الأربعاء، 23 أغسطس 2017

كيف تصنع مخبرًا للنظام؟ بقلم محمد منير


كيف تصنع مخبرًا للنظام

خالد صلاح من قاع الجماعة الإسلامية إلى قمة الأمن والإعلام الفاسد
بقلم: محمد منير

المتحولون فى مصر، سيرتهم لا تأتي ضمن سيرة الأكلة على كل الموائد، كما هو الانطباع الأولي عن الكلمة، وإنما التحول هو أداة وأسلوب يعكسان مدى انتهازية وحقارة منتهجه، وتكشف عن العطب النفسي الذي أصاب صاحبه.
المتحولون فى مصر كثرٌ، وأبرز تجمعاتهم تكون في الإعلام، وخاصة في الصحافة، ومتحولنا اليوم هو خالد صلاح المشهور بـ"أبولمونة"، ويشاع إنه الاسم الحركي الذي أطلقته عليه مباحث أمن دولة مبارك للتعامل معه كعميل محترف.
لن نقف كثيراً عن السيرة الذاتية للأسرة التى نشأ فيها المتحول خالد صلاح لسببين، الأول أننا لسنا بصدد التعرض للحياة الشخصية للأفراد إلا فيما يتعلق بالموضوع، السبب الثانى أن متحولنا هذا نشأ فى أسرة متوسطة عادية من أب وأم موظفين فى إحدى شركات التموين، لا ملاحظات جوهرية عليهما، وفى وسط أشقاء طبيعيين وفي حي شعبي، وهذه كلها ظروف طبيعية تتشابه مع ظروف نشأة الغالبية من أبناء الطبقة الوسطى المصرية. المتغير هو أن متحولنا نشأ ضمن جيل ترعرع في ظل المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي أحاطت بالمجتمع المصري عقب معاهدة الصلح مع إسرائيل، وتطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادى، وما تبعهما من ارتباكات بين المصريين ومتغيرات في طبيعة شخصياتهم، هذه الأحوال عكست تأثيرها على نفوس الشباب، ولكن ليس بشكل متطابق وإنما استقبلها كل شاب بطريقة مختلفة عن الآخر فى كيمياء متباينة لا تجد طريقها للتفسير بسهولة!!
متحولنا كان ضمن الفريق الذي يبحث عن الصعود السريع والقوة والحماية، رغم ضعفه النفسي وجبنه الشديد، والذى ربما كان نتيجة لبعض عوامل التربية والنشأة.
وجد متحولنا ضآلته فى الجماعات الإسلامية التي ذاع صيتها بشكل كبير فى السبعينيات، وظهرت بمظهر القوة والسيطرة والهيمنة والسلطة بشكل منافس للدولة، وسيطرت على بعض الأحياء السكنية، ومنها الحي الذى نشأ فيه خالد صلاح، وهو حي إمبابة، وكان متحولنا يحمل طموحات بالصعود تفوق بمراحل القيم الأخلاقية والمبادئ التي لم يحصل عليها بفعل الظروف المجتمعية المحيطة، وافتقاد أسرته لرفاهية توفير التربية السليمة لأبنائها فى ظل السعي المرهق لتوفير لقمة العيش، وهذا فى ذاته أضاف عقدة نفسية جديدة لمتحولنا.
انضم متحولنا للجماعة الإسلامية فى منطقته، وانخرط هو وخاله فى تشكيل واحد داخل الجماعة، وحصل على السلطة والقوة في منطقته، بالإضافة إلى المال، فالجماعة كانت ثرية، ولا تبخل على أعضائها، وشارك متحولنا فى العديد من حوادث العنف والسيطرة داخل منطقته تحت راية تطبيق الشريعة الإسلامية، وهو ما وضع ذاته فى زاوية استقرار نسبي مؤقت، إلا أن الرياح تأتي دائما بما يوجب التغيير، فاشتدت القبضة الأمنية على الجماعة الإسلامية، لتصمد قلة من المؤمنين حقا بما يعتنقونه من أفكار في مقابل ارتباك فئة كبيرة من أصحاب المصالح النفسية والشخصية والمادية فى الانتماء للجماعة، بعد أن هددت القبضة الأمنية مصالحهم، وأصبحت الجماعة تشكل مخاطر على مصالحهم، فبدأوا يبحثون عن طريق للخروج الآمن، ومنهم صاحبنا المتحول خالد صالح الذي لم يكتفِ فقط بالبحث عن طريق للخروج الآمن، وإنما كانت عينه على كيان آخر يعمل فى خدمته يوفر له السلطة والأمن والمال والصعود، فكان الأمن هو الكيان الأمثل، ولكي يصل متحولنا إلى هدفه، ويحصل على ثقة الأمن، لينقله من جماعة معارضة تنتهج العنف إلى زمرة العملاء، بل والعملاء المميزين، وكان عليه أن يقدم قربانًا كبيرًا، وكان القربان خاله وزميله فى التنظيم، فأوشى به وقدم فى مواجهته شهادات وأدلة ساقته إلى حبل المشنقة، وهو ما أصاب والدته بمرض عضال أنهى حياتها بعد فترة مرض لم تقم منه.
وبدأت المرحلة الثانية فى حياة خالد صلاح، وبها جزء خفي لا يعلم مستواه سوى رجال أمن الدولة والأجهزة الأمنية المختلفة، وهو الجزء الخاص بمستوى القرابين التي قدمها المتحول الجديد ليستحوذ على موقعه الجديد في مجتمع السلطة، ولينتقل من جماعات المعارضة المتشددة إلى عالم أضواء السلطة والأمن والفساد, وتشير الدلائل إلى أنه قدم قرابين ثمينة، حيث استقبله مجتمع الأمن والفساد ورجال الأعمال استقبال الفتى الواعد لما رأوه فيه من إمكانيات غير مسبوقة ومهارات في الفساد والضمير المقتول كانت مدفونة في مجتمع التطرف، وبدأ إعداد الوافد الجديد.
تم زرع المتحول الواعد في جريدة العربي الناصري المعارضة، ضمن خطة تدريبية معدة بخبرة أمنية رفيعة المستوى، ليتعرف على لغة المجتمع السياسي ويكتسب مهارات متعددة، وكأنه كورس لجاسوس نابه يتم تدريبه على مهارات متعددة تصب فى النهاية فى إنتاج جاسوس محترف، وفي هذه الفترة التى يمكن أن نسميها مرحلة ما قبل 2011 فى حياة المتحول خالد صلاح، حيث لم يستمر كثيرا فى جريدة العربي، وتم تعريفه بواسطة ضباط أمن على البعض من أصحاب رؤوس الأموال التي تقف وراء إصدارات صحفية تحت إشراف الأمن، وتولى رئاسة تحرير واحدة من هذه الإصد
ارات، وكانت بمثابة مكتب ارتكازي لجذب العناصر الشابة الراغبة فى العمل الإعلامي، ووضعهم تحت اختبارات لاختيار الملائم منهم لتكوين تيار أمني في المجتمع الإعلامى، وفي هذا المكان تعرف المتحول "صلاح" على رفاق مسيرة الأمن الإعلامي الذين يرافقونه حتى الآن، والمؤكد أن مهمة المتحول الأمني الواعد لم تكن مهمة مخبر تقليدي، فهم كثر، وإنما كان المنوط به أن ينشئ تياراً أمنياً مهمته إفساد المجتمع الإعلامي في مصر، والسيطرة عليه بما يتيح التحكم في الرأى العام، وتزييف الوعى السياسي بما يتلائم مع طبيعة الوافد الجديد والمستهدف القضاء على مصر كرائدة لدول الاستقلال الوطني في المنطقة على نحو ما سنرى.
ولهذا كانت المراكز التي أنشأها المتحول خالد صلاح حريصة كل الحرص على تشويه القيم المهنية والاستهزاء بالقواعد المهنية، بل تشويه الشخصيات التي يتم التعامل معها، وضرب كل ما يتعلق بالقواعد والمعايير المهنية، وإهانة الكفاءات والصعود بالغث على حساب الثمين، وإن كانت هذه الخطة قد تمت بحرص وبطء شديدين حتى وصلت للذروة فى تجربة "اليوم السابع" خاصة بعد عام 2013، ومن أجل كل هذا أيضا لا نستطيع أن نستبعد بعض التوقعات التى رأت أن حركة وأهداف المتحول الجديد لا تقف تحت مظلة جهات أمنية محلية فقط، وإنما تجاوزتها إلى جهات أمنية دولية، وهو أيضاً ما ظهرت دلالاته بعد 2013 من ظهور شخصيات سياسية معروف علاقاتها بالصهيونية فى دائرة المتحول وتجربته "اليوم السابع".
ما علينا.. أصبح لزاما أن يستقر المتحول الجديد في وضع وظيفي مستقر يساعد فى الأساس على رسم تاريخ مهنة، وسياسي يمحو تاريخه القديم مع الجماعات الإسلامية، فتم تعيينه فى جريدة الأهرام العربى فى ظروف مريبة، لعدة أسباب، كان أولها أنه من الصعوبة التعيين فى الأهرام بدون وساطة أو علاقات رفيعة، كما أنه كان من المستحيل تعيين أصحاب السوابق السياسية، خاصة لو كانت تتعلق بالجماعات الإسلامية، وكان المبرر الوحيد لالتحاق خالد صلاح بجريدة الأهرام هو التدخل الأمني الذى اعتبره أحد رجالهم المجديِّن.
وظل المتحول خالد صلاح فى شبكته الأمنية يتم إعداده لدور مهم فى الإعلام، وبدأت مرحلة توثيق علاقاته برجال الأعمال وثيقى الصلة بصناع القرار السياسي، وعرف متحولنا عالم المال الفاسد والسلطة، وأصبح همزة وصل بينه وبين عالم الإعلام، وظهرت ثمار هذا الدور في عام 2006، وتحديدا بعد حادث غرق العبارة السلام 98، وهو الحادث المأسوي الذي نتج عنه غرق 1032 مصريا نتيجة الإهمال والفساد، وهو ما أكدته التحقيقات وملابسات الحادث، وكانت العبارة مملوكة لرجل الأعمال ممدوح إسماعيل وثيق الصلة بدوائر الحكم، واستطاع الهروب هو وأنجاله وسط غضب شديد فى الشارع المصري وهجوم إعلامي مكثف، وهنا ظهر دور المتحول خالد صلاح لتوضع تحت يده ميزانية مفتوحة بهدف رشوة القيادات الإعلامية، وخاصة في الصحافة، ورشوة عدد من الصحفيين لتخفيف الهجوم عن ممدوح إسماعيل وتضليل الرأى العام، وبدأ المتحول جولاته حاملا الأموال الملوثة بدماء الضحايا، وللأسف نجح بنسبة كبيرة، فقد كان الطريق ممهدًا أمامه بسبب الانهيار الذى أصاب المجتمع الصحفي، وفقاً لخطة ممنهجة.
ومنذ هذه اللحظة أصبح لمتحولنا مكانة مميزة وسط كمباوند الإعلام الفاسد في مصر، ومن هنا أصبح هو الرجل المناسب تماما ليرأس أول مؤسسة خاصة مملوكة لأخطر مسئول مخابراتي إعلامي فى تاريخ مصر، بعد أن أصبح دور الصحف الخاصة مهمًا جدًا فى تمكين رجال الأعمال الفاسدين من مفاصل الحكم في مصر، وكانت "اليوم السابع" في عام 2007، والتى كان مرسومًا لها دور مهم ارتبط بملابسات الإعلان عنها.
ظهرت "اليوم السابع" كمؤسسة صحفية تسعى لترسيخ قيم المهنية الحديثة والنهوض بمستوى الصحفي المادي، ولهذا بدأت بالتعاقد مع صحفيين محترفين من كل الاتجاهات بمرتبات مجزية، بالإضافة إلى فتح الباب على مصراعيه أمام الشباب الذى يحلم بالالتحاق بمهنة الصحافة، ولم تكن أهداف المشروع ولا نواياه معروفة بوضوح لأحد، وبالطبع جذبت "اليوم السابع" الصحفيين من كل فج عميق ،وخاصة فى ظل تدهور سوق العمل.
وبدأ الدور الجديد للمتحول خالد صلاح فى ترسيخ قيم جديدة متدهورة للإجهاز على القيم الراسخة والثابته، والتى كان شعارها "الصحافة ضمير الأمة" ويحولها إلى "الصحافة في خدمة ولي النعم"، وكان لزامًا تطبيق معايير تخالف المنطق الطبيعي، فبدأ متحولنا بالصعود بالغثاء وأصحاب السمعة السيئة، وتمكينهم من الهيمنة على الصحفيين، وخاصة الشباب منهم، لكسر أى قيم وطنية مهنية تحت ضغط الحاجة للنقود والعمل، ومكافأة من يستجيب بسخاء، وظل متحولنا يلعب على كل الاتجهات ما بين رخي وجذب، إلا أن الشاهد هو الانقضاض على أي قيم محترمة وتهميش أي رموز مهنية محترمة.
وقبل أن ننتقل لأمثلة تؤكد هذا الوضع، نعود خطوات حول مالك المؤسسة الجديدة، أشيع فى ذلك الوقت أن مالك الجريدة هو ممدوح إسماعيل استنادا إلى علاقته القديمة بالمتحول خالد صلاح وتابعيه الأزليين الدندراوى الهوار
ى وعبد الفتاح عبد المنعم، وهما أصحاب رحلة صعود مختلفة، لنا فيها حديث آخر، وساهم خالد صلاح فى نشر هذا الشائعة حول ملكية ممدوح اسماعيل لـ "اليوم السابع" حتى يبعد النظر عن المالك الحقيقي، وهو أشرف صفوت الشريف ابن صفوت الشريف أشهر ضابط مخابرات فى الدولة المصرية عبر 3 عقود، والمتحكم الأول في مفاصل الإعلام المصري، وكان "أشرف" واجهة يدير من خلالها صفوت الشريف أو "الظابط موافى" وهو اسمه الحركي فى المخابرات المؤسسة الجديدة التي تضمن له الاستمرار فى دائرة السيطرة على المجتمع الصحفي من خلالها، وبما يتلاءم مع المتغيرات التقنية الجديدة في عالم الصحافة والإعلام.
في هذه الفترة كما ذكرت، كان متحولنا يسعى بكل قوته لفرض مناخ إعلامى جديد وقيم مناقضة للقيم المهنية المتعارف عليها، وأدار ذلك بحرفية شديدة اكتسبها من الدورات التي حصل عليها في أجهزة المخابرات المختلفة، ومنها أجهزة أجنبية، وكان متحولنا الوسيط فى ترشيح شباب صحفيين لدورات تدريبية فى أجهزة أمنية أو مؤسسات فى الخارج لها علاقات مشبوهة، وخاصة بالصهيونية، كما أصبحت "اليوم السابع" المؤسسة الرئيسية لأجهزة الأمن، وهو ما يفسر أن جزءًا غير قليل من الصحفيين تم تعسينهم بواسطة الأمن، كما حرص المتحول خالد صلاح على ضرب أبسط القيم المهنية التى كانت تشكل مظلة حماية للصحفيين، يذكر أنه استدعى ومحررًا شابًا للتحقيق معهما أمام النائب العام، وطلبت منه الأجهزة الأمنية الكشف عن اسم المصدر، فرفض المحرر الشاب، إلا أن المتحول حاول الضغط عليه فرفض، فقام المتحول بالوشاية بالمصدر، والذي كان يعرف اسمه بحكم منصبه كرئيس تحرير، وتم القبض على المصدر وفبركة القضية!!
لا يفوتنا أن متحولنا كان عنده قدرة على القياس الدقيق لتمثيل المرحلة وطبيعة تركيبها، ولهذا كان ناعماً بشكل مبالغ، ولا يعادى اتجاها سياسيا بعينه إلا بعد التأكد من رسوخ قدمه في الاتجاه المعادي لهذا الاتجاه، حتى الجماعات الإسلامية التي تخلص منها، وارتمى فى حضن الأمن لم يهاجمها بضراوة ووثق صلاته بالاتجاهات السلفية والصوفية ورموز لها مثل الشيخ محمد حسان، وعلى جانب آخر اقترب من الاتجاهات المدنية بقوة باعتبار أنه شريك لهم في مواجهة تخلف الاتجاهات الإسلامية، وانعكس هذا على تكوين العاملين فى "اليوم السابع" فى هذه المرحلة شيوعيين وناصريين وليبراليين وإسلاميين ومخبرين، وكان هذا كله تحت إشراف الرفيق "موافي" أقصد صفوت الشريف.
ظل متحولنا يلعب على كل المحاور بما يتناسب مع طبيعة المرحلة التي كانت تشهد ارتباكا سياسيا شديدا، إلا أن الرابط الوحيد الذي كان ضامنا للحفاظ على تمساكه فى وسط هذا الارتباك هو الإشراف الأمني الدقيق عليه وخبرات صفوت الشريف، ولعل التسجيل الذى تم تسريبه، والذى يحاور فيه متحولنا شخصية أشيع وقتها أنها "ابن ممدوح إسماعيل"، ولكنه كان في الحقيقة أشرف صفوت الشريف، هذا التسجيل الذي من المرجح أن تسريبه جاء من جهة مصدر أمني منافس عكس بدقة طبيعة الدور المرسوم للمتحول المخابراتي الصاعد خالد صلاح، وهو استكمال للدور الذي رسمته السلطة للعديد من الإعلاميين في هذه الفترة، لإظهارهم كإعلام معبر عن هموم الشعب لامتصاص الغضب الجماهيري المتصاعد في هذه الفترة، مع التحكم فى سقف المعارضة طبقا لأسلوب خلق صمام آمان للتنفيس وقت الاحتقان.
في هذا التسجيل يؤكد خالد صلاح لمتحدثه الذي كان قلقا من تناول الجريدة لموضوعات تبدو فيها سمة المعارضة، أنه يضرب ويلاقى عشان يستحوذ على ثقة الجمهور!!! والتسجيل متوفر على معظم مواقع التواصل الاجتماعي لمن يريد سماعه بدقة.
وظل متحولنا فى خطته الأمنية المرسومة له حتى قيام ثورة 2011 وارتباك الأمور، وبدأت مهارته في القفز على الأسوار والحبال في الظهور بوضوح، تعمد متحولنا عدم الظهور بملمح محدد في هذه الفترة، رغم أنه كان شريكا في المؤامرات على أي تحرك جماهيري، ومنها الاجتماع ضمن مجموعة إعلامي السلطة مع أعلى مستويات الحكم عند بداية الثورة فى يناير 2011 لمناقشة كيفية إنهاء هذه الثورة، وعند التعرض للخطاب الإعلامي في حال الفض العنيف لمليونية التحرير، والذي كان متوقعا أن يسفر عن آلاف القتلى. اقترح أحد هؤلاء الإعلاميين أن يتم إلقاء جثث لقتلى صوماليين، ومن أجناس مختلفة من الموجودين فى مصر أو المقبوض عليهم في هجرة غير شرعية وسط جثث ضحايا فض المليونية، وتصويرهم للإشارة إلى أن هناك مرتزقة تابعين لتنظيمات خارجية كانوا يستهدفون تدمير مصر، وأن يناير ما هى إلا مؤامرة دولية!! ولولا فشل الخطة لاختلاف صناع القرار حولها، لكانت الكارثة قد حلت، وتشير العديد من الأصابع إلى أن متحولنا خالد صلاح هو صاحب هذا الاقتراح.
وظل المتحول يتراقص بين الاتجاهات طبقا لخطة أمنية ممنهجة، وزادت نسبة الصحفيين من جماعة الإخوان المسلمين داخل مؤسسة "اليوم السابع" مع تصاعد دور الإخوان بعد يناير 2011، وتزامنا مع مواقف خالد صلاح انتقلت ملكية "اليوم السابع" إلى رجال أعمال غير معروفين على ساحة الإ
علام مثل محمد الأمين، وصعود عناصر أخرى مثل علاء الكحكي وعمرو الكحكي وأبو هشيمة، وتناوبوا جميعا ملكية "اليوم السابع" فى صيغ غير مفهومة، ولكنها تتناسب مع عدم استقرار المرحلة.
ووسط مشكلات هذه المرحلة والتداخلات السياسية والأحداث المؤلمة مثل محمد محمود وماسبيرو والاستفتاء على الدستور كانت "اليوم السابع" تنتهج سياسة إعلامية متوازنة، ليس عن مبدأ الحياد الإعلامى، وإنما طبقا لمخطط أمني لمدى طويل.
وبدأ خالد صلاح فى هذه الفترة مرحلة إنشاء مدرسة الكادر الأمنى ومن خلال "اليوم السابع"، يدرس بها شخصيات شباب الاعلاميين، ويبدأ المباراة الاختبارية معهم بذهب المعز وسيفه، ليكتشف من ردود أفعالهم العناصر القابلة للتدجين والتهجين، والقيام بأدوار أمنية ليس كمخبرين، وإنما في توجيه الواقع الإعلامى تجاه حظيرة السيطرة والخنوع.
وعندما تولى محمد مرسى الحكم، كان الدور المرسوم لخالد صلاح هو الاقتراب من جماعة الإخوان المسلمين، واللعب من داخلهم لاستكمال مخطط الحصار الإعلامي الذي أحاط بالجماعة، وحكم محمد مرسي طوال فترة حكمه التي امتدت عاما واحدا، وزاد عدد عناصر الإخوان فى جريدة "اليوم السابع"، وارتفعت مناصبهم ومرتباتهم، ووضعت قيودًا على نشر أى أخبار هجوم على الجماعة فى الستة أشهر الأولى من حكم "مرسي"، وارتدى خالد صلاح عباءة التقوى حتى أن العاملين فى الجريدة لاحظوا وبدأوا يتندرون عليه بأنه يصلى ثمانية فروض فى اليوم، وفى حواره مع أحد الصحفيين قال له "اركب معايا فسبا الإخوان هى اللى شارخة فوق". وفى نفس الوقت كان يمد أجهزة الأمن والمخابرات بمعلومات وملاحظات عن جماعة وحزب الحرية والعدالة الذين للأسف التقموا الطعم وآمنوا له.
وبعد 30 يونيه انقلب متحولنا 180 درجة، وأعلن تأييده للعسكر، وكان أول تصريح له أنه سيفصل من يهاجم حكم العسكر، وتخلص من معظم الصحفيين المنتمين للإخوان، بل بدأ في حصر أي معارض للنظام الجديد، ويفرض قيودًا متشددة على نشر أي وجهة نظر تعارض الدولة.
ويعتبر تاريخ الانتقال للمبنى الجديد هو مرحلة جديدة لخالد صالح الذى أصبح متحكمًا تمامًا في اختيار مالك الجريدة بالاستعانة بأجهزة المخابرات، وظهر هذا بوضوح عندما تآمر على أحمد أبو هشيمة، وأصبحت ملكية معظم الأسهم لعلاء الكحكي بناءً على أوامر المخابرات، ولولا تدارك أبوهشيمة الموقف، وتبرعه بمبلغ كبير لصندوق "تحيا مصر" ما كانت ملكية أسهم "اليوم السابع" عادت إليه، كل هذا إنما يشير أن الملكية الرئيسية للمؤسسة ليست لرجال الأعمال الظاهرين فى المشهد وإنما لأجهزة.
وفى المبنى الجديد بدأ خالد صلاح مرحلة جديدة بتحويل المكان لمؤسسة أمنية أكثر منها صحفية، فوزع الكاميرات الدقيقة على كل مكان، ووضع كل أجهزة الكمبيوتر تحت المراقبة، وانتخب عددا من الصحفيين، وأغدق عليهم بأموال مبالغ فيها وصلت إلى حد تمليكهم شققا فى منطقة العجوزة بملايين الجنيهات، وهو ما يؤكد أن كل هذه التكلفة لا يمكن أن تكون من أجل الهيمنة على المجتمع الإعلامي فقط وإنما هناك أهداف أكبر من هذا الأمر. وبدأ فى بث قيم الوشاية بين الصحفيين والطاعة العمياء للرؤساء حتى أنه عندما أصدر أمرًا بعدم إطلاق اللحية، بدأ يشن غارات على مكاتب الصحفيين ويعاقبهم بخصومات تصل إلى ألف جنيه، وإهانتهم، بل إنه فى أكثر من حوار كان يعاقب شخصا بسبب أنه لم يشِ بزميله صاحب اللحية الطويلة، وقال بالحرف "إحنا كده هنا بنبلغ على بعض وأنا عايز اللى يشوف حاجة يبلغ عن زميله".
ووصل طموح المتحول أنه توسع فى إنشاء عدة أقسام رئيسية فى الجريدة، تقدم الخدمات الإعلامية للدولة مثل "برلماني"، وأعلن صراحة أنه يريد أن تصبح "اليوم السابع" المتحدث الإعلامي الرسمي باسم الرئاسة، بل وصل به الشطط إلى المطالبة بخصخصة الهيئة العامة للاستعلامات وإداراتها بواسطة رجال الأعمال والإعلام الخاص.
كان خالد صلاح حريصا على الاستهانة بالقيم الوطنية والمهنية والنقابية، وكان يحرض الصحفيين على الهجوم على نقابة الصحفيين، ويكافئ من يهاجم النقابة حتى إنه كان له تعبير "إف وطنيين نقابيين ريحتهم وحشة" تماما مثل آل لوط عندما قالوا "أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون".
عندما قامت صحفية متدربة فى "اليوم السابع" بالإبلاغ عن زميل لها أثناء محاكمة الإخوان، وشهد عليها كل زملائها، وتحققت النقابة من الواقعة بالأدلة من وزارة الداخلية نفسها، وقامت النقابة بوقف ترشيح قيدها فى النقابة، كان للمتحول خالد صلاح موقف غريب عندما استدعاها وأطلق فريقه الأمنى فى الجريدة للدفاع عنها، وترويع أي صحفي يهاجمها، وتمسك بها بدون أى مبرر حتى أنه بالضغط عليه فى مناقشة قال "أنا بأحب أدافع عن المخبرين"، وللأسف ومع إعادة تشكيل مجلس النقابة بمجلس جديد سانده خالد صلاح والدولة ورجال الأعمال تم قيد العميلة الأمنية فى النقابة!!
وبدأ المتحول خالد صلاح فى استدعاء صحفيين وطلب منهم تقديم استقالاتهم، ثم يرسل لهم أتباعه فى الإدارة، ينصحونهم بالاستقالة، لأن المكان تابع للأمن،
وأن خالد صلاح يمكن أن يعتقل ذويهم، وللأسف استجاب البعض لهذه التهديدات وقدموا استقالاتهم.
وتزامن مع هذه الفترة قيام "اليوم السابع" بأدوار إعلامية تجاوزت الواقع المحلي مثل عمل تحقيقات صحفية من بيروت دعاية للمجرم اللبنانى السفاح سمير جعجع عميل الصهاينة، وبدأت زيارات القيادي الفلسطيني محمد دحلان تتكرر لـ "اليوم السابع"، وشهد مقر الجريدة عدة اجتماعات مسائية بين دحلان وثيق الصلة بإسرائيل مع قيادات إعلامية وأمنية بشكل مريب.
وخالد صلاح ضمن الدائرة الإعلامية الضيقة التى كان منوطا بها الإعداد للخطاب الإعلامى لإعلان أن "تيران وصنافير" جزر سعودية، وهو الذي قاد المجموعة التي غيرت المعلومات على ويكيبديا واللعب فى الخريطة قبل إعلان السيسى نواياه، وهو ما يفسر محاولاته التخلص من معارضي الاتفاقية فى الجريدة، وكان آخرهم ثلاثة صحفيين أبلغهم أنهم مفصولون بتعليمات من رئيس الدولة الذى يملك الجريدة.
كان من الممكن أن نعتبر أن إعلان خالد صلاح أن جريدة اليوم السابع ملك الرئاسة محض هراء، إلا أن قرار شراء مؤسسات "صوت الأمة" و"عين" و"دوت مصر"، وضمها إلى نفس مبنى "اليوم السابع"، وإنشاء مقار فخيمة لهم، وتعيين خالد صلاح مشرفاً عاماً عليها، يجعلنا ننظر للأمر بشكل مختلف، ونتساءل عن مصدر قوة المتحول الصحفي الشاب الذي صعد من حصائر الجماعة الإسلامية إلى عرش الأمن والإعلام الفاسد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق