هذا نبيكم يا مسلمون
بقلم: عامر شماخ
يعجز القلم عن الكتابة عن المعصوم -صلى الله
عليه وسلم-؛ لئلا يوفيه حقه، وهو الممدوح من ربه، المعلىُّ ذكره، المجتبى
على سائر الرسل، وكيف لقلم جماد يتناوله بشر تباعد به الزمان أن يتحدث عن
شمائل خاتم الأنبياء، أشرف الخلق، حبيب الحق، مَن هدى الله به أعينًا عميًا
وقلوبًا غلفًا وآذانًا صمًا، وقد أخرج الناس من الظلمات إلى النور، وهداهم
إلى صراط الله المستقيم، وأقام الحجة على الإنس والجان من يوم مبعثه إلى
قيام الدين.. فاللهم صل عليه: عدد خلقك ورضا نفسك وزنة عرشك ومداد
كلماتك.
كتب الكثيرون عنه -صلى الله عليه وسلم- فما
نضب المعين الذين يأخذون منه، وما خَلَق ما يُحكى عن سماته وصفاته من كثرة
الرد، وإنا إن أشرنا إلى بعضها فى هذه السطور فإنا لا نزيد على ما كتب من
قبل، غير أننا واثقون أن وعد ربه له برفع ذكره قمين بأن يلقى فى قلب كل من
يقرأ لنا ولغيرنا حب هذا النبى الكريم الذى بعثه الله للناس كافة، رحمة
لهم، ورأفة بهم، بشيرًا ونذيرًا، وقد رباه الله بطريقته وصنعه على عينه.
ولو تحدثنا عن الرحمة، لقد كان أرحم
الرحماء، وأرأف من خلق الله: بأمته، وبآله وذويه، بل بالخلق أجمعين، إنس
وجان وحيوان وجماد، والمقام لا يتسع لمواقف هذا الخُلق الذى عظم لديه حتى
صار قرينًا به، فإن ذكر محمد ذكرت الرحمة، وإن ذكرت الرحمة ذكر محمد، فهو
من يبكى خوفًا على أمته لما يقرأ عليه ابن مسعود أية سورة النساء، وهو من
يتحسر أن نفسًا ليهودى قد زهقت قبل أن تعلن إسلامها، وهو الذى تردد على ربه
مرارًا ساعة المعراج من أجل التخفيف، وفى كل أحواله كان لسان حاله: أمتى
يا رب، ما جعل ربه ينعته بصفات جامعة اختص بها دون سائر الأنبياء؛ لحدبه
على أتباعه وحرصه على ألا يمسسهم سوء، قال الله: {لّقّدً جّاءّكٍمً رّسٍولِ
مٌَنً أّنفٍسٌكٍمً عّزٌيزِ عّلّيًهٌ مّا عّنٌتٍَمً حّرٌيصِ عّلّيًكٍم
بٌالًمٍؤًمٌنٌينّ رّءٍوفِ رَّحٌيمِ } [التوبة: 128].
وهو الذى شوهد يبكى فى مواضع عدة، وهو من هو
صلابة وقوة شكيمة، لكنها الرحمة التى كانت اصطفاء الله له، فكأن قلبه
الشريف قد خلق ليسع الناس جميعًا، يبكى لبكائهم، ويألم لألمهم، ويفرح
لفرحهم، ويسعد لسعدهم، يبكى لموت صغيره إبراهيم، لكنه يسترجع ولا يقول إلا
ما يرضى ربه، ويعنّف من يحمل جمله فوق طاقته، ويلوم من فجع طائرًا بأفراخه،
حتى الجماد كان له نصيب من وفائه، ورحمته وبره-صلى الله عليه وسلم.
وإن العفو، والحلم والأناة توابع لرحمته،
وإن حادثة واحدة من سيرته -من بين مئات الحوادث- لتشهد له بالعظمة ومكارم
الأخلاق، وبأنه خاتم النبيين بجدارة واستحقاق، تلكم الحادثة هى موقفه يوم
فتح مكة، وقد رفع راية لم نسمع أنها رفعت من قبل، هى راية العفو العام وطلب
المغفرة لأعداء الأمس الذين نكلوا به وأخرجوه من بلده: {لا تّثًريب
عّلّيًكمُ اليَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِيْنَ}
[يوسف:92].
وما كان لبشر -مهما كانت عظمته فى تاريخ
البشر- أن يفعل فعله، وأن ينسى آلامه وأحزانه وجراحه التى أربت على عشرين
سنة، من دون انتقام أو منٍّ وخيلاء، لكنه محمد -صلى الله عليه وسلم- صاحب
الخلق الرفيع، من حاز شهادة الرحمن الرحيم على سواء خلقه وعظمة نفسه، فليس
غريبًا -إذًا- أن يطرح لواء صاحبه الذى اعتبر هذا اليوم يوم ملحمة تستحل
فيه الحرمة، وأن يعلى لواء المرحمة، كافيًا قدر ما مضى، باحثًا عن مواطن
الهداية عند أهل مكة الذين عاش على أمل أن يخرج الله منهم من يعبد الله لا
يشرك به -وقد كان.
وابحث عن العـــدل فـى شـمــائله -صلى الله
عليه وسلم- كما بحثت فى رحمته، سوف تجده صادحًا بقانون عام: لو أن فاطمة
بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها، وسوف تجده خاضعًا للقصاص كأنه واحد من
رعاياه: استو يا سواد. لا يستوى سواد. يخفقه بشىء كان فى يده. يطلب سواد
القصاص. يخضع محمد الرسول له. يكشف سواد عن بطن قائده فيقبلها. لم فعلت
هذا؟. لأن الموقف موقف حرب فأردت أن يكون آخر عمل لى فى الدنيا أن يلتقى
بشرى ببشر رسول الله".
وهكذا كان فى أمانته، وصبره، وعفته وسائر
خلقه، يستحيل أن يوفيه بشر حقه، ولا تجدى سطور هذا المقال فى استيعاب صفة
واحدة من تلك الصفات، ولعل موقف جعفر مع النجاشى-وكان مفاجئًا وعفويًا-
ينبئ عن نبى المسلمين، قال جعفر: «كنا قومًا أهل جاهلية، نعبد الأصنام،
ونأكل الميتة، ونأتى الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسىء الجوار، ويأكل القوى
منا الضعيف، وبقينا على ذلك حتى بعث الله فينا رسولاً منا، نعرف نسبه،
وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كان يعبد
آباؤنا من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة
الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول
الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله وحده، ولا نشرك
به شيئًا... إلى آخ ما ذكر جعفر –رضى الله عنه- وهو كثير..
فهذا نبيكم يا معشر المسلمين، فأطيعوه وافخروا به.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق