكمة العسكرية‏،‏ واشتدت قوة المظاهرة، وهي تخترق السور الأمني التالي الموجود عند مدخل كوبري الجامعة‏،‏ وقبل أن تصل إلي منتصف الكوبري‏، حتي بدأت أقود الهتافات‏،‏ وحملني الطلبة علي الأكتاف‏.‏ ورويدا رويدا‏،‏ تحولت الهتافات من الأحكام إلي النظام‏، وأصبحت الهتافات‏:
 (يسقط حكم الفرد الظالم‏.. يسقط حكم المعتقلات‏..)
(العيشة بقت مرة‏..‏ عايزين حكومة حرة‏..)
(عاملين أسود علينا‏..‏ واليهود في سينا‏) ‏
( لا صدقي ولا الغول‏..‏ عبدالناصر هو المسئول‏)
(لا ديكتاتورية بعد اليوم‏،‏ حرية‏..‏ حرية‏..)
(العيشة بقت مرة‏..‏ عايزين صحافة حرة‏).  
 
  وكان من ضمن الحضور الكاتب الصحفى الوطنى عبده مباشر هو والمحامى إسماعيل النقيب فقال: "ولأن السور الأمني الموجود علي مدخل الكوبري من ناحية مسجد صلاح الدين بحي المنيل كان أقوي من الحواجز السابقة حتي يمنع المتظاهرين من الوصول إلي منطقة قلب القاهرة،‏ ولأننا خشينا أن يتمكن من منع المظاهرة من إتمام مسيرتها،‏ فقد رأيت أن يقود إسماعيل النقيب المظاهرة‏،‏ وأعمل أنا مع المجموعة التي تتصدر مسيرة المظاهرة ومعي الضبع وآخرون منهم محمد وغالب لكي نؤمن للمظاهرة القدرة علي الاستمرار وشق طريقها عبر هذا الحاجز‏.‏ وما أن اخترقت المظاهرة هذه العقبة حتي واجهت حاجزا آخر عند نافذة شيم الشافعي‏،‏ ذلك الشارع الضيق الذي يصل الكورنيش بشارع قصر العيني‏،‏ وعدت إلي قيادة المظاهرة وقيادة هتافاتها‏،‏ وركزت علي هتاف (حرية‏..‏ حرية.. حرية.. يا مصر‏..‏ حرية) وعلت أصوات المتظاهرين،‏ وتشنج البعض بكاء‏، وانضم مئات من المواطنين إلي المظاهرة‏،‏ وتحول المئات إلي آلاف‏.‏ وأمام الضباط والجنود الموجودين لحماية حاجز الأمن في هذه المنطقة‏، هتفت بأعلى صوت قائلا‏:‏ (اقتلونا‏..‏ مادمتم اعجز من أن تقتلوا الإسرائيليين‏)، ‏ وصرخت مرات متتالية هاتفا: (اقتلونا‏..‏اقتلونا‏..‏ اقتلونا) فتراجع الضباط والجنود أمام هدير الهاتفين‏،‏ وبمعني أدق صراخ الآلاف من المتظاهرين‏،‏ ويبدو أنهم كانوا في حاجة إلي تعليمات واضحة من قيادتهم حول أسلوب التعامل مع المتظاهرين في مثل هذا الموقف‏.‏ وطوال هذه المسافة‏،‏ كانت الحواجز الأمنية‏،‏ تتساقط بسهولة‏،‏ واحدا وراء الآخر‏،‏ وقدرت أن الأمر سيظل هكذا إلي أن يراجع كبار الضباط وزير الداخلية‏، وكان الأمر يتطلب أن يحصل الوزير علي تعليمات واضحة من رئيس الجمهورية بعد أن تطورت المظاهرة إلي هذا المدي‏،‏ خاصة بعد أن أصبحت وسط  قلب القاهرة‏، وبين مئات الآلاف من المواطنين‏).‏

   ويتابع مباشر سرد أحداث هذا اليوم: (لقد خرجت المظاهرة عن الإطار المرسوم لها‏،‏ وبالقطع لا يمكن السماح للمتظاهرين بالوصول إلي منطقة سكن الرئيس‏.‏ وتساءلت متى وأين سيتم وقف المظاهرة؟ وكيف؟ وهل سيكون القرار تفريق المظاهرة بالقوة؟ وبعد أن اجتازت المظاهرة حاجز الأمن الموجود عند نافذة شيم الشافعي،‏ دخلت شارع قصر العيني‏، وهناك انضمت مجموعات جديدة من المواطنين‏، وواصلت مجموعات منظمة الشباب تحمل مسئولية حماية أجناب ومؤخرة المظاهرة‏، وحاولت أن تعمل علي ضبط وتيرة سيرها من مقدمتها‏.‏ لقد اكتسبت المظاهرة قوة هائلة‏، ولم يعد هناك من يمكنه تغيير هتافاتها الجديدة‏،‏ أي قصر الهتافات علي الأحكام التي أصدرتها المحكمة العسكرية،‏ وفي الوقت نفسه كان من الصعب تغيير اتجاهها‏، كانت المظاهرة تندفع إلي الأمام‏.‏عند هذه المرحلة‏،‏ رأيت أن الوقت قد حان لترك مسئولية الهتاف وقيادة المظاهرة للفريق الذي خرج بها من الجامعة‏.‏ وتجمعنا من جديد‏،‏ وتحاورنا أنا وإسماعيل النقيب، والضبع، ومحمد وغالب‏،‏ وقررنا الاستمرار في المظاهرة مع الحرص علي أن نكون بجوار مجموعة الهتاف، حتي تظل الهتافات في المنحي الذي اخترناه‏، ولكي نضمن استمرار تقدمها‏.‏ ومضت الأمور في إطارها والمظاهرة تخترق ميدان التحرير وتدخل شارع رمسيس‏،‏ وفي هذه المنطقة‏،‏ كانت المظاهرة قد بلغت حجما غير متوقع بانضمام مواطنين جدد إليها باستمرار‏،‏ استمع الناس من النوافذ والشرفات إلي الهتافات، وتوالت الزغاريد بين تصفيق الجميع ومشاركتهم في الهتافات‏.‏ وشارك الواقفون علي جانبي طريق المظاهرة في التعبير عن مساندتهم وتأييدهم بالتصفيق والتشجيع‏.‏

 ومن الشوارع والنوافذ والشرفات تعالت الأصوات بالدعوات لحماية المتظاهرين وتوفيقهم‏.‏ وبعد أن وصلت المظاهرة إلي مستشفي الهلال الأحمر‏، واقتربت من ميدان باب الحديد حتي بدأت قوات الأمن في إطلاق الرصاص علي المتظاهرين‏)أ.هـ

   قد كانت هناك مظاهرة أخري خرجت من جامعة عين شمس،‏ وكانت في طريقها كما يبدو إلي مجلس الأمة‏ (‏مجلس الشعب حاليا‏)، ولأنها كانت قد وصلت تقريبا أمام المستشفي القبطي بشارع رمسيس‏،‏ أي اقتربت جدا من ميدان باب الحديد‏، فقد قرر المسئولون الحيلولة دون التقاء المظاهرتين حتي لا تزداد الأمور صعوبة‏،‏ ويتعقد الوضع بأكثر مما هو معقد‏.‏ وظللنا نتابع أو بمعني أصح نشاهد شوارع المنطقة الميدان بعد تفريق المظاهرتين، كانت آثار الفوضى التي خلفها الصدام مازالت واضحة‏، في حين استمرت قوات الأمن محتشدة في شوارع المنطقة‏.‏ ومما يذكر أن مسئولي الأمن تعاملوا مع مظاهرة جامعة القاهرة بكثير من الذكاء‏، فقد أعلنوا عن تصميمهم علي منع المتظاهرين من التقدم لأكثر مما وصلوا إليه،‏ واصطدموا بهم بقوة‏، ولكن وفي الوقت نفسه أتاحوا للجميع عدة منافذ مفتوحة للهرب منها‏،‏ أي تركوا عددا من الشوارع الخلفية والجانبية دون متاريس أو حواجز أمنية‏.‏ وفي الوقت نفسه تمت عمليات اعتقال لأعداد من المتظاهرين‏,‏ إلا أنه كان واضحا الحرص علي عدم الإمساك بأعداد أكبر‏.‏ وفي اليوم نفسه‏,‏ شهدت القاهرة ومدنا أخري مظاهرات أخري‏،‏ وحتى مع التزامها بالإعلان عن غضبها من الأحكام التي صدرت من المحكمة العسكرية، فإن صوت الغضب كان مزمجرا وصاخبا‏.‏ ولم تخف دلالة هذا الانفجار الذي أطلق ما في الصدور من مشاعر مكتومة علي المسئولين‏، وبالاستناد إلي ما نشر، فإن كثيرين من أهل القمة قد ارتعدت فرائصهم‏,‏ ومنهم من فكر في الهرب من السفينة‏.‏ وبعد أكثر من شهر‏,‏ وتحديدا يوم‏28‏ مارس‏، أصدر مجلس إدارة نادي القضاة بيانه الشهير الذي طالب فيه بالحرية والديمقراطية وبإصلاحات جذرية في النظام ككل‏.‏ ولم يكن هناك من تحسب لهذه المفاجأة التي فجرها القضاة‏,‏ والتي أصروا بالرغم من كل الضغوط عليهم لتأجيلها حتي يصدر الرئيس بيانه الجديد يوم‏30‏ مارس‏،‏ علي تفجيرها، ولكي يتجاوزوا الحصار المفروض عليهم‏,‏ فقد طبعوا بيانهم في شركة النصر للتصدير والاستيراد،‏ وبذلك تجنبوا كل العيون،‏ وتمكنوا من إسماع المواطنين صوتهم‏.

  مما سبق نلحظ أن القضاء الشامخ الذى لم يستسلم للنظام البائد، فحول النظام المعارضين لمحاكم استثنائية يرأسها من سلم قطاع غزة عام 1956 وممن تغزل فى دولة إسرائيل،(الفريق الدجوى) بينما تجاهلتها صحف النظام وعميدهم الذى لم يقوى على رؤية المظاهرات التى خرجت عفوية .. لم تحرضها أموال تتدفق من دول تعادى النظام كما يحدث اليوم، ولم يفعلها خصومه لأنهم منذ عقود خلف القضبان... يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب، وإنما الذى فعلها بناة الصنم والذين صدموا من عدم جدواه، واكتشفوا بأنه لا ينفع ولكنه يضر ويدفع الأمة إلى الهاوية.. دلع خادم النظام فأطلق على الهزيمة (نكسة)، ووجدنا أحد أعضاء مجلس الأمة يرقص فرحاً وطرباً ومعه أعضاء المجلس لعودة الفرعون وعدوله عن استقالته، فى هذا الزمن، بينما وجدنا قبل خمسة عقود من هذه الواقعة، المفكر الكبير عباس محمود العقاد يقول (أنه على استعداد لتهشيم أكبر رأس فى البلاد وهو الملك إذا تعرضت الديمقراطية للخطر)، وبالنسبة لموقف القضاة فأصرها عبدالناصر فى نفسه ، وبعد شهور عمل عبدالناصر لهم مذبحة.. إذ سرح المئات منهم بجرة قلم، وأنشأ المحكمة الدستورية، لتبرر له كل شيء.

  وضع هيكل وصبيانه ورعاياه التبريرات للطغاة والأنظمة الديكتاتورية فى مصر والعالم كله، بينما يكيدون للتجربة الديمقراطية الوليدة فى مصر حرصاً منهم على الولاية للبيادة العسكرية ولعقها، وبرر الهزيمة التى قال عنها (إذا كانت العدو قد نجح فى احتلال سيناء فإنه لم يقو على إسقاط الزعيم الملهم الفرعون) ولم يستح هيكل أن يخفى دجله عندما قال: "إن النظام الناصرى هو الذى صنع حرب أكتوبر سنة 1973وهى حقيقة لا جدال فيها"، ويرد عليه رائد الصحافة العربية الدكتور إبراهيم عبده فى كتابه "تاريخ بلا وثائق"، وهو بمثابة أستاذاً لهيكل فقال:
 (ما لكم وحرب أكتوبر...إن حرب أكتوبر انتصار
إن لكم حرب 1967وهى تاريخكم الذى ختمتم به تجربتكم..
إن حربكم هى الهزيمة ..وهى الخزى والعار...
لقد حاربتم فى سنتكم تلك  بجيش حطمته المواجع ، وفر مظلة من الجوع والحرمان تحت قيادة أفسدها الدلال ...
حاربتم بجيش لا يعرف القتال ولا يجيد إلا الخيلاء والاحتيال...
حاربتم بجيش وزعت قيادته على جنوده قبل القتال صور الغانيات من المطربات والممثلات لتدعم معنوياته حين يجد الجد ويشتد القراع والنزال...)...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق