الثلاثاء، 31 يناير 2017

من دفتر الغضب بقلم: وائل قنديل


من دفتر الغضب

بقلم: وائل قنديل
هذه بعض يوميات الغضب المصري النبيل، منذ الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني 2011، وحتى طرحت الثورة غضبها الأخضر، النضر، في الثامن والعشرين من الشهر ذاته.
هذه أول ثورة كاملة في تاريخ المصريين، بتعبير الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل، في أيامها الأولى.
هذه أيام مصر الرائعة، جديرة بالتوثيق والاستدعاء، والفخر:
1- ظهر يوم 25 يناير: الورد اللي فتح
هؤلاء مصر في نبلها وبهائها وتألقها العبقري، رأيتهم ومشيت فى ركابهم مئات الأمتار فى شارع البطل أحمد عبدالعزيز وهتفت معهم والقلب يرتجف فرحاً وأملاً فى مصر أفضل وأجمل وأرقى وأشرف.
كان الشباب المتظاهر الذي فاقت أعداده الخمسة آلاف فى شارع البطل أحمد عبدالعزيز فقط يهتف "مصر" و"بالروح بالدم نفديك يا وطن" كانوا يهتفون بمنتهى الرقى والحرص على سلامة أفراد الشرطة قبل سلامتهم الشخصية، وسلامة المرافق العامة قبل الاثنين، وسلامة مصر قبل الجميع.
حتى عندما امتدت أيدى بعض جنود الأمن المركزي للإمساك ببعضهم كانوا رائعين ومتحضرين وهم يهدئون الجموع ويطلبون منهم عدم اللجوء إلى العنف.
مخرت المظاهرة عباب البطل أحمد عبدالعزيز بالمهندسين وكأنها سفينة إنقاذ ترفع أعلام الوطن، أو هي سفينة العبور إلى شاطئ جديد أكثر رحابة وأكثر نظافة وأكثر إنسانية.
رأيت مصر الحقيقية تمشى على قدميها وتصرخ طلباً للخلاص من كل شيء باطل يتحكم فى مفاصلها، برلمان باطل وحكومة تدير ظهرها للوطن، وعصابة من "الأوليجارك" اختطفت الوطن سياسياً واقتصادياً ومصت دماءه.
كانوا رائعين ومبهرين ومذهلين، هؤلاء الشباب الواعد "الورد اللى فتح في جناين مصر"، الضوء الذي اندلع من العتمة فخرجوا حاملين المصابيح والشموع.
يا من ظلمناكم واعتبرناكم يوماً غائبين ومغيبين ومهاجرين بالروح عن الوطن.. أعتذر لكم جميعاً وأحييكم وأبوس الأرض من تحت أقدامكم.
2- صباح 27 يناير : مصر تتوضأ
وأياً ما كان الأمر، فإن الانتفاضة التى بدأت أول أمس هي إبداع شعبي صرف، لا فضل لأحد فيه إلا المواطن المصري، شاباً أو طفلاً أو شيخاً، من الجنسين، بعيداً عن أية أجندات حزبية أو عقائدية، وأي محاولة رسمية لوصمها بشيء من ذلك هي لعبة مكشوفة لابتذال المناسبة والتشويش على جلال الموقف وبهائه.
فالذي حدث باختصار شديد أن مصر استيقظت وتوضأت وأدت صلاة الثورة والخلاص من كل ما تسبب فى تقزيمها وتراجعها وفقدان جمالها الذي كان يخطف الأبصار والعقول.. ومن ثم فهي ليست انتفاضة ضد الفقر أو ضد الجوع فقط، كما أنها ليست ثورة من أجل التغيير والإصلاح السياسي فحسب، بل هى ثورة شاملة لها هدف واحد جامع مانع هو استعادة مصر من خاطفيها.
وأظن أنه بعد الذى جرى، أول أمس، فإن الجميع فى انتظار أن يخرج علينا أحد الآن ويقول"فهمتكم".
3- 28 يناير: جمعة البرادعي اليتيمة
في التاسع من سبتمبر/ أيلول (2010) كتبت عن الوجه الآخر لمحمد البرادعي، وقلت بالحرف "هذه أخطر تصريحات للدكتور محمد البرادعى منذ أن دخل فى أتون السياسة الداخلية (السنة القادمة ستكون حاسمة.. سيكون هناك تغيير في الحكم في مصر قد يأتى بعد شهور أو عام.. العام القادم عام حاسم إذا نزلنا فى مظاهرة مليونية بالشارع فستكون الأولى والأخيرة فى عمر النظام السياسى.. فالعصيان المدني الورقة الأخيرة وهي ورقة لا نود أن نستعملها ولكن لابد من استعمالها إذا لم يستجب النظام)".
ومساء أمس من المفترض أن يكون محمد البرادعي قد عاد إلى القاهرة، ليقود اليوم مظاهرات الغضب في جمعة الشهداء، كما أطلق عليها المنتفضون، أو جمعة الغضب الساطع، أو ربما تكون الجمعة اليتيمة بالنسبة لهذه المرحلة كما يحلم العديد من المتطلعين إلى التغيير.
وإذا كان بعض فلاسفة الغبرة قد تناولوا حبوب الشجاعة فجأة وانهالوا ردحاً للبرادعي بعد اندلاع انتفاضة الغضب وآخرون اعتبروا عودته في هذا التوقيت محاولة للانقضاض على مكتسبات الانتفاضة، فإن الموضوعية تقتضي القول، إن دخول البرادعي طرفا في معادلة التفاعلات السياسية المصرية قبل عامين تقريباً كان أحد أسباب توهج حلم التغيير ونزوله من فضاء التطلعات إلى أرض الواقع.
وبوضوح وإيجاز أكثر كان البرادعي أحد أسباب تحول الغضب الشعبي إلى تيار يندفع في قنوات وجداول ذات معالم محددة بعيداً عن العشوائية والجزر المنعزلة.
أما الذين يحاولون ركوب الموجة حقاً فهم تجار الكانتو في الأحزاب التي كانت نائمة في فراش الحزب الوطني حتى وقت قريب!
4- صباح 29 يناير السويس عروس مصريتكم
وإذا السويس سئلت بأي ذنب قتلت وقصفت وديست آدمية أهلها بالأحذية والمصفحات الثقيلة .. ستقول إن الذين فعلوها هذه المرة مصريون لا شغل لهم و لا شاغل إلا تأمين مقاعد السلطة.
مصريون انسلخوا من أنفسهم وانقلبوا على الفطرة السليمة ونسوا التاريخ والجغرافيا والمنطق والأخلاق ودكوا مدينة الصمود دكاً، و ساقوا أهلها إلى جحيم القنابل الدخانية والرصاص المطاطي زمراً.
إن ما جرى في السويس طوال الأيام الفائتة أقرب إلى جريمة حرب كاملة الأركان، حيث العقاب الجماعي لكل شعب السويس لأنه طالب بالتغيير والإصلاح، من قصف المنازل بالقنابل المسيلة للدموع، ومطاردة الناس في الشوارع والطرقات وقطع الاتصالات عن المدينة التي قضت أياماً معزولة عن باقي أنحاء مصر .
لم يتوقف أحد ليتذكر أنها سويس المقاومة، مدينة الشهداء والأبطال، تعطلت الذاكرة في لحظة لأن المدينة الشامخة خرجت تطالب بالإصلاح، فسقط منها شهداء، وحين حاولت تشييعهم حرموا أهلها من الصلاة عليهم.
إنهم يعاقبون السويس، طوال الوقت، لا يطيقون رؤيتها شريفة وطاهرة وصامدة وصابرة، وكلما قدمت المثل في الصمود والبسالة نكل بها أولئك الجاحدون الأوغاد.
الكل تواطأ على السويس وخانوها كالعادة، حتى وسائل الإعلام المرتعشة لم تنقل ما يجري بنزاهة وموضوعية، معظم الفضائيات الخاصة، إلا من عصم ربك من التلوث، شاركت في الجريمة عندما اهتمت أكثر بالكلام مع خلايا الحزب الوطني النائمة، من عينة حسام بدراوي ومصطفى الفقي وعماد أديب وجيش جرار من المتنكرين في ملابس المستقلين، وتركوا السويس تنتحب، لا تجد ما تقوله لكل الذين هانت عليهم السويس سوى كلمات مظفر النواب للذين خانوا القدس عروس عروبتنا .. أولاد الـ (...) لا أستثني أحداً منكم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق