الخميس، 24 نوفمبر 2016

تدويل قضية النوبة وتقسيم مصر بقلم: د. عز الدين الكومي


تدويل قضية النوبة وتقسيم مصر
 
بقلم: د. عز الدين الكومي
 
أفيقوا أيها المصريون؛ فبعد أن فشل النظام الانقلابي على كل الأصعدة والمستويات خاصة فى المجال الاقتصادي والسياسي، وقام بتقسيم الشعب، ونشر الكراهية والتحريض على العنف من خلال الإعلام المملوك للدولة، وشن حربا ضد أهل سيناء وهجّرهم قسريا لتفريغها لصالح الكيان الصهيونى ... بعد كل هذه الكوارث، فهل يمكن أن يبدأ النظام الانقلابي مسلسل تقسيم البلاد من خلال التصعيد فى المسألة النوبية مستغلا الحالة الاقتصادية المتردية وانشغال الناس بالغلاء وارتفاع الأسعار واختفاء الدواء والمصائب التي حلت على رأس الشعب ليبدأ هذه الخطوة؟؟!
 
بدأت احتجاجات أهل النوبة عندما قامت قوات أمن الانقلاب فى أسوان، بمنع وصول قافلة نوبية إلى منطقتي "توشكى" و"خورقندي"، بعد أن أعلن النظام الانقلابي عن إدراجهما ضمن أراضي مشروع "المليون ونصف فدان"، والتي توزع على مستثمرين ومزارعين لاستصلاحها ضمن مسلسل بيع الدولة، في الوقت الذي يطالب فيه أهل النوبة بتوطينهم في تلك الأراضي وزراعتها، حسب دستور العسكر الذي نص فى المادة 236على حق عودة أبناء النوبة لأراضيهم! 
 
لكن أهل النوبة الغاضبين قاموا بقطع طريق أبو سمبل في الاتجاهين، فتم إطلاق الرصاص الحي عليهم وإصابة ثلاثة منهم أحدهم بحالة خطرة! 
 
وتتمحور مطالب أهل النوبة فى تطبيق المادة 236 من دستور العسكر، التي نصت صراحة على حق عودة النوبيين خلال 10 سنوات، وعدم التصرف في أراضي "بحيرة ناصر" قبل إنهاء الاستحقاقات النوبية، مع تعديل قرار 444 لسنة 2014 الذي يمنع النوبيين من العودة إلى عدد من المناطق النوبية على ضفاف البحيرة، باعتبارها مناطق حدودية تدخل ضمن سيطرة المؤسسة العسكرية، ومراعاة اعتبارات الأمن القومي! 
 
وكالعادة فى مثل هذه الأحداث تنطلق الحناجر الانقلابية من الخوابير الاستراتيجية والأمنية والأذرع الإعلامية لتنبح بقصد التهدئة، وتمرير الموقف بهدوء وتنفيذ ما يريده العسكر، واعتبار أن هذه مؤامرة كونية يديرها الإخوان بمساندة أمريكا، بعد أن قادوا مؤامرة الدولار التي دبرها حسن مالك!
 
لكن الطريف فى الأمر هذه المرة أنّ الخطاب لم يكن حنجوريا كعادة الإعلام الانقلابي؛ ولكنه كان هادئا ويجر ناعم لأبعد الحدود، فقد قال أحد هؤلاء: أهلنا في النوبة اخواتنا ومصريين جدعان، وضحوا بأراضيهم علشان الوطن، محدش يستكتر عليهم حاجة مهما كانت، لأن مصر مبتنساش اللي خدمها، ومحدش يهاجم ناس أصيلة زي النوبيين تحت أي مسمى، لأنهم أصحاب واجب مش مجرد أصحاب حقوق، متخلقوش مية عكرة حد يصطاد فيها" نورت المحكمة يامعلم! 
 
ولا شك أن من حق أهل النوبة الذين هُجِّروا مرات، منذ بناء خزان أسوان عام 1902، وبعد ذلك فى عام 1912مع التعلية الأولى للخزان، وفي عام 1933 مع التعلية الثانية للخزان، وكانت الهجرة النوبية الكبرى أحد الآثار السلبية لبناء السد العالي، حيث غمرت مياه بحيرة ناصر قرى نوبية كثيرة في مصر وشمال السودان، ما أدى إلى ترحيل أهلها وغرق النوبة وآثارها، وتم انتزاع النوبيين من بيئتهم الزراعية، وتسكينهم فى أراضٍ قاحلة في ظروف معيشية قاسية! 
 
واليوم بدلا من أن تقوم الحكومات الانقلابية المتعاقبة بحل هذه المشكلة الممتدة منذ أكثر من نصف قرن، ورد الاعتبار لأهل النوبة، فوجئ أهل النوبة بصدور القرار رقم 444 لسنة 2014 ، الذي خصص مساحة مائة وعشرة كيلومتر من مناطق النوبة على أنها مناطق عسكرية ممنوع التواجد بها. 
 
ثم قامت حكومة الانقلاب بوضع جزء من مناطق النوبة ضمن مشروع المليون ونصف فدان بما يؤكد أن النظام الانقلابي لا يرغب فى عودة النوبيين لأراضيهم، ولا يرغب فى حل هذه المشكلة! 
 
ولهذا يفكر الكثير من النوبيين بتدويل قضيتهم، بعد انسداد طرق التقاضي المحلية أمامهم، وعدم استجابة النظام الانقلابي لمطالبهم، وهذا يعنى تقديم قضايا أمام المنظمات الإقليمية والدولية الخاصة بحقوق الإنسان، مثل اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، لاختصام النظام الانقلابي لانتهاكه للدستور، و إعداد ملف عن القضية النوبية لعرضه على مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، وتقديم ملفات إلى المقرِّرين الخاصين في الأمم المتحدة، ممن تتقاطع اختصاصاتهم مع مواضيع القضية النوبية.
 
وللعلم فإن القضية النوبية قد أخذت طريق التدويل بالفعل، منذ عام 2005 عندما حضر بعض النوبيين مؤتمر الأقليات في الولايات المتحدة، وتم عرض الملف النوبي على المؤتمر، وفي ظل تعقيدات القضية النوبية، بعد أن وجد النوبيون أنفسهم بين مطرقة تعسف النظام الانقلابي، وسندان الاتهامات بالعمالة والسعي نحو الانفصال، مضطرين لتدويل قضيتهم، بعد أن سُدّت أمامهم كل الطرق، وتقديم العديد من المقترحات بشأن إعداد مشروع قانون الهيئة العليا لتوطين النوبيين، وتعمير منطقة النوبة القديمة، إلا أن النوبيين وجدوا أنهم لم يتقدموا خطوة واحدة إلى الأمام، كما فوجئوا بتصريحات صحفية من جهات حكومية وأمنية متعددة ترفض كل المقترحات، بالإضافة إلى صدور القرار الجمهوري رقم 444، والذي يتنافي مع ما جاء بنصوص دستور العسكر، بتقرير حق العودة للنوبيين، والمماطلات الكثيرة من المسؤولين في حكومات الانقلاب المتعاقبة، علاوةً على الإتيان بقانون مغاير لكافة المقترحات.
 
ومع ورفض النوبيين الدخول في مفاوضات تخص هذه المطالبات، بما ينتقص من الحق النوبي الدستوري، فإنهم مستمرون في الاعتصام السلمي حتى الاستجابة لمطالبهم، بعدما منحوا الفرصة الأخيرة للدولة ! 
 
فهل هذا هو ما يريده النظام الانقلابي من قضية النوبة؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق