دفاع عن « الكلام الفارغ »
بقلم: فهمى هويدي
منذ مساء الأحد الماضى (15 يناير) ومواقع
التواصل الاجتماعى تتداول عبارة غريبة منسوبة إلى السيد عمرو موسى قال فيها
إن الحديث عن الأمة العربية الواحدة «كلام فارغ»، لأننا إزاء عالم عربى
فيه المسلمون والمسيحيون والسنة والشيعة والعرب والأكراد والأمازيغ...إلخ.
ويفترض أن ما قاله كان مشاركة من جانبه فى جلسة لمؤتمر عقد بالقاهرة تحت
عنوان «الأمن الديمقراطى فى زمن التطرف والعنف»، ورغم أننى لم أفهم حكاية
«الأمن الديمقراطى»، لأن الممارسات جعلت الكلمتين متعارضتين، إلا أن صدمتى
أكبر فى التصريح المنسوب للأمين الأسبق للجامعة العربية، إذ أزعم أن الرجل
إذا لم يصوب ما نسب إليه أو يكذبه فإنه يستحق منا عتابا يصل إلى حد
«الزعل».
حتى إذا كان السيد عمرو موسى قصد استهجان ممارسات حزب البعث الذى رفع شعار «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة» فما كان ينبغى له أن يعتبر ذلك «كلاما فارغا». ولست متأكدا أنها زلة لسان، لأننى لم أنس أنه استهجن كلمة «الجهاد» فى مؤتمر القمة الإسلامى الذى عقد فى العاصمة السنغالية «داكار» عام 1991، حين كان وزيرا لخارجية مصر، وهو ما أسهم فى إسقاط الكلمة من الفقرة المتعلقة بفلسطين التى اكتفت بالإشارة إلى «تحرير المسجد الأقصى المبارك». وقد انتقدته آنذاك وأخذت عليه الخلط بين الجهاد كقيمة عليا لها مراتبها فى الخلفية الإسلامية وبين ابتذال المصطلح على أيدى بعض الجماعات أخيرا.
هذه المرة أخطأ السيد عمرو موسى حين استهجن مصطلح الأمة العربية وفضل عليه الأقطار العربية، إذ ليس صحيحا أن الأمة العربية تشمل الأقطار العربية فقط. لأن الثقافة العربية والإسلامية تعتبر كل من نطق بالعربية عربيا. والقول المأثور المتداول فى المراجع العربية يقرر أنه: ليست العربية بأب أحدكم أو أمه، وإنما هى اللسان، فمن تكلم العربية فهو عربى، وقد أورده ابن تيمية فى كتابه «اقتضاء الصراط المستقيم». يذكر فى هذا الصدد أن الخلية الأولى فى الإسلام ضمت سلمان الفارسى وصهيب الرومى وبلال الحبشى، وقد أصبحوا من سادة العرب، رغم نسبة كل منهم إلى قومه، والأقوام الذين أشار إليهم السيد عمرو موسى يظلون ضمن الأمة طالما نطقوا بالعربية حتى وإن اعتزوا بهوياتهم الأخرى، خصوصا أننا نعلم أن الهوية درجات لا تناقض بينها بالضرورة، إذ بوسع المرء أن يكون مصريا وقبطيا وعربيا فى الوقت نفسه، أو أمازيغيا وجزائريا ومسلما وعربيا فى ذات الوقت، وهكذا، بالتالى فإن حصر العرب فى الأقطار العربية يحذف كثيرين يجيدون العربية ينتمون إلى الأمة ويعيشون خارج تلك الأقطار، وبذلك يمكن القول بأن السيد موسى ضيق واسعا كما يقال.
إضافة إلى ما سبق فإن العروبة قيمة إنسانية والأقطار حقيقة جغرافية والأولى محملة بالعديد من الشمائل والفضائل، أما الثانية فمحصورة ضمن حدود مرسومة ومحدودة الأفق. وللمرء أن يعتز بانتمائه إلى القيمة العابرة للحدود لا أن ينسب نفسه إلى حدود رسمتها الدول الاستعمارية قبل مائة عام ومزقت بها أواصر الأمة.
صحيح أن مصطلح الأمة العربية يعبر عن تعلق بحلم راود العروبيين فى القرن التاسع عشر، ثم توارى بعد ذلك لأسباب معروفة، ثم تراجعنا بصورة تدريجية بعد ذلك حتى صرنا نتمنى، تماسك الوطن الواحد، وأحيانا العاصمة الواحدة. إلا أن انهزامنا وتشرذمنا لا ينبغى أن يصادر حقنا فى أن نحلم. ولا أعرف لماذا يستكثر علينا ذلك السيد عمرو موسى خصوصا أنه ظل «أمينا» على جامعة الدول العربية طوال عشر سنوات.
حتى إذا كان السيد عمرو موسى قصد استهجان ممارسات حزب البعث الذى رفع شعار «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة» فما كان ينبغى له أن يعتبر ذلك «كلاما فارغا». ولست متأكدا أنها زلة لسان، لأننى لم أنس أنه استهجن كلمة «الجهاد» فى مؤتمر القمة الإسلامى الذى عقد فى العاصمة السنغالية «داكار» عام 1991، حين كان وزيرا لخارجية مصر، وهو ما أسهم فى إسقاط الكلمة من الفقرة المتعلقة بفلسطين التى اكتفت بالإشارة إلى «تحرير المسجد الأقصى المبارك». وقد انتقدته آنذاك وأخذت عليه الخلط بين الجهاد كقيمة عليا لها مراتبها فى الخلفية الإسلامية وبين ابتذال المصطلح على أيدى بعض الجماعات أخيرا.
هذه المرة أخطأ السيد عمرو موسى حين استهجن مصطلح الأمة العربية وفضل عليه الأقطار العربية، إذ ليس صحيحا أن الأمة العربية تشمل الأقطار العربية فقط. لأن الثقافة العربية والإسلامية تعتبر كل من نطق بالعربية عربيا. والقول المأثور المتداول فى المراجع العربية يقرر أنه: ليست العربية بأب أحدكم أو أمه، وإنما هى اللسان، فمن تكلم العربية فهو عربى، وقد أورده ابن تيمية فى كتابه «اقتضاء الصراط المستقيم». يذكر فى هذا الصدد أن الخلية الأولى فى الإسلام ضمت سلمان الفارسى وصهيب الرومى وبلال الحبشى، وقد أصبحوا من سادة العرب، رغم نسبة كل منهم إلى قومه، والأقوام الذين أشار إليهم السيد عمرو موسى يظلون ضمن الأمة طالما نطقوا بالعربية حتى وإن اعتزوا بهوياتهم الأخرى، خصوصا أننا نعلم أن الهوية درجات لا تناقض بينها بالضرورة، إذ بوسع المرء أن يكون مصريا وقبطيا وعربيا فى الوقت نفسه، أو أمازيغيا وجزائريا ومسلما وعربيا فى ذات الوقت، وهكذا، بالتالى فإن حصر العرب فى الأقطار العربية يحذف كثيرين يجيدون العربية ينتمون إلى الأمة ويعيشون خارج تلك الأقطار، وبذلك يمكن القول بأن السيد موسى ضيق واسعا كما يقال.
إضافة إلى ما سبق فإن العروبة قيمة إنسانية والأقطار حقيقة جغرافية والأولى محملة بالعديد من الشمائل والفضائل، أما الثانية فمحصورة ضمن حدود مرسومة ومحدودة الأفق. وللمرء أن يعتز بانتمائه إلى القيمة العابرة للحدود لا أن ينسب نفسه إلى حدود رسمتها الدول الاستعمارية قبل مائة عام ومزقت بها أواصر الأمة.
صحيح أن مصطلح الأمة العربية يعبر عن تعلق بحلم راود العروبيين فى القرن التاسع عشر، ثم توارى بعد ذلك لأسباب معروفة، ثم تراجعنا بصورة تدريجية بعد ذلك حتى صرنا نتمنى، تماسك الوطن الواحد، وأحيانا العاصمة الواحدة. إلا أن انهزامنا وتشرذمنا لا ينبغى أن يصادر حقنا فى أن نحلم. ولا أعرف لماذا يستكثر علينا ذلك السيد عمرو موسى خصوصا أنه ظل «أمينا» على جامعة الدول العربية طوال عشر سنوات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق