الأحد، 27 أغسطس 2017

ضاع الدفء ضاع.. السيسي يغنّي بقلم: وائل قنديل

ضاع الدفء ضاع.. السيسي يغنّي
 
بقلم: وائل قنديل
 
هل صحيح أن إدارة دونالد ترامب تذكرت، بشكل مفاجئ، مأساة حقوق الإنسان في مصر، فقرّرت مراجعة علاقتها مع نظام عبد الفتاح السيسي الذي ضحّى ترامب بحضور افتتاح موسم البيسبول من أجله؟
 
من السذاجة الاعتقاد بأن ملف حقوق الإنسان، وحده، أثار انزعاج واشنطن من القاهرة، فدفعها إلى اتخاذ إجراءات تأديبية بحق السيسي، تمثلت في تجميد مساعدات مالية، مدنية وعسكرية، بلغت ما يقرب من 300 مليون دولار، فالثابت أن ترامب كان يكافئ السيسي على فاشيته المتوحشة ضد المنتمين إلى الإسلام السياسي في مصر، بشكل خاص، ومعارضي ارتمائه الأهوج في أحضان اليمين الصهيوني المتطرّف، بشكل عام.
من هنا، لا يمكن الاستسلام لفرضية صحوة الضمير الحقوقي، الأميركي، فجأة، سببًا وحيدًا، أو أساسيًا، لما يعتبره "اليمين السيسي المتطرف" انقلاب ترامب على حليفه، وحبيبه، وصاحب الكيمياء الآثرة، والمثل الأعلى له، على حد وصف مجاذيب الجنرال في القاهرة، والذين اعتبروا عبارة (I like your shoes) دليلاً على احترام وتقدير غير عاديين من الرئيس الأميركي للجنرال المصري، في حين أن بحثاً سريعاً عن مدلول هذه العبارة في الثقافة الأميركية، والأوروبية الدارجة، سوف يجعل أنصار السيسي يتوارون خجلاً من معناها.
 
صحيح أن الإدارة الأميركية تغلف قرارها حجب المعونات عن السيسي بورقٍ حقوقي لامع وأنيق، إلا أن جوهر المسألة هو ما اعتبرته واشنطن نوعاً من"اللعب بالذيل" في الخفاء مع كوريا الشمالية، بحسب ما ذهبت إليه صحيفة نيويورك تايمز، وأحد مراكز الأبحاث الأميركية المعروفة.
 
ما يلفت النظر هنا هي لوثة استعادة الأناشيد الناصرية الزاعقة عن الكرامة الوطنية، والتصدّي للهيمنة الأميركية، والتمرّد على التبعية، تلك الأناشيد التي واراها السيسي وإعلامه الثرى، حين استقبله ترامب في أبريل/ نيسان الماضي، في موقفٍ عبرت عنه صورة السيسي واقفاً، مع موظفي البيت الأبيض، خلف ترامب الجالس، وعبّر عنه أيضاً تصريحٌ للسيسي خاطب فيه الرئيس الأميركي، قائلاً له ستجدني معك وخلفك دائماً في مشروعك الأثير، الحرب على الإرهاب.
 
مبكراً، قلت إن الموقف الأميركي من انقلاب الجنرالات في مصر لم يختلف من إدارة أوباما، إلى إدارة ترامب، فهذا الانقلاب ما كان له أن يقع بدون الضوء الأخضر الأميركي، غير أن معسكر السيسي اخترع كذبة، وظلّ يرددها، حتى صدّقها، وهي أن أوباما وهيلاري كلينتون متعاطفان مع الإخوان المسلمين، ورافضان حكم السيسي.
 
هذه الهلاوس صنعها أتباع السيسي بأنفسهم، واستخدموها في الكذب على الجميع، وعلى أنفسهم، بعد أن حشروا فصولاً كاملة على لسان هيلاري كلينتون، في كتاب صدر لها في العام 2014 بعنوان"خيارات صعبة"، وضعوا فيه كل الأكاذيب الممكنة، وغير الممكنة، عن انحيازها للإخوان، ودفاعها عن الرئيس محمد مرسي.
 
وضع السيسيون الجدد على لسان كلينتون أنها وعدت الرئيس محمد مرسي بإعلان دولة الخلافة في الخامس من يوليو/ تموز 2013. وعلى سبيل المثال، لفق لها كتاب وسياسيون مصريون معروفون نصاً يقول "كان كل شيء على ما يرام. وفجأة قامت ثورة 30 يونيو، فتغير كل شىء، كنا على اتفاق مع "الإخوان" على ضم حلايب وشلاتين للسودان، وفتح الحدود مع ليبيا من جهة السلوم، وإعلان الدولة الإسلامية فى سيناء يوم 5 يوليو/ تموز 2013، وكنا ننتظر الإعلان رسميا كى نعترف بها نحن ودول الاتحاد الأوروبى، وفجأة تحطم كل شيء أمام أعيننا من دون سابق إنذار". وبالطبع لا وجود لهذه الخزعبلات في كتاب هيلاري كلينتون، لكنها ثابتة ومستقرة في أذهان جيش الكذّابين المحيطين بالسيسي، ممن ناضلوا، ولا يزالون، لتثبيتها في وعي الجماهير، في إطار معركة "الكذب المقدّس" التي يخوضونها، حتى الآن، بكل وحشية.
 
السؤال الآن: ماذا بعد هذه الصفعة، أو قرصة الأذن المباغتة من واشنطن للسيسي؟
 
خارجيًا، سيركض السيسي مندفعاً، نحو الحضن الإسرائيلي، أكثر من قبل، بحثاً عن الدفء، عوضاً عن الدفء الأميركي، المجمد مؤقتاً.. وداخلياً، وهذا هو الأخطر، سيتوحش ويتوغد، أكثر وأكثر، ويفاقم أعمال القمع والبطش، على إيقاعات "أعمال إرهابية" يجيد استدعاءها، تبعاً لما أسميته "نظرية داعش في منهج الرياضيات السيسية البحتة"، والتي تقول: كلما انخفضت المساعدات والمنح، ارتفعت وتيرة "حرب الإرهاب" في سيناء وليبيا، وزادت أعمال القمع في بر مصر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق