الاثنين، 9 يونيو 2014

قهر الرجال وطاقة التحدي بقلم: صادق أمين



قهر الرجال وطاقة التحدي
بقلم: صادق أمين
إن من أعظم عوامل إثارة أي أمة فضلاً عن الأمة الاسلامية هو المساس بالمقدس لديها؛ مما يجعل رد فعلها طاقة تحدٍ تُطيح بمن تجرأ عليها.
وهذا ما أقر به كثير من علماء الحضارة مثل توينبي القائل بأن التحدي والاستفزاز هو سبب مهم في الاستجابة للنهوض الحضاري وهو الذي يقضى على العناصر الشائخة ويستفز الأمة لتنهض كي تواجه ظروفها وأعداءها، وإن فترات التحدي هي فترات خير للأمة لأنها تعيد إليها شبابها ونضوجها.
ومما يضاعف طاقة التحدي أن المشروع العلماني والداعون إليه ومَنْ وراءهم من العسكر قد تعروا جميعا أمام الشعب  وأفقدوا مشروعهم كل العوامل التي كانوا يعتزون ويتباهون بها واتضح بما لا يدع مجالا للشك، أنه منهج تحكمه المصلحة والمنفعة الشخصية، ولا مكان للقيم الأخلاقية أو السلوكية؛ لكونه مشروعا عنصرياً انتقائياً؛ يوظف المعاني الإنسانية  لخدمة أهدافه، ولكنه سرعان ما يتخلى عنها إذا ما صارت قيداً على مصلحته أو سيطرته.
ومع افتراض أنهم قد أحكموا قبضتهم؛ فهل سيتحول الشعب إلى قطيع يساق ويسود مناخ قهر الرجال؟، أم أننا يمكن أن نتقدم لنأخذ بيده كي يتحول من حالة اليأس والانهزامية والاستلاب أمام الطغاة إلى طاقة تحدٍ يتلاشى معها الخوف وكل المعاني السافلة؟
و لكي نتجنب هذا السيناريو ولا نقع فريسة للحيرة التي تبدد نصف الطاقة ؛ فإن أولى الخطوات في هذه الحالة:
1. أن نحسن توظيف حالة قهر الرجال هذه؛ ليتطلع الشعب إلى الخلاص من مظاهر الهوان والعجز بإدراكه أن الطغاة والفاسدين والظالمين يموتون من أجل مطامع دنيوية تافهة ؛ أفيليق بنا أن ننكص على أعقابنا من أجل الدفاع عن شرف الوطن والدين؟
2. أن ندير حوارا بنًاءاً أساسه أن لكل منا الحق في أن يفكر كما شاء ويصل الى ما يقنعه من نتائج، لكن الشيء الذي لا جدال فيه هو أن أي شعب يُعتدي عليه المعتدون لا بد أن يهب للدفاع عن كرامته ؛ إذ من البديهي أننا لم نقرأ في التاريخ أن شعباً عريقا استسلم هكذا دون مقاومة.
3. أن يدرك الشعب أن الطغاة والفاسدين والظالمين إن هم إلا بشر مثلنا وتجري عليهم سنن الهزيمة والنصر والخوف والشجاعة واليأس والأمل، كما أنهم لا يفترقون عنا كثيرا سوى في المظهر المادي الذي يتدرع بالسلاح والرصاص في مقابل سلميتنا ؛ إذ بها وباستمرار فعالياتنا تتحول حياة الظالمين إلى قلق دائم وتوجس مما يفقدهم حلاوة النصر وتستحيل الجنة التي حلموا بها إلى جحيم لا يطاق، وهذا ما يجب أن يكون.
4. أن تتحول لحظة القهر والشدة إلى مناخ تسوده العزة والأمل؛ باعتبارها أروع اللحظات التي تولد المبادرات الفردية وتحفز روح الإبداع عند الأفراد؛ حتى يؤمن الجميع بأن لحظة الشدة من ذلك المفهوم قد تكون فترة زمنية من مجموع تلك الفترات التي تحدث عنها منظرو الحركة الإسلامية بأنها من الفرص والسوانح التي إن لم تستغل وتوظف نكون قد فوتنا لحظة إبداع قد لا نستطيع استدراكها.
ومن نماذجها:
• اليوم الأول من أيام القادسية يعرف بأنه اليوم الأسود؛ ذلك لأن الجيش الإسلامي خسر حوالي خمسمائة شهيد وذلك لما أحدثته حيلة الفيلة من زعزعة في معسكر المسلمين إذ كان أسلوبا قتاليا غير معروف للعرب، وفي ظلال تلك الشدة والبلاء كانت المبادرة الفردية المخرجة من هذه المحنة وبفكرة جديدة ابتكارية لم تستخدم من قبل، ألا وهي برقعة الإبل بسرابيل سود.
• وفي مناخ تلك اللحظة كانت فكرة محمد الفاتح يوم فتح القسطنطينية بتسيير السفن على اليابسة.
• ومن قبل كان مناخ يوم الأحزاب بكل مفرداته التي ذكرت في القرآن، هو الدافع والمولد لفكرة الخندق غير المسبوقة في تاريخ العرب.
• بل إن معظم من يحلل الجوانب الإيجابية في تاريخ الحرب العالمية الثانية ـ على ما فيها من مآسٍ إنسانية ـ يؤكد على أن الإنسانية قد حصلت من خلال تلك المآسي على كمٍ من الاختراعات والإنجازات التي لم تكن لتخرج إلى الوجود إلا من رحم المعاناة والحاجة. 
وفي ظلال تلك المفاهيم والحقائق نعلم كم نخسر واقعيا وتربويا إن لم نوظف لحظة الشدة والقهر في إنجاز ابتكاري يجسد مبادرة فردية أو جماعية تخرج من شكله المرفوض إلى آخر مأمول.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق