قراءة في كف السيسي
ماجد عبد الهادي
11 ديسمبر 2014
منذ نحو سبعة شهور، أي في مايو/أيار الماضي، توقع مُنَجّم مصري، يُدعى أحمد شاهين، ويحمل لقب نوسترداموس العرب، أن يشهد عام 2015 نجاح الجيش المصري بتحرير القدس، وقال "إن المشير عبد الفتاح السيسي سيكون هو من سيقود المعركة التاريخية الفاصلة التي تشير الحسابات الفلكية إلى أنها ستقع بعد 42 عاماً من نصر أكتوبر/تشرين أول عام 1973، وستؤدي إلى كسر إسرائيل، ورئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، المنعوت في النبوءات القديمة، بأنه يحمل اسماً مشتقاً من اليمين النتن الرائحة".
أي والله، هكذا، قال الرجل، على صفحات الصحف، وشاشات الفضائيات المصرية، من دون أن يخشى الحرج الذي سيغدو فيه، حين سيحل الموعد المذكور، بينما القدس تواصل أنينها، تحت الاحتلال الإسرائيلي، وتُكذِّب، دجل كل المتاجرين بها، منجمين كانوا، أو سياسيين.
والمرجح هنا، أن أحمد شاهين، أو نوسترداموس العرب، يثق كل الثقة، بأن أحداً من جنرالات الفضائيات المصرية، وصحافيي التدخل السريع، الذين التقاهم، ونشروا توقعاته، لن يعودوا يوماً، ليراجعوه في ما قال، لأنه يعرف ويعرفون، كما نعرف جميعاً، أن نبوءته بفتح القدس، لم تكن إلا بعض لزوميات ترشح السيسي للانتخابات الرئاسية، في بلاد تفيض بما لا يقل عن عشرين مليون أمي، وحدث أن اعتمر أفراد من نخبتها المثقفة، أحذية العسكر (البيادات) على رؤوسهم، بالمعنى الحرفي للكلمة، حيناً، والمجازي، في أحيان كثيرة.
لكن، هذه القصة، والقصص الأخرى المشابهة التي انتشرت عقب الانقلاب على الرئيس محمد مرسي، أعادت التذكير بإرث طويل من علاقة الزعماء السياسيين بالمنجمين، مع ملاحظة اختلاف بسيط، في شكله، جوهري في مضمونه، يقول إن السيسي ربما استخدم نوسترداموس وأمثاله كي يصنعوا أوهاماً تساعده على نيل مبتغاه، وليس لأنه يؤمن بقدراتهم، على طريقة الزعيم الألماني النازي، أدولف هتلر، مثلاً، الذي كان له عرّاف خاص، يستشيره قبل كل خطوة يتخذها، أو اقتداء بالرئيس الفرنسي الأسبق، فرانسوا ميتران، الذي قيل إنه استشار العرّافة الشهيرة اليزابيث تيسيه حول مسألة انضمام بلاده إلى التحالف الدولي ضد العراق في حرب الخليج الثانية.
ولو أن الرئيس المصري امتلك الشجاعة، الآن، ليمد يمينه، أمام عراف آخر، من أولئك الذين يقرأون المعطيات السياسية، ويغلفونها بكلام مبهم، عن خطوط الكف، وحركة الكواكب والنجوم، لسمع في الغالب كلاماً، لا يسر عن واقع مصر، وعن مستقبل حكمه.
سيحتاج الأمر ابتداء، ومن غير شك، إلى مسح دم الماضي القريب عن يده، حتى تظهر واضحة معالم المستقبل غير البعيد، وهذا ضرب من المحال، سيقتضي، بدوره، تحليلاً سياسياً، يتقمص لغة التنجيم، ليعيد، مثلاً، ما قالته صحيفة "فورين أفيرز" التي تصدر عن مجلس العلاقات الخارجية الأميركي"باعتباره قراءة فلكية؛ "إن قمع السيسي الوحشي والأعمى يأتي بنتائج عكسية (..). لقد زاد انتشار تنظيم أنصار بيت المقدس، وبدا أكثر جاذبية للشباب المصريين المحبطين (..) منذ انقلاب السيسي، انشق عدد كبير من ضباط الجيش، وانضموا للتنظيم المتشدد (..) إن الهجوم على نقطة تفتيش تابعة للجيش في سيناء أواخر أكتوبر الماضي، وهو الهجوم المعروف بعملية كرم القواديس والذي أسفر عن مقتل 31 جندياً، وجرح آخرين، خططه ونفذه اثنان من كبار ضباط الجيش المنشقين".
أما الأسوأ في خطوط كف السيسي، فلن تصعب قراءته، أيضاً، على الرغم من كل الدم الذي يغطيها. ولعل تسريب التسجيلات الصوتية الأخيرة لتآمر كبار قادة العسكر والنائب العام على تزوير مكان اختطاف الرئيس محمد مرسي يكاد يكفي وحده، كي يتنبأ العرافون بقرب انفجار الصراع بين رموز الدولة العميقة، ليطيح ربما بالمشير الذي نجح في تدبير الانقلاب، ولكنه تلكأ طويلاً في تبرئة الرئيس المخلوع، حسني مبارك، بينما أخفق في أن يكون رئيساً "ملوّ هدومو".
ماجد عبد الهادي
11 ديسمبر 2014
منذ نحو سبعة شهور، أي في مايو/أيار الماضي، توقع مُنَجّم مصري، يُدعى أحمد شاهين، ويحمل لقب نوسترداموس العرب، أن يشهد عام 2015 نجاح الجيش المصري بتحرير القدس، وقال "إن المشير عبد الفتاح السيسي سيكون هو من سيقود المعركة التاريخية الفاصلة التي تشير الحسابات الفلكية إلى أنها ستقع بعد 42 عاماً من نصر أكتوبر/تشرين أول عام 1973، وستؤدي إلى كسر إسرائيل، ورئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، المنعوت في النبوءات القديمة، بأنه يحمل اسماً مشتقاً من اليمين النتن الرائحة".
أي والله، هكذا، قال الرجل، على صفحات الصحف، وشاشات الفضائيات المصرية، من دون أن يخشى الحرج الذي سيغدو فيه، حين سيحل الموعد المذكور، بينما القدس تواصل أنينها، تحت الاحتلال الإسرائيلي، وتُكذِّب، دجل كل المتاجرين بها، منجمين كانوا، أو سياسيين.
والمرجح هنا، أن أحمد شاهين، أو نوسترداموس العرب، يثق كل الثقة، بأن أحداً من جنرالات الفضائيات المصرية، وصحافيي التدخل السريع، الذين التقاهم، ونشروا توقعاته، لن يعودوا يوماً، ليراجعوه في ما قال، لأنه يعرف ويعرفون، كما نعرف جميعاً، أن نبوءته بفتح القدس، لم تكن إلا بعض لزوميات ترشح السيسي للانتخابات الرئاسية، في بلاد تفيض بما لا يقل عن عشرين مليون أمي، وحدث أن اعتمر أفراد من نخبتها المثقفة، أحذية العسكر (البيادات) على رؤوسهم، بالمعنى الحرفي للكلمة، حيناً، والمجازي، في أحيان كثيرة.
لكن، هذه القصة، والقصص الأخرى المشابهة التي انتشرت عقب الانقلاب على الرئيس محمد مرسي، أعادت التذكير بإرث طويل من علاقة الزعماء السياسيين بالمنجمين، مع ملاحظة اختلاف بسيط، في شكله، جوهري في مضمونه، يقول إن السيسي ربما استخدم نوسترداموس وأمثاله كي يصنعوا أوهاماً تساعده على نيل مبتغاه، وليس لأنه يؤمن بقدراتهم، على طريقة الزعيم الألماني النازي، أدولف هتلر، مثلاً، الذي كان له عرّاف خاص، يستشيره قبل كل خطوة يتخذها، أو اقتداء بالرئيس الفرنسي الأسبق، فرانسوا ميتران، الذي قيل إنه استشار العرّافة الشهيرة اليزابيث تيسيه حول مسألة انضمام بلاده إلى التحالف الدولي ضد العراق في حرب الخليج الثانية.
ولو أن الرئيس المصري امتلك الشجاعة، الآن، ليمد يمينه، أمام عراف آخر، من أولئك الذين يقرأون المعطيات السياسية، ويغلفونها بكلام مبهم، عن خطوط الكف، وحركة الكواكب والنجوم، لسمع في الغالب كلاماً، لا يسر عن واقع مصر، وعن مستقبل حكمه.
سيحتاج الأمر ابتداء، ومن غير شك، إلى مسح دم الماضي القريب عن يده، حتى تظهر واضحة معالم المستقبل غير البعيد، وهذا ضرب من المحال، سيقتضي، بدوره، تحليلاً سياسياً، يتقمص لغة التنجيم، ليعيد، مثلاً، ما قالته صحيفة "فورين أفيرز" التي تصدر عن مجلس العلاقات الخارجية الأميركي"باعتباره قراءة فلكية؛ "إن قمع السيسي الوحشي والأعمى يأتي بنتائج عكسية (..). لقد زاد انتشار تنظيم أنصار بيت المقدس، وبدا أكثر جاذبية للشباب المصريين المحبطين (..) منذ انقلاب السيسي، انشق عدد كبير من ضباط الجيش، وانضموا للتنظيم المتشدد (..) إن الهجوم على نقطة تفتيش تابعة للجيش في سيناء أواخر أكتوبر الماضي، وهو الهجوم المعروف بعملية كرم القواديس والذي أسفر عن مقتل 31 جندياً، وجرح آخرين، خططه ونفذه اثنان من كبار ضباط الجيش المنشقين".
أما الأسوأ في خطوط كف السيسي، فلن تصعب قراءته، أيضاً، على الرغم من كل الدم الذي يغطيها. ولعل تسريب التسجيلات الصوتية الأخيرة لتآمر كبار قادة العسكر والنائب العام على تزوير مكان اختطاف الرئيس محمد مرسي يكاد يكفي وحده، كي يتنبأ العرافون بقرب انفجار الصراع بين رموز الدولة العميقة، ليطيح ربما بالمشير الذي نجح في تدبير الانقلاب، ولكنه تلكأ طويلاً في تبرئة الرئيس المخلوع، حسني مبارك، بينما أخفق في أن يكون رئيساً "ملوّ هدومو".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق