المفكر الإسلامي الدكتور محمد عباس
معذرة: ثمة خطأ لم أفهمه في الإرسال عند الفجر لم أفهمه حيث لم تظهر عندي، لذلك أعيد إرسالها
-----------------------------------------------------------------
أربعة..أربعة.. أربعة..أربعة..
===============
حقيقة ما يحدث الآن
===========
الجزء الرابع
===========
لم أكن في الحقيقة أنوي ضم هذا المقال إلى سلسلة "حقيقة ما يحدث الآن"
لكنني في قراءتي الثانية للرواية ذهلت.. في القراءة الأولى منذ نحو نصف قرن
استقرت الرواية في ذاكرتي ووجداني، لكنني لم أتخيل أبدا أن قراءتي الثانية
لها منذ أيام سوف تؤثر في نفسي هذا التأثير.
لقد ذهلت..
كأن
الرواية ليست رواية.. وكأنها مقال سياسي يصف ما يحدث الآن، وكأن وزارة
الدكتور الببلاوي هي وزارة الحب (حيث يسمى كل شيء بعكس معناه: فإذا رفضت
قلب المعنى فليس ثمة جزاء إلا الموت بعد التعذيب الشديد) وكأن الفريق
السيسي هو "أوبراين" أو حتى الأخ الأكبر.
***
سوف أبتعد بقدر الإمكان عن سرد الرواية فهي موجودة لمن شاء..
سوف أقفز فجاة إلى صفحة 294 من الطبعة العربية للمركز الثقافي العربي
-الدار البيضاء-المغرب- ترجمة أنور الشامي- حيث يقول أوبراين لونستون
(البطل المسحوق الذي يجري تعذيبه تعذيبا خرافيا لأنه لا يفهم ولا يريد أن
يفهم) .
يقول أوبراين لونستون:
- هل تذكر يا ونستون حينما كتبت في مذكراتك تقول إن الحرية هي أن تقول إن اثنين واثنين يساويان أربعة؟
فأجاب ونستون : - نعم
ورفع ونستون يده اليسرى جاعلا ظهرها إلى ونستون ومخفيا الإبهام خلف الأصابع الأربعة المرفوعة، وسأل:
- كم إصبعا ترى يا ونستون؟
- أربعا.
وإذا قال الحزب (اقرأها: الانقلاب م ع ) إنها ليست أربعة بل خمسة فكم يكون عددها حينئذ؟
- أربعا.
ولم يكد ونستون يتم هذه الكلمة حتى صرخ من شدة الألم الذي سرى في أوصاله،
وأشارت الإبرة إلى خمسة وخمسين"، وأخذ العرق يتفصد من كل أنحاء جسمه وأخذ
الهواء يتدفق إلى رئتيه فيخرج أنينا لم يمنعه حتى اصطكاك أسنانه. وكان
أوبراين يراقبه بينما لا تزال الأصابع الأربعة مرفوعة، ثم سحب أوبراين
الذراع (ذراع ألة الصعق الكهربائي) فخفت حدة الألم بعض الشيء، وسأل:
- كم إصبعا ترى يا ونستون؟
- أربع! أربعا! أربعا ! ماذا أقول غير ذلك ؟ أربعا!
(...) وتعمل الإبرة مرة أخرى..
كانت الأصابع تنتصب أمام عينيه وكأنها أعمدة ضخمة تهتز وسط جو غائم، لكنها مع ذلك كانت أربعا ولا ريب.
- كم إصبعا يا ونستون؟
-إذن خمسا! خمسا! خمسا!
- لا يا ونستون هذا لن يفيدك، إنك ما زلت تكذب لأنك تظن انها اربع. كم إصبعا ترى من فضلك؟
- أربعا! خمسا! أربعا! الرقم الذي تريده، كل ما أرجوه هو أن توقف الألم.
***
يبكي ونستون ويتوسل لإيقاف التعذيب لكن أوبراين الذي كان ونستون يظن أنه
صديقه الحميم بينما كان جاسوسا وهو الذي يعذبه الآن. وينتحب ونستون متسولا
بقايا من عطف أوبراين عليه، ولكن أوبراين يواصل تعذيبه معاتبا : " ولكنك
بطيء التعلم يا ونستون (يذكرني أوبراين بفؤاد علام)
***
قال ونستون وهو ينتحب: "ماذا عساي أن أفعل؟ كيف يمكنني تجنب رؤية ما هو أمام عيني؟ إن اثنين واثنين يساويان أربعة".
فقال أوبراين:"أحيانا يساويان أربعة يا ونستون، وأحيانا أخرى يساويان خمسة
وقد يساويان ثلاثة أيضا، وفي أحيان أخرى يساويان أربعة وخمسة وثلاثة في آن
معا، يجب أن تحاول بمزيد من الجدية والجهد، فليس من السهل أن تصبح سليم
العقل".
***
وتماما كما يحدث عندنا يستدعى الطبيب ليقرر هل يحتمل ونستون مزيدا من التعذيب والصعق.
نعود إلى صفحة 296 من الرواية:
***
قال أوبراين: "مرة أخرى"
وتدفق الألم في جسد ونستون من جديد، وكانت الإبرة قد بلغت السبعين أو
الخامسة والسبعين، لكنه أغلق عينيه هذه المرة، إذ كان يشعر أن الأصابع لا
تزال منتصبة وأنها لا تزال أربعا، فقد كان كل همه أن يظل على قيد الحياة
حتى تنقشع هذه النوبة من الألم (...)
- كم إصبعا ترى يا ونستون؟
- أربعا، أظن أنها أربعا، سأحاول أن أراها خمسا إن استطعت، إنني أحاول فعلا أن أراها خمسا.
- أترغب فعلا يا ونستون أن تراها خمسا أم أنك تراها فعلا خمسا؟
- أرغب ان اراها فعلا خمسا.
فقال أوبراين: "إذن مرة أخرى" وتأتي الصعقة الكهربائية الهائلة أعلى من سابقتها.
لم يعد في مستطاع ونستون أن يتذكر سبب هذا الألم. وخيل إليه أن غابة من
الأصابع تتراقص أمام عينيه المشدوهتين ويتداخل بعضها في بعض ويتوارى بعضها
وراء بعض ثم يعود فيظهر، وكان يحاول أن يحصيها دون أن يدري لماذا، لكنه كان
يعرف أنه من المستحيل عليه أن يحصيها، وذلك بسبب الطبيعة الغامضة التي
تتلبس الخمسة والأربعة، وزال عنه الألم مرة أخرى، وما أن فتح عينيه حتى
تبين له أنه ما زال يرى الشيء نفسه، أصابع لا حصر لها ولا عد، مثل أشجار
متحركة يسير بعضها وراء بعض في وجهتين متداخلتين، فسارع بإغلاق عينيه مرة
أخرى.
- كم إصبعا ترى يا ونستون؟
- لست أدرى، لست أدري، أخاف أن تقتلني إن صعقتني مرة أخرى، أربعا، خمسا، ستا، أقسم لك أنني لست أدري.
- هذا أفضل
***
هذا ما وعدتكم به يا قراء أمس..
أربعا.. أربعا ..أربعا..أربعا..
كانوا يسحقون ونستون كيما يرى ما يملونه عليه وما يعرفون هم بأنفسهم أنه كذب.
تماما كما يريد الانقلابيون إقناعنا بأن 33 مليون خرجو يوم 30 يونيو وأن أهل رابعة قتلوا أنفسهم وأن الدكتور محمد مرسي سرق جاموسة..
إما أن تقبل ذلك وإلا فعلوا بك ما فعلوه بونستون..
أما أوبراين ومعاونوه والأخ الأكبر فهم النخبة الفاسدة المتحكمة جميعا..
الذيول الحقيرة هي الكلاب النابحة في حديقة حيوان قناة الجزيرة الذين
يحرصون على إقناعنا كل مساء على شاشة الجزيرة أن اثنين واثنين يساوي خمسة.
ولست أدري لماذا تحتفظ بهم قناة الجزيرة.
إن كنا نحن مغصوبون عليهم هنا فما يرغمهم على تجرع العفن هناك..
هنا أوبراين.. وليس عندهم أوبراين..
هنا الأخ الأكبر وهناك لا أخ اكبر..
***
في جزء آخر من الرواية سيسأل أوبراين ونستون إن كان يؤمن بالله فيجيبه
بالنفي، لكن ذلك لا يقنع أوبراين، فليس يكفي أن يكفر ونستون، بل يجب أن
يؤمن بالأخ الأكبر.
***
لم يبالغ جورج أورويل ..
ما كتبه في 1984 هو ما يحدث الآن في مصر..
مصر المسكينة..
مصر المبتلاة بالسفاحين والكذابين والخونة..
مصر الضحية المقيدة على طاولة التعذيب يصعقونها وستنزفونها ويبيعون لحمها..
هل لاحظتم أنني لم أتطرق لا للإخوان المسلمين ولا للدستور ولا للشرعية..
الأمر أخطر من هذا كله بكثير..
الأمر أمر شعب يستعبد وأمة تُقتل..
***
أحذركم ..إن نجح الانقلاب فسوف تكون نهايتكم كنهاية ونستون حين يتوج كفره
بالله والإنسان والعقل بإيمانه بالأخ الأكبر، بالسيسي وعنان وأحمد شفيق
والتهامي ومحمد إبراهيم:
" حدق ونستون في الوجه الضخم، لقد استغرق
الأمر منه أربعون سنة حتى فهم معنى الابتسامة التي كان يخفيها الأخ الكبير
تحت شاربيه الأسودين وقال في نفسه: أي غشاوة قاسية لم يكن لها داع تلك
التي رانت على فهمي، وعلام كان العناد والنأي من جانبي عن هذا الصدر
الحنون. وانسالت دمعتان سخيتان على جانبي أنفه. وكان لسان حاله يقول: لكن
لا بأس، لا بأس فقد انتهى النضال، وها قد انتصرت على نفسي وصرت أحب الأخ
الكبير.
إن أي شيء يمكن أن يكون صحيحاً، وليس في ما يدعى بقوانين
الطبيعة إلا هراء، وقانون الجاذبية ما هو إلا عبث. ألم يقل أوبراين "لو شئت
لجعلت أرضية هذه الغرفة تطفو كالصابون". وأدرك ونستون الموضوع على النحو
التالي: إذا كان أوبراين يظن أن بمقدوره أن يجعل أرضية الغرفة تطفو، وإذا
أنا ظننت في الوقت نفسه أنني أراه يفعل ذلك، فإن الأمر يكون قد حدث فعلاً.
***
سوف يفعل بكم الانقلاب ما فعله أوبراين بونستون :
ثم توقف أوبراين عن الكلام واتخذ هيئة المعلم حينما يسأل تلميذاً واعداً: "كيف يؤكد الانسان سلطته على انسان آخر يا ونستون؟"
وقال ونستون بعد تفكير:"بجعله يقاسي الألم".
فرد أوبراين: "أصبت فيما تقول. بتعريضه للألم، فالطاعة وحدها ليست كافية،
وما لم يعاني الانسان من الألم كيف يمكنك أن تتحقق من أنه ينصاع لإرادتك لا
لإرادته هو؟ إن السلطة هي إذلاله وإنزال الألم به، وهي أيضاً تمزيق العقول
البشرية إلى أشلاء ثم جمعها وصياغتها في قوالب جديدة من اختيارنا.
هل
تفهم أي نوع من العالم نقوم بخلقه الآن؟ إنه النقيض التام ليوتوبيا المدينة
الفاضلة التي تصورها المصلحون الأقدمون، إنه عالم الخوف والغدر والتعذيب،
عالم يدوس الناس فيه بعضهم بعضاً، عالم يزداد قسوة كلما ازداد نقاء، إذ
التقدم في عالمنا هو التقدم باتجاه مزيد من الألم. لقد زعمت الحضارات
الغابرة بأنها قامت على الحب والعدالة أما حضارتنا فهي قائمة على الكراهية،
ففي عالمنا لا مكان لعواطف غير الخوف والغضب والانتشاء بالنصر وإذلال
الذات، وأي شيء خلاف ذلك سندمره تدميراً. إننا بالفعل نعمل على تفكيك
العادات الفكرية التي ورثناها من العهد السابق للثورة، لقد فصمنا عرى
العلاقة بين الطفل ووالديه، وبين الصديق وصديقه، وبين الزوج وزوجته، ولم
يعد أحد قادراً على الثقة بزوجته أو بطفله أو بصديقه، وفي المستقبل لن يكون
هناك زوجات أو أصدقاء.(...) كما سينعدم كل ولاء ليس للحزب (اقرأها:
الانقلاب) ، وسيباد كل حب ليس للأخ الكبير. ولن يكون هناك ضحك غير الضحك
الذي يصاحب نشوة الانتصار على العدو المقهور، ولن يكون هنالك أدب أو فن أو
علم، فحينما تجتمع في أيدينا كل أسباب القوة لن تكون بنا حاجة إلى العلم.
كما ستزول الفروق بين الجمال والقبح، ولن يكون هناك حب للاستطلاع أو التمتع
بالحياة ولن يكون هناك ميل نحو مباهج الحياة التي ستدمر تدميراً......
***
تأكدوا يا قراء أن هذا ما سيفعله بكم الانقلاب..
وأختم بجملة أخيرة يوجهها أوبراين لونستون.. وأوجهها أنا لكم:
"إذا كنت تريد أن تستشرف صورة المستقبل، تخيل حذاء يدوس ويدمغ وجه
========================================
إنسان إلى أبد الآبدين".
=============
معذرة: ثمة خطأ لم أفهمه في الإرسال عند الفجر لم أفهمه حيث لم تظهر عندي، لذلك أعيد إرسالها
-----------------------------------------------------------------
أربعة..أربعة.. أربعة..أربعة..
===============
حقيقة ما يحدث الآن
===========
الجزء الرابع
===========
لم أكن في الحقيقة أنوي ضم هذا المقال إلى سلسلة "حقيقة ما يحدث الآن" لكنني في قراءتي الثانية للرواية ذهلت.. في القراءة الأولى منذ نحو نصف قرن استقرت الرواية في ذاكرتي ووجداني، لكنني لم أتخيل أبدا أن قراءتي الثانية لها منذ أيام سوف تؤثر في نفسي هذا التأثير.
لقد ذهلت..
كأن الرواية ليست رواية.. وكأنها مقال سياسي يصف ما يحدث الآن، وكأن وزارة الدكتور الببلاوي هي وزارة الحب (حيث يسمى كل شيء بعكس معناه: فإذا رفضت قلب المعنى فليس ثمة جزاء إلا الموت بعد التعذيب الشديد) وكأن الفريق السيسي هو "أوبراين" أو حتى الأخ الأكبر.
***
سوف أبتعد بقدر الإمكان عن سرد الرواية فهي موجودة لمن شاء..
سوف أقفز فجاة إلى صفحة 294 من الطبعة العربية للمركز الثقافي العربي -الدار البيضاء-المغرب- ترجمة أنور الشامي- حيث يقول أوبراين لونستون (البطل المسحوق الذي يجري تعذيبه تعذيبا خرافيا لأنه لا يفهم ولا يريد أن يفهم) .
يقول أوبراين لونستون:
- هل تذكر يا ونستون حينما كتبت في مذكراتك تقول إن الحرية هي أن تقول إن اثنين واثنين يساويان أربعة؟
فأجاب ونستون : - نعم
ورفع ونستون يده اليسرى جاعلا ظهرها إلى ونستون ومخفيا الإبهام خلف الأصابع الأربعة المرفوعة، وسأل:
- كم إصبعا ترى يا ونستون؟
- أربعا.
وإذا قال الحزب (اقرأها: الانقلاب م ع ) إنها ليست أربعة بل خمسة فكم يكون عددها حينئذ؟
- أربعا.
ولم يكد ونستون يتم هذه الكلمة حتى صرخ من شدة الألم الذي سرى في أوصاله، وأشارت الإبرة إلى خمسة وخمسين"، وأخذ العرق يتفصد من كل أنحاء جسمه وأخذ الهواء يتدفق إلى رئتيه فيخرج أنينا لم يمنعه حتى اصطكاك أسنانه. وكان أوبراين يراقبه بينما لا تزال الأصابع الأربعة مرفوعة، ثم سحب أوبراين الذراع (ذراع ألة الصعق الكهربائي) فخفت حدة الألم بعض الشيء، وسأل:
- كم إصبعا ترى يا ونستون؟
- أربع! أربعا! أربعا ! ماذا أقول غير ذلك ؟ أربعا!
(...) وتعمل الإبرة مرة أخرى..
كانت الأصابع تنتصب أمام عينيه وكأنها أعمدة ضخمة تهتز وسط جو غائم، لكنها مع ذلك كانت أربعا ولا ريب.
- كم إصبعا يا ونستون؟
-إذن خمسا! خمسا! خمسا!
- لا يا ونستون هذا لن يفيدك، إنك ما زلت تكذب لأنك تظن انها اربع. كم إصبعا ترى من فضلك؟
- أربعا! خمسا! أربعا! الرقم الذي تريده، كل ما أرجوه هو أن توقف الألم.
***
يبكي ونستون ويتوسل لإيقاف التعذيب لكن أوبراين الذي كان ونستون يظن أنه صديقه الحميم بينما كان جاسوسا وهو الذي يعذبه الآن. وينتحب ونستون متسولا بقايا من عطف أوبراين عليه، ولكن أوبراين يواصل تعذيبه معاتبا : " ولكنك بطيء التعلم يا ونستون (يذكرني أوبراين بفؤاد علام)
***
قال ونستون وهو ينتحب: "ماذا عساي أن أفعل؟ كيف يمكنني تجنب رؤية ما هو أمام عيني؟ إن اثنين واثنين يساويان أربعة".
فقال أوبراين:"أحيانا يساويان أربعة يا ونستون، وأحيانا أخرى يساويان خمسة وقد يساويان ثلاثة أيضا، وفي أحيان أخرى يساويان أربعة وخمسة وثلاثة في آن معا، يجب أن تحاول بمزيد من الجدية والجهد، فليس من السهل أن تصبح سليم العقل".
***
وتماما كما يحدث عندنا يستدعى الطبيب ليقرر هل يحتمل ونستون مزيدا من التعذيب والصعق.
نعود إلى صفحة 296 من الرواية:
***
قال أوبراين: "مرة أخرى"
وتدفق الألم في جسد ونستون من جديد، وكانت الإبرة قد بلغت السبعين أو الخامسة والسبعين، لكنه أغلق عينيه هذه المرة، إذ كان يشعر أن الأصابع لا تزال منتصبة وأنها لا تزال أربعا، فقد كان كل همه أن يظل على قيد الحياة حتى تنقشع هذه النوبة من الألم (...)
- كم إصبعا ترى يا ونستون؟
- أربعا، أظن أنها أربعا، سأحاول أن أراها خمسا إن استطعت، إنني أحاول فعلا أن أراها خمسا.
- أترغب فعلا يا ونستون أن تراها خمسا أم أنك تراها فعلا خمسا؟
- أرغب ان اراها فعلا خمسا.
فقال أوبراين: "إذن مرة أخرى" وتأتي الصعقة الكهربائية الهائلة أعلى من سابقتها.
لم يعد في مستطاع ونستون أن يتذكر سبب هذا الألم. وخيل إليه أن غابة من الأصابع تتراقص أمام عينيه المشدوهتين ويتداخل بعضها في بعض ويتوارى بعضها وراء بعض ثم يعود فيظهر، وكان يحاول أن يحصيها دون أن يدري لماذا، لكنه كان يعرف أنه من المستحيل عليه أن يحصيها، وذلك بسبب الطبيعة الغامضة التي تتلبس الخمسة والأربعة، وزال عنه الألم مرة أخرى، وما أن فتح عينيه حتى تبين له أنه ما زال يرى الشيء نفسه، أصابع لا حصر لها ولا عد، مثل أشجار متحركة يسير بعضها وراء بعض في وجهتين متداخلتين، فسارع بإغلاق عينيه مرة أخرى.
- كم إصبعا ترى يا ونستون؟
- لست أدرى، لست أدري، أخاف أن تقتلني إن صعقتني مرة أخرى، أربعا، خمسا، ستا، أقسم لك أنني لست أدري.
- هذا أفضل
***
هذا ما وعدتكم به يا قراء أمس..
أربعا.. أربعا ..أربعا..أربعا..
كانوا يسحقون ونستون كيما يرى ما يملونه عليه وما يعرفون هم بأنفسهم أنه كذب.
تماما كما يريد الانقلابيون إقناعنا بأن 33 مليون خرجو يوم 30 يونيو وأن أهل رابعة قتلوا أنفسهم وأن الدكتور محمد مرسي سرق جاموسة..
إما أن تقبل ذلك وإلا فعلوا بك ما فعلوه بونستون..
أما أوبراين ومعاونوه والأخ الأكبر فهم النخبة الفاسدة المتحكمة جميعا..
الذيول الحقيرة هي الكلاب النابحة في حديقة حيوان قناة الجزيرة الذين يحرصون على إقناعنا كل مساء على شاشة الجزيرة أن اثنين واثنين يساوي خمسة.
ولست أدري لماذا تحتفظ بهم قناة الجزيرة.
إن كنا نحن مغصوبون عليهم هنا فما يرغمهم على تجرع العفن هناك..
هنا أوبراين.. وليس عندهم أوبراين..
هنا الأخ الأكبر وهناك لا أخ اكبر..
***
في جزء آخر من الرواية سيسأل أوبراين ونستون إن كان يؤمن بالله فيجيبه بالنفي، لكن ذلك لا يقنع أوبراين، فليس يكفي أن يكفر ونستون، بل يجب أن يؤمن بالأخ الأكبر.
***
لم يبالغ جورج أورويل ..
ما كتبه في 1984 هو ما يحدث الآن في مصر..
مصر المسكينة..
مصر المبتلاة بالسفاحين والكذابين والخونة..
مصر الضحية المقيدة على طاولة التعذيب يصعقونها وستنزفونها ويبيعون لحمها..
هل لاحظتم أنني لم أتطرق لا للإخوان المسلمين ولا للدستور ولا للشرعية..
الأمر أخطر من هذا كله بكثير..
الأمر أمر شعب يستعبد وأمة تُقتل..
***
أحذركم ..إن نجح الانقلاب فسوف تكون نهايتكم كنهاية ونستون حين يتوج كفره بالله والإنسان والعقل بإيمانه بالأخ الأكبر، بالسيسي وعنان وأحمد شفيق والتهامي ومحمد إبراهيم:
" حدق ونستون في الوجه الضخم، لقد استغرق الأمر منه أربعون سنة حتى فهم معنى الابتسامة التي كان يخفيها الأخ الكبير تحت شاربيه الأسودين وقال في نفسه: أي غشاوة قاسية لم يكن لها داع تلك التي رانت على فهمي، وعلام كان العناد والنأي من جانبي عن هذا الصدر الحنون. وانسالت دمعتان سخيتان على جانبي أنفه. وكان لسان حاله يقول: لكن لا بأس، لا بأس فقد انتهى النضال، وها قد انتصرت على نفسي وصرت أحب الأخ الكبير.
إن أي شيء يمكن أن يكون صحيحاً، وليس في ما يدعى بقوانين الطبيعة إلا هراء، وقانون الجاذبية ما هو إلا عبث. ألم يقل أوبراين "لو شئت لجعلت أرضية هذه الغرفة تطفو كالصابون". وأدرك ونستون الموضوع على النحو التالي: إذا كان أوبراين يظن أن بمقدوره أن يجعل أرضية الغرفة تطفو، وإذا أنا ظننت في الوقت نفسه أنني أراه يفعل ذلك، فإن الأمر يكون قد حدث فعلاً.
***
سوف يفعل بكم الانقلاب ما فعله أوبراين بونستون :
ثم توقف أوبراين عن الكلام واتخذ هيئة المعلم حينما يسأل تلميذاً واعداً: "كيف يؤكد الانسان سلطته على انسان آخر يا ونستون؟"
وقال ونستون بعد تفكير:"بجعله يقاسي الألم".
فرد أوبراين: "أصبت فيما تقول. بتعريضه للألم، فالطاعة وحدها ليست كافية، وما لم يعاني الانسان من الألم كيف يمكنك أن تتحقق من أنه ينصاع لإرادتك لا لإرادته هو؟ إن السلطة هي إذلاله وإنزال الألم به، وهي أيضاً تمزيق العقول البشرية إلى أشلاء ثم جمعها وصياغتها في قوالب جديدة من اختيارنا.
هل تفهم أي نوع من العالم نقوم بخلقه الآن؟ إنه النقيض التام ليوتوبيا المدينة الفاضلة التي تصورها المصلحون الأقدمون، إنه عالم الخوف والغدر والتعذيب، عالم يدوس الناس فيه بعضهم بعضاً، عالم يزداد قسوة كلما ازداد نقاء، إذ التقدم في عالمنا هو التقدم باتجاه مزيد من الألم. لقد زعمت الحضارات الغابرة بأنها قامت على الحب والعدالة أما حضارتنا فهي قائمة على الكراهية، ففي عالمنا لا مكان لعواطف غير الخوف والغضب والانتشاء بالنصر وإذلال الذات، وأي شيء خلاف ذلك سندمره تدميراً. إننا بالفعل نعمل على تفكيك العادات الفكرية التي ورثناها من العهد السابق للثورة، لقد فصمنا عرى العلاقة بين الطفل ووالديه، وبين الصديق وصديقه، وبين الزوج وزوجته، ولم يعد أحد قادراً على الثقة بزوجته أو بطفله أو بصديقه، وفي المستقبل لن يكون هناك زوجات أو أصدقاء.(...) كما سينعدم كل ولاء ليس للحزب (اقرأها: الانقلاب) ، وسيباد كل حب ليس للأخ الكبير. ولن يكون هناك ضحك غير الضحك الذي يصاحب نشوة الانتصار على العدو المقهور، ولن يكون هنالك أدب أو فن أو علم، فحينما تجتمع في أيدينا كل أسباب القوة لن تكون بنا حاجة إلى العلم. كما ستزول الفروق بين الجمال والقبح، ولن يكون هناك حب للاستطلاع أو التمتع بالحياة ولن يكون هناك ميل نحو مباهج الحياة التي ستدمر تدميراً......
***
تأكدوا يا قراء أن هذا ما سيفعله بكم الانقلاب..
وأختم بجملة أخيرة يوجهها أوبراين لونستون.. وأوجهها أنا لكم:
"إذا كنت تريد أن تستشرف صورة المستقبل، تخيل حذاء يدوس ويدمغ وجه
-----------------------------------------------------------------
أربعة..أربعة.. أربعة..أربعة..
===============
حقيقة ما يحدث الآن
===========
الجزء الرابع
===========
لم أكن في الحقيقة أنوي ضم هذا المقال إلى سلسلة "حقيقة ما يحدث الآن" لكنني في قراءتي الثانية للرواية ذهلت.. في القراءة الأولى منذ نحو نصف قرن استقرت الرواية في ذاكرتي ووجداني، لكنني لم أتخيل أبدا أن قراءتي الثانية لها منذ أيام سوف تؤثر في نفسي هذا التأثير.
لقد ذهلت..
كأن الرواية ليست رواية.. وكأنها مقال سياسي يصف ما يحدث الآن، وكأن وزارة الدكتور الببلاوي هي وزارة الحب (حيث يسمى كل شيء بعكس معناه: فإذا رفضت قلب المعنى فليس ثمة جزاء إلا الموت بعد التعذيب الشديد) وكأن الفريق السيسي هو "أوبراين" أو حتى الأخ الأكبر.
***
سوف أبتعد بقدر الإمكان عن سرد الرواية فهي موجودة لمن شاء..
سوف أقفز فجاة إلى صفحة 294 من الطبعة العربية للمركز الثقافي العربي -الدار البيضاء-المغرب- ترجمة أنور الشامي- حيث يقول أوبراين لونستون (البطل المسحوق الذي يجري تعذيبه تعذيبا خرافيا لأنه لا يفهم ولا يريد أن يفهم) .
يقول أوبراين لونستون:
- هل تذكر يا ونستون حينما كتبت في مذكراتك تقول إن الحرية هي أن تقول إن اثنين واثنين يساويان أربعة؟
فأجاب ونستون : - نعم
ورفع ونستون يده اليسرى جاعلا ظهرها إلى ونستون ومخفيا الإبهام خلف الأصابع الأربعة المرفوعة، وسأل:
- كم إصبعا ترى يا ونستون؟
- أربعا.
وإذا قال الحزب (اقرأها: الانقلاب م ع ) إنها ليست أربعة بل خمسة فكم يكون عددها حينئذ؟
- أربعا.
ولم يكد ونستون يتم هذه الكلمة حتى صرخ من شدة الألم الذي سرى في أوصاله، وأشارت الإبرة إلى خمسة وخمسين"، وأخذ العرق يتفصد من كل أنحاء جسمه وأخذ الهواء يتدفق إلى رئتيه فيخرج أنينا لم يمنعه حتى اصطكاك أسنانه. وكان أوبراين يراقبه بينما لا تزال الأصابع الأربعة مرفوعة، ثم سحب أوبراين الذراع (ذراع ألة الصعق الكهربائي) فخفت حدة الألم بعض الشيء، وسأل:
- كم إصبعا ترى يا ونستون؟
- أربع! أربعا! أربعا ! ماذا أقول غير ذلك ؟ أربعا!
(...) وتعمل الإبرة مرة أخرى..
كانت الأصابع تنتصب أمام عينيه وكأنها أعمدة ضخمة تهتز وسط جو غائم، لكنها مع ذلك كانت أربعا ولا ريب.
- كم إصبعا يا ونستون؟
-إذن خمسا! خمسا! خمسا!
- لا يا ونستون هذا لن يفيدك، إنك ما زلت تكذب لأنك تظن انها اربع. كم إصبعا ترى من فضلك؟
- أربعا! خمسا! أربعا! الرقم الذي تريده، كل ما أرجوه هو أن توقف الألم.
***
يبكي ونستون ويتوسل لإيقاف التعذيب لكن أوبراين الذي كان ونستون يظن أنه صديقه الحميم بينما كان جاسوسا وهو الذي يعذبه الآن. وينتحب ونستون متسولا بقايا من عطف أوبراين عليه، ولكن أوبراين يواصل تعذيبه معاتبا : " ولكنك بطيء التعلم يا ونستون (يذكرني أوبراين بفؤاد علام)
***
قال ونستون وهو ينتحب: "ماذا عساي أن أفعل؟ كيف يمكنني تجنب رؤية ما هو أمام عيني؟ إن اثنين واثنين يساويان أربعة".
فقال أوبراين:"أحيانا يساويان أربعة يا ونستون، وأحيانا أخرى يساويان خمسة وقد يساويان ثلاثة أيضا، وفي أحيان أخرى يساويان أربعة وخمسة وثلاثة في آن معا، يجب أن تحاول بمزيد من الجدية والجهد، فليس من السهل أن تصبح سليم العقل".
***
وتماما كما يحدث عندنا يستدعى الطبيب ليقرر هل يحتمل ونستون مزيدا من التعذيب والصعق.
نعود إلى صفحة 296 من الرواية:
***
قال أوبراين: "مرة أخرى"
وتدفق الألم في جسد ونستون من جديد، وكانت الإبرة قد بلغت السبعين أو الخامسة والسبعين، لكنه أغلق عينيه هذه المرة، إذ كان يشعر أن الأصابع لا تزال منتصبة وأنها لا تزال أربعا، فقد كان كل همه أن يظل على قيد الحياة حتى تنقشع هذه النوبة من الألم (...)
- كم إصبعا ترى يا ونستون؟
- أربعا، أظن أنها أربعا، سأحاول أن أراها خمسا إن استطعت، إنني أحاول فعلا أن أراها خمسا.
- أترغب فعلا يا ونستون أن تراها خمسا أم أنك تراها فعلا خمسا؟
- أرغب ان اراها فعلا خمسا.
فقال أوبراين: "إذن مرة أخرى" وتأتي الصعقة الكهربائية الهائلة أعلى من سابقتها.
لم يعد في مستطاع ونستون أن يتذكر سبب هذا الألم. وخيل إليه أن غابة من الأصابع تتراقص أمام عينيه المشدوهتين ويتداخل بعضها في بعض ويتوارى بعضها وراء بعض ثم يعود فيظهر، وكان يحاول أن يحصيها دون أن يدري لماذا، لكنه كان يعرف أنه من المستحيل عليه أن يحصيها، وذلك بسبب الطبيعة الغامضة التي تتلبس الخمسة والأربعة، وزال عنه الألم مرة أخرى، وما أن فتح عينيه حتى تبين له أنه ما زال يرى الشيء نفسه، أصابع لا حصر لها ولا عد، مثل أشجار متحركة يسير بعضها وراء بعض في وجهتين متداخلتين، فسارع بإغلاق عينيه مرة أخرى.
- كم إصبعا ترى يا ونستون؟
- لست أدرى، لست أدري، أخاف أن تقتلني إن صعقتني مرة أخرى، أربعا، خمسا، ستا، أقسم لك أنني لست أدري.
- هذا أفضل
***
هذا ما وعدتكم به يا قراء أمس..
أربعا.. أربعا ..أربعا..أربعا..
كانوا يسحقون ونستون كيما يرى ما يملونه عليه وما يعرفون هم بأنفسهم أنه كذب.
تماما كما يريد الانقلابيون إقناعنا بأن 33 مليون خرجو يوم 30 يونيو وأن أهل رابعة قتلوا أنفسهم وأن الدكتور محمد مرسي سرق جاموسة..
إما أن تقبل ذلك وإلا فعلوا بك ما فعلوه بونستون..
أما أوبراين ومعاونوه والأخ الأكبر فهم النخبة الفاسدة المتحكمة جميعا..
الذيول الحقيرة هي الكلاب النابحة في حديقة حيوان قناة الجزيرة الذين يحرصون على إقناعنا كل مساء على شاشة الجزيرة أن اثنين واثنين يساوي خمسة.
ولست أدري لماذا تحتفظ بهم قناة الجزيرة.
إن كنا نحن مغصوبون عليهم هنا فما يرغمهم على تجرع العفن هناك..
هنا أوبراين.. وليس عندهم أوبراين..
هنا الأخ الأكبر وهناك لا أخ اكبر..
***
في جزء آخر من الرواية سيسأل أوبراين ونستون إن كان يؤمن بالله فيجيبه بالنفي، لكن ذلك لا يقنع أوبراين، فليس يكفي أن يكفر ونستون، بل يجب أن يؤمن بالأخ الأكبر.
***
لم يبالغ جورج أورويل ..
ما كتبه في 1984 هو ما يحدث الآن في مصر..
مصر المسكينة..
مصر المبتلاة بالسفاحين والكذابين والخونة..
مصر الضحية المقيدة على طاولة التعذيب يصعقونها وستنزفونها ويبيعون لحمها..
هل لاحظتم أنني لم أتطرق لا للإخوان المسلمين ولا للدستور ولا للشرعية..
الأمر أخطر من هذا كله بكثير..
الأمر أمر شعب يستعبد وأمة تُقتل..
***
أحذركم ..إن نجح الانقلاب فسوف تكون نهايتكم كنهاية ونستون حين يتوج كفره بالله والإنسان والعقل بإيمانه بالأخ الأكبر، بالسيسي وعنان وأحمد شفيق والتهامي ومحمد إبراهيم:
" حدق ونستون في الوجه الضخم، لقد استغرق الأمر منه أربعون سنة حتى فهم معنى الابتسامة التي كان يخفيها الأخ الكبير تحت شاربيه الأسودين وقال في نفسه: أي غشاوة قاسية لم يكن لها داع تلك التي رانت على فهمي، وعلام كان العناد والنأي من جانبي عن هذا الصدر الحنون. وانسالت دمعتان سخيتان على جانبي أنفه. وكان لسان حاله يقول: لكن لا بأس، لا بأس فقد انتهى النضال، وها قد انتصرت على نفسي وصرت أحب الأخ الكبير.
إن أي شيء يمكن أن يكون صحيحاً، وليس في ما يدعى بقوانين الطبيعة إلا هراء، وقانون الجاذبية ما هو إلا عبث. ألم يقل أوبراين "لو شئت لجعلت أرضية هذه الغرفة تطفو كالصابون". وأدرك ونستون الموضوع على النحو التالي: إذا كان أوبراين يظن أن بمقدوره أن يجعل أرضية الغرفة تطفو، وإذا أنا ظننت في الوقت نفسه أنني أراه يفعل ذلك، فإن الأمر يكون قد حدث فعلاً.
***
سوف يفعل بكم الانقلاب ما فعله أوبراين بونستون :
ثم توقف أوبراين عن الكلام واتخذ هيئة المعلم حينما يسأل تلميذاً واعداً: "كيف يؤكد الانسان سلطته على انسان آخر يا ونستون؟"
وقال ونستون بعد تفكير:"بجعله يقاسي الألم".
فرد أوبراين: "أصبت فيما تقول. بتعريضه للألم، فالطاعة وحدها ليست كافية، وما لم يعاني الانسان من الألم كيف يمكنك أن تتحقق من أنه ينصاع لإرادتك لا لإرادته هو؟ إن السلطة هي إذلاله وإنزال الألم به، وهي أيضاً تمزيق العقول البشرية إلى أشلاء ثم جمعها وصياغتها في قوالب جديدة من اختيارنا.
هل تفهم أي نوع من العالم نقوم بخلقه الآن؟ إنه النقيض التام ليوتوبيا المدينة الفاضلة التي تصورها المصلحون الأقدمون، إنه عالم الخوف والغدر والتعذيب، عالم يدوس الناس فيه بعضهم بعضاً، عالم يزداد قسوة كلما ازداد نقاء، إذ التقدم في عالمنا هو التقدم باتجاه مزيد من الألم. لقد زعمت الحضارات الغابرة بأنها قامت على الحب والعدالة أما حضارتنا فهي قائمة على الكراهية، ففي عالمنا لا مكان لعواطف غير الخوف والغضب والانتشاء بالنصر وإذلال الذات، وأي شيء خلاف ذلك سندمره تدميراً. إننا بالفعل نعمل على تفكيك العادات الفكرية التي ورثناها من العهد السابق للثورة، لقد فصمنا عرى العلاقة بين الطفل ووالديه، وبين الصديق وصديقه، وبين الزوج وزوجته، ولم يعد أحد قادراً على الثقة بزوجته أو بطفله أو بصديقه، وفي المستقبل لن يكون هناك زوجات أو أصدقاء.(...) كما سينعدم كل ولاء ليس للحزب (اقرأها: الانقلاب) ، وسيباد كل حب ليس للأخ الكبير. ولن يكون هناك ضحك غير الضحك الذي يصاحب نشوة الانتصار على العدو المقهور، ولن يكون هنالك أدب أو فن أو علم، فحينما تجتمع في أيدينا كل أسباب القوة لن تكون بنا حاجة إلى العلم. كما ستزول الفروق بين الجمال والقبح، ولن يكون هناك حب للاستطلاع أو التمتع بالحياة ولن يكون هناك ميل نحو مباهج الحياة التي ستدمر تدميراً......
***
تأكدوا يا قراء أن هذا ما سيفعله بكم الانقلاب..
وأختم بجملة أخيرة يوجهها أوبراين لونستون.. وأوجهها أنا لكم:
"إذا كنت تريد أن تستشرف صورة المستقبل، تخيل حذاء يدوس ويدمغ وجه
========================================
إنسان إلى أبد الآبدين".
=============
=============
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق