الاثنين، 31 مارس 2014

د. جمال عبد الستار محمد إذا قُتل الإنسان فما قيمة البنيان?!

*د. جمال عبد الستار محمد
إذا قُتل الإنسان فما قيمة البنيان?!

رسخ الإعلاميون والمفكرون في أذهان شعوبنا على مدار العصور والأزمنة أن أغلى ما في مصر إنما هي آثار مصر العظيمة ، وقال البعض:  إن أعظم ما في مصر هو نيلها، وقال آخرون : بل جيشها، وقال آخرون: بل موقعها وثرواتها،  وقال غيرهم: بل  تاريخها العظيم،  وحضارتها القديمة.. وغير ذلك الكثير.
ولكن لم يعلمنا أحد منهم أن أثمن وأغلى ما في مصر هو الإنسان،  وأنه لولا الإنسان فلا قيمة لأي بنيان.
الإنسان الذي كرمه الله تعالى على كثير ممن خلق فقال سبحانه: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى? كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)

ولهذه الأهمية البالغة بعث الله الرسل رحمة للإنسانية بأسرها قال تعالى  : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ).
وأنزل الكتب  لسعادتهم وهدايتهم قال تعالى : (. طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ).

وقال تعالى : كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى? صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ )
بل إن أول ست آيات نزل بهن الوحي الآمين ذُكر الإنسان مرتين بياناً لمكانته وإبرازاً لكرامته.

لذا عامل الإسلام الإنسان معاملة راقية لم تصل لها فلسفة بشرية، أو منهجية وضعية،  فقد كرمه حياً وميتاً، وسخر له الكون لخدمته ،وضمن له حق الحياة، والتدين، والتملك، والعقل، والعرض، وحرم الاعتداء على أي واحدة منها.
ومن هنا فإن أي دولة مهما عظم شانها لا قيمة لها بدون الإنسان، وأي حضارة لا بقاء لها بدون الإنسان، وأن سعادة الإنسان و حريته هي مقياس التقدم والنهوض.

ومن هنا فإن الأنظمة العربية صنعت لنا أصناماً نطوف حولها حتى لو قدمنا الإنسان لها قربانا!!
فالإنسان العربي يُسفك دمه من أجل بقاء السلطان والسلطة!!
ويُنتهب ماله من أجل بقاء الأنظمة، ورخاء النخبة، ونفقة السجان !!
والجريمة الكبرى للأنظمة السابقة واللاحقة هي القضاء على البنية التحتية للإنسان علمياً، وصحياً، واجتماعياً، ودينياً، وقيمياً، حتى أخرجت لنا كائنات بشرية ليس لها من معالم الإنسانية إلا الجسد الخارجي والشكل الظاهري، وكما قال تعالى واصفاً هذه النوعية (لهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا ? أُولَ?ئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ? أُولَ?ئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)
لذلك نسأل: ما قيمة مصر إذا لم يكن للإنسان المصري فيها حرمة ومكانة؟!!
ما قيمة الجيش إذا لم يكن خادماً لأمن الإنسان المصري، حافظاً لحرمته وطمأنينته؟!!
 ما قيمة أي سلطة إذا لم تكن خادمة لهناء الإنسان ساعية في حمايته؟!!
ومن هنا فالجيش الذي يقتل شعبه لا قيمة له، ولا حرمة له، ولا كرامة له، ولا شرف له!!
والحاكم الذي يهين شعبه ويعتدي على كرامته وإرادته لا مجال لها أن يحي بينهم، أو أن يحظى باحترام أو مكانة أو مقام .
والبلد التي تهين شعبها، وتسفك دمه لا قيمة لها، ولا منفعة فيها، ولا كرامة لها..
فليسقط كل نظام يهدر كرامة الإنسان
فليسقط أي جيش يسفك دماء الإنسان
فلتسقط أي مؤسسة تنتهك حرمة الإنسان
لتسقط أي دولة تستعبد الإنسان
لن نصنع أصناما زائفة لنعبدها إجلالا وتقديسا، ونطوف حولها تعظيما وتكريما ، فلتسقط كل الألقاب، ولتسقط كل المؤسسات، ولتسقط كل الخطوط الحمراء والزرقاء، ويظل الإنسان كريما بتكريم الله له ، حراً بتحرير الله له.
لذلك لا يسأل أحد إلى متى يظل الشعب المصري في الشارع معارضاً لإرهاب العسكر، مناضلاً لينعم بحريته ؟
لأن الشعب المصري أدرك مكانته بين الأحرار ، وذاق سعادة الحرية بعد أن تجرع مرارات الاستبداد.
وأعلنها بكامل الوضوح والفهم والعمق والإدراك، مرتقياً على تنظير نخبة الأشرار ، رافعاً بها صوته مع كل الحرائر والأحرار:فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدى. 
 إما سعداء وإما شهداء، ويسقط يسقط حكم العسكر.

*الأستاذ بجامعة الأزهر والأمين العام لرابطة علماء أهل السنة

 المصدر: الجزيرة مباشر مصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق