فهمي هويدي : خصام وانتقام
2017-01-14
عناوين نشرة أخبار القهر فى عام ٢٠١٦ ــ المسكوت عليها ــ تكسر القلب وتعذب الضمير. إذ نقرأ فيها أن الأستاذ محمد مهدى عاكف أصيب بالسرطان فى سجنه وهو مقبل على عامه التسعين، وأن أستاذ الجيولوجيا بعلوم القاهرة الدكتور رشاد بيومى ممدد على سرير آخر فى سجن طرة وهو فى عامه الرابع بعد الثمانين. كما نقرأ أن المستشار محمود الخضيرى أجرى عملية قلب مفتوح ويكاد يفقد بصره وهو فى عامه السابع بعد السبعين.
وفقدان البصر مع تدهور الحالة الصحية يعانى منه كثيرون فى مقدمتهم الصحفى مجدى أحمد حسن وهشام جعفر رئيس مجلس أمناء مؤسسة التنمية الإعلامية، نقرأ أيضا أن المهندس أحمد ماهر مؤسس جماعة ٦ أبريل بعدما أمضى ثلاث سنوات فى السجن، خرج ليقضى الليل كله فى أحد أقسام الشرطة لثلاث سنوات أخرى، وهو الآن يبيت فى المخفر يوميا تحت السلم من السادسة مساء حتى السادسة صباحا، وما سبق ليس حصرا بطبيعة الحال، لكنها مجرد نماذج لها نظائرها وربما ما هو أفدح منها فى محيط المسجونين السياسيين الذين هم أسوأ حظا من الجنائيين لأسباب مفهومة.
حين نطالع تلك الأخبار التى تتناقلها مواقع التواصل الاجتماعى ولا نرى لها أثرا فى وسائل الإعلام، فلا تفسير لذلك إلا أننا صرنا نعيش نعانى من أزمتين، أزمة ممارسة القهر وأزمة السكوت عليه.
أدرى أن بعض ذوى الضمائر الحية ما برحوا يلحون هذه الأيام ــ بعدما هزمنا البرد القارس ــ على إنقاذ بعض من ذكرت من الموت البطىء الذى يتعرضون له. كما أن أصواتا مماثلة ضاقت بالصمت المخجل الذى ران على فضائنا فسعت إلى تذكيرنا عبر التغريدات بمحنة المظلومين القابعين فى الزنازين ممن يتعرضون لمختلف أساليب القهر والإذلال. إلا أننا ينبغى أن نعترف بأمرين. الأول أن أصوات أصحاب الضمائر الحية صاروا نماذج استثنائية تسمع من خارج مؤسسات الدولة ومنابرها المعتمدة، الثانى أن الأغلبية استسلمت لخطاب التنكيل والإبادة، فتجمدت قلوبها وتشوهت ضمائرها وتراجع منسوب الإنسانية لديها. ومن ثم قبلت بالتعذيب والتنكيل، وبعضها ذاب فى خطاب الكراهية والانتقام حتى بات يتشوق لرؤية المشانق ويحتفى بإسالة الدماء.
لا أدافع عن آراء ولا أفعال، لكننى أدافع عن إنسانية المحتجزين وكراماتهم، حتى إذا أدانهم القضاء، ذلك أن السجن وتقييد الحرية عقوبة كافية فى حالة الإدانة، ولم يقل أحد ــ كما أنه ليس من الشجاعة أو المروءة ــ أن يقترن السجن بالإذلال أو التنكيل أو تعريض حياتهم للخطر. وتلك بديهيات غابت عن واقعنا، حتى أصبحت المنظمات التى تدافع عن حقوق الإنسان من أكثر الكيانات القانونية التى تتعرض للملاحقة والاضطهاد، وصار السعى لاستصدار قانون لمنع التعذيب أو علاج ضحايا التعذيب بمثابة اتهامات تعرض أصحابها للمساءلة والقمع والمصادرة.
سيكون محزنا ومفجعا أن يبرر كائنا من كان التعذيب والتنكيل بأنه واقع على أناس ارتكبوا جرائم أو اتهموا بالإرهاب، وردى على ذلك أن كل من أدين فى جريمة بعد محاكمة عادلة يحاسب بالقانون وليس بالتنكيل والتعذيب، ليس فقط احتراما لإنسانيته ولكن أيضا لأننا تعلمنا أن العنف يولد العنف وأن الذين يمارسون القمع يزرعون بذور الكراهية والثأر، ثم يحصدون المُرّ فى نهاية المطاف.
لا يقولن أحد إن التنكيل بهؤلاء أخذا بثأر رجال الجيش والشرطة الذين قتلوا فى سيناء وغيرها، وردى أن من يثبت بحقه القتل ينبغى أن يحاسب على فعلته ولا جدال فى ذلك. ثم إن الدولة المتحضرة لا تثأر ولا ترتهن عشرات الألوف لعدة سنوات حتى تنتهى من التمييز بين الظالمين والمظلومين، ولكنها تحاسب بالقانون وتحتكم إليه. وفى كل الأحوال فإن الخصام لا يبرر التنكيل والانتقام.
لقد ازداد سعر كل شىء فى مصر، وصار غاية مرادنا أن يضم سعر «المواطن» إلى القائمة يوما ما.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق