قراءة أخرى للمندس
بقلم: عبد العزيز مجاور
لا يستطيع أحد أن يخفي إعجابه
بالفيلم التسجيلي (المندس) وبطله مهند الذي يستحق التحية، ولكن دعونا نعيد
قراءة الفيلم قبل أن نصدر أحكاماً سريعة نتهم فيها البعض بالدروشة
والتقصير، ونمجد البعض بأنهم أدركوا ما لم يدركه غيرهم.
الفيلم لمن لم يراه يمكن تلخيصه في
جملة واحدة: إن الانقلاب العسكري بدأ منذ يناير 2011 ولم يعلن عنه إلا في
يوليو 2013، وأن الجيش والشرطة كانوا في تحالف غير مقدس مع البلطجية
(المواطنون الشرفاء) خلال الأعوام الثلاثة ومازال التحالف قائما حتى مسرحية
الدم في مايو 2014.
الفيلم نفسه أكد أن الرئيس لم يكن مغيبا عما يدور في الكواليس، بدليل أن مهند قال إنهم أخبروه أن قصر الاتحادية مراقب.
ولكن هل معلومات الفيلم جديدة
بالفعل؟ لا تستغرب السؤال فقد وقعتُ في نفس الخطأ عند الوهلة الأولى
من المشاهدة وظننت أن هذه المعلومات جديدة ولكن الحقيقة أنها كانت معروفة،
والجديد ما أثبته بطل الفيلم للمغيبين وغير المصدقين لما يسمعونه من البعض
والمنكرين لفكر المؤامرة على طول الخط.
لقد قال الدكتور البلتاجي: إن صاحب
الهاشتاج الشهير هو المسئول عن موقعة الجمل، وذلك في لقاء ببرنامج (العاشرة
مساءً) في ديسمبر 2012 وأنه من سهل دخول البلطجية لميدان التحرير، هذه
التصريحات قالها البلتاجي وقائد الانقلاب وزير للدفاع.
وبعد أحداث الاتحادية وتحديداً يوم
29 نوفمبر 2012 قال الرئيس في خطابه: (إن الممارسين للعنف في أحداث
الاتحادية بعضهم مستأجرون مقابل مال دفع لهم، وكشفت عن ذلك تحقيقات
النيابة، وأن المقبوض عليهم اعترفوا بذلك وسوف تكشف ذلك تحقيقات النيابة
قريبا) ولكن نيابة مصر الجديدة قامت بالإفراج عن كل المتهمين بمن فيهم
المطلوبون على ذمة قضايا أخرى.
معرفة الرئيس بما يدبر داخل المحكمة
الدستورية من انقلاب بأحكام قضائية تحل كل المؤسسات المنتخبة وتشكك في
شرعية الرئيس وإفساد الرئيس لذلك المخطط.
تصريحات الشيخ حازم أبو أسماعيل المتواترة عن العسكر وجرائمهم وتحالفهم لإسقاط الدولة.
إذًا المعلومات الواردة بالفيلم
التسجيلي مع أهميتها ليست مفاجئة للمتابع الجيد، ولم تكن خافية على مؤسسة
الرئاسة، ولكن ما الذي كان يمكن أن يقوم به الرئيس؟
يقول البعض وعبر عنهم أحد النشطاء
المعلقين على الفيلم: (لماذا لم يقم الرئيس بهيكلة الأجهزة؟) في حين أن نفس
الحركة الثورية التابع لها هذا الناشط هي التي وقفت ضد الرئيس وملأت
الدنيا ضجيجاً ووضعت أيديها في أيدي العسكر عندما عزل النائب العام لتستّره
على تحالف البلطجية والعسكر.
وما يراه الكاتب أن مستشاري الرئيس
لم يكونوا على قدر الحدث والأدلة كثيرة لا مجال لذكرها، في حين أن الرئيس
نجح في التعامل مع الانقلابيين فأفسد عليهم كل مخططاتهم حتى اضطروا إلى
استخدام القوة العسكرية في الانقلاب عليه، ولكن كان عليه أن يصارح الشعب
بأن أجهزة الدولة الرسمية تعمل ضد الشرعية، كان عليه أن يضع الشعب في
الصورة بأن القضاء فاسد والشرطة لا تقوم بعملها والنيابة تتواطأ مع
البلطجية، ولكن كم حركة ثورية كانت ستقول: لا يجوز للرئيس أن يتهم الشرفاء
بلا أدلة دامغة؟ وكم ناشط سينادي بأن الرئيس تغول على السلطة القضائية
الشامخة؟ كما فعلوا في تحصين الرئيس لإرادة الشعب ضد الحل من الدستورية.
كلما انكشفت الحقائق أدركنا كم جنت
النخبة على مصر بتحالفها مع العسكر تارة، ووقوفها مع النائب العام الفاسد
تارة أخرى، ومعرفتها بسيناريو الانقلاب قبل وقوعه بشهور ومع ذلك استمروا في
دعمهم كما اعترف أحد المحبوسين الآن من هؤلاء النشطاء.
أتمنى أن يخرج لنا قريبا فيلم لمندس
آخر ولكن داخل النخبة والحركات التي كانت تدير البلاك بلوك، وآخر داخل
مؤسسة الشامخين التي أفسدت مصر ومازالت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق