" د. مصطفى محمود ".. فاضح الديكتاتورية وكاره استبداد العسكر
1/11/2016
"الله لا يُعبد بالجهل" عبارة اشتهر بها العالم الكبير مصطفى محمود، الذي يقول عن نفسه "لم أكن في يوم من الأيام رجل دين، بل أنا فنان دخلت إلى رحاب الدين من باب الفضل الإلهي ومن باب الحب والاقتناع وليس من باب الأزهر، وكان حكمي حكم الشاعر الذي أحب الله فكتب فيه قصيدة وبنى له بيتا ولكنه ظل دائما الفنان بحكم الفطرة والطبيعة، ذلك الفنان الذي مملكته الخيال والوجدان".
ولم تقتصر كتابات الفيلسوف الطبيب على الكتابات الفلسفية والروحانية بل أمتدت لتشمل ما يقرب من 89 كتابا منها الكتب العلمية والدينية والفلسفية والاجتماعية والسياسية إضافة إلى الحكايات والمسرحيات وقصص الرحلات، ويتميز أسلوبه بالجاذبية مع العمق والبساطة، فضلا عن 400 حلقة من برنامجه التلفزيوني الشهير "العلم والإيمان".
القرآن السبب
ولم يتجاوز الطفل الذي ولد في مثل هذا اليوم عام 1921، عشرات الأعوام إلا وكان عقله ينشغل بما يدور حوله في الكون الواسع، حيث كان يجلس لساعات كثيرة أمام البحر ويردد قوله تعالى "وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى"، فلم يكن يعلم وقتها أن هذه الأية سوف ترسم مشواره ملامح مشواره في البحث الطويل عن أصل الحياة.
بدأت علامات النبوغ في الظهور على الطفل عندما أنشأ معملاً صغيرًا يصنع فيه الصابون والمبيدات الحشرية ليقتل بها الحشرات، ثم يقوم بتشريحها، ثم انفجر، فقرر أبوه تفكيكه، وعلى الجانب الآخر من حياته الدراسية كان متفوقا بها، حتى ضربه مدرس اللغة العربية؛ فغضب وانقطع عن الدراسة ثلاث سنوات إلى أن انتقل هذا المدرس إلى مدرسة أخرى.
فيلسوف الأطباء
وقد شكلت حلقات الذكر وابتهالات الصوفية والدراويش التى كان يحضرها فى طفولته بجوار السيد البدوي بعدًا آخر في شخصيته، كان يستعد للظهور بعد سنوات، ليأتي مرض والده ليرسم فصلا جديدا في حياة فيلسوف الأطباء، فبعد وفاته قرر محمود أن يلتحق بكلية الطب، ما ترتب عليه أن ينتقل من طنطا إلى القاهرة مع والدته.
المشرحجي
أطلق عليه زملاؤه بالجامعة اسم "المشرحجي" نظرًا لوقوفه طول اليوم أمام أجساد الموتى، طارحًا التساؤلات حول سر الحياة والموت، وتخرج الدكتور مصطفى في كلية الطب عام 1953 ليترك الطب كي يتفرغ لمشواره في البحث والكتابة عام 1960، فبالرغم من احترافه الطب، كان نابغًا في الأدب منذ أن كان طالبًا.
رحلة الشك
مر الدكتور مصطفى محمود برحلة روحانية فريدة بعد أن بدأت رحلة الشك تنمو بداخله حول الأديان وطبيعة الخالق، وصنعت منه التجربة مفكرًا دينيًا خلاقا، فقرأ عن البوذية والبراهمية والزرادشيتة، ومارس تصوف الهندوس القائم على وحدة الوجود، حيث الخالق هو المخلوق والرب هو الكون في حد ذاته وهو الطاقة الباطنة في جميع المخلوقات، فكتب خلال تلك الرحلة عدد كبير من الكتب الهامة منها، "حوار مع صديقي الملحد"، و"رحلتي من الشك إلى الإيمان"، و"التوراة"، و"لغز الموت"، و"لغز الحياة"، والتي تدور حول إدارك الحياة والبحث عن الحقيقة. قال عنه الشاعر الراحل كامل الشناوي "إذا كان مصطفى محمود قد ألحد فهو يلحد على سجادة الصلاة، كان يتصور أن العلم يمكن أن يجيب على كل شيء، وعندما خاب ظنه مع العلم أخذ يبحث في الأديان بدءا بالديانات السماوية وانتهاء بالأديان الأرضية ولم يجد في النهاية سوى القرآن الكريم".
98 كتابا مثيرة للجدل
وتحدثت د.لوتس عبدالكريم وهي احد الاصدقاء المقربين من الدكتور مصطفي محمود في مقالها بمجلة "الشموع" عن كتبه الكثيرة المثيرة للجدل ومنها (محاولة لفهم عصري للقرآن) الذى أثار ضجة إعلامية كبيرة عند صدوره وحاوره فيه كبار علماء الدين، وبعض كتبه الأخرى مثل : الله والإنسان، الله، رأيت الله، من أسرار القرآن، الطريق إلى الكعبة، القرآن كائن حي، الإسلام ما هو؟، التوراة، محمد، لغز الموت، لغز الحياة.
وأحصت كتبه بـ(98) كتاباً فى شتى المجالات الروحية والدنيوية، مشيرة إلى ما تميز به من أسلوب عذب جميل في الدعوة، وقدرته على التقريب من الدين بأرق المحاولات وأرقى الكلمات، يقود إلى الايمان به من خلال العلم والمنطق وفك رموز ما غمض على الآخرين فهمه.
وعن عمله كطبيب قالت إن طبه كان مدخله العلمى والتشريحى إلى المشكلات الاجتماعية وإلى النفس الإنسانية والشخصيات التى يكتب عنها.
وتقول إنه كان ناسكا زاهدا في كل متع الحياة، معتكفا في غرفة بسيطة صغيرة فى أعلى المسجد الذى شيده، جالسته فيها على مدى عشرين عاماً أغترف من فكره وعلمه وفلسفته وأتذوق متعاً لا يدركها البسطاء. الآن اختفى د. مصطفى محمود من كاميرات الإعلام ووسائل النشر ومن اهتمامات الكُتاب والصحافة والأصدقاء.
أزمات
ظهر عدد من الأزمات في حياة مصطفى محمود بدأت بكتابه الشهير "الله والإنسان" قُدم بسببه إلى محاكمة بسبب اعتراض الأزهر عليه، وتم اتهامه بالكفر وقتها، لتتجدد الأزمة عام 2000 حول كتابه الذي تناول شفاعة النبي وهو ما يعرف على المستوى الإعلامي بـ"أزمة الشفاعة"، حيث سنت الأقلام ضده وهوجم بألسنة حادة، وصدر ما يقرب من 12 كتابا دينيا للرد عليه، وحولوه في خضم المعركة إلى ضال وخارج عن القطيع، كانت محنة شديدة أدت به إلى أن يعتزل الكتابة إلا قليلا، وينقطع عن الناس حتى أصابته جلطة عام 2003.
وفي تلك الفترة حتى عام 2009 أصيب مصطفى محمود بأعراض ألزهايمر وعاش وحيدًا، فقال عنه الكاتب سيد الحراني "لقد أصيب مصطفى محمود في نهاية حياته بأعراض ألزهايمر، نسي الحروف، ونسي الكتابة، إلى أن طوى الله معه أسرارًا كثيرة"، ليتوفى بعد رحلة علاج استمرت عدة أشهر عن عمر ناهز 88 عاما، ويترك لنا خلاصة تجربته الفكرية ورحلته الروحية، الذي ظل يبحث من خلالها عن الله ليرحل متيقنًا أن الله معه".
كاره العسكر
وفي كتابه (المؤامرة الكبرى) يقول الدكتور مصطفي محمود الضابط "خالد محيي الدين" اعترف في مذكراته، أن قائد انقلاب 1954 البكباشي جمال عبدالناصر طلب من أعضاء مجلس الثورة تكوين تنظيم سري للتخلص من الإخوان و الشيوعيين و طبقة الباشاوات الرجعية.
وعن عقلية الانقلاب العسكري، قال محيي الدين : "إن عبد الناصر كان ضد الديمقراطية على طول الخط وأنه هو الذي دبر الانفجارات الستة التي حدثت في الجامعة وفي جروبي وفي مخزن الصحافة بمحطة سكة حديد القاهرة وأنه اعترف لبغدادي وكمال حسين وحسن إبراهيم انه دبر هذه التفجيرات لإثارة مخاوف الناس من الديمقراطية وللإيحاء بأن الأمن سيهتز وأن الفوضى ستسود إذا مضوا في طريق الديمقراطية".
وأضاف: "وأكثر من ذلك هو الذي نظم إضراب العمال الشهير في مارس 1954، وأنه هو الذي أنفق عليه وموله.. وذكر خالد محيي الدين أن عبد الناصر قال له بالحرف : هذا الإضراب كلفني أربعة آلاف جنيه (وهي تساوي بسعر اليوم تسعمائة ألف جنيه)".
عقلية تآمرية
وتعقيبًا على اعترافات "محيي الدين" يقول الدكتور مصطفى محمود:"بهذه العقلية التآمرية كان "عبد الناصر"، يدير شئون مصر ويفجر القنابل وينظم الإضرابات ثم يبحث عن متهمين وهميين يعلق في رقابهم التهم والشبهات، وتلك كانت حالنا أيام حكم العسكر وتلك اعترافاتهم ويُشكر الأخ خالد على أمانته وصدقه وضميره المحايد".
----
الرابط:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق