( وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ )
د . رفعت القيعي
** لله تعالى جنود لا يعلمها إلا هو ، فهي غيب ، لا نعلم حقيقتها وماهيتها ، وطبيعتها وصفاتها ، وعددها ، ووظيفتها ، وقدرتها ، ولو إجمالاً ، فضلاً عن الاطلاع على تفاصيل أحوالها من كم وكيف ونسبة . وهو - سبحانه - يكشف عما يريد الكشف عنه من أمرها .
** وجنود الله تعالى غير متناهية ؛ لأن مقدوراته غير متناهية .
** وجنود الله - عز وجل - التي يخذل بها الباطل وأهله ، وينصر بها الحق وأهله ، أعم من أن تكون مادية أو معنوية ، وإذا كانت مادية فإن خطرها لا يتثمل في ضخامتها ، فقد تفتك جرثومة لا تراها العين بجيش ذي لَجَب .
** ومن جنود الله التي استعملها في هلاك أعداء أوليائه : الطوفان الذي أغرق الله به من كفر بنوح – عليه السلام - ، والريح التي أهلك الله بها عاد قوم هود – عليه السلام - ، والصاعقة التي أفنت ثمود قوم صالح – عليه السلام - ، والبحر الذي أغرق فرعون وجنوده ، والطير والحجارة التي أهلك الله بها أبرهة وجيشه ، والعنكبوت والتراب حفظ الله بهما حبيبه المصطفى – صلى الله عليه وسلم – ليلة الهجرة ، والملائكة وحفنة التراب يوم غزوة بدر ، والرعب والريح يوم الخندق ، التي نصر الله بها أهل الحق على أهل الباطل ...إلخ .
روى الإمام أحمد في مسنده : عن ابن عباس – رضى الله عنهما – قال : [...لَمَّا أَصْبَحُوا – أي : المشركون - ثَارُوا إِلَيْهِ ، فَلَمَّا رَأَوْا عَلِيًّا رَدَّ اللَّهُ مَكْرَهُمْ ، فَقَالُوا : أَيْنَ صَاحِبُكَ هَذَا ؟ قَالَ : لَا أَدْرِي . فَاقْتَصُّوا أَثَرَهُ – صلى الله عليه وسلم – ، فَلَمَّا بَلَغُوا الْجَبَلَ – أي : جبل ثور - خُلِّطَ عَلَيْهِمْ ، فَصَعِدُوا فِي الْجَبَلِ فَمَرُّوا بِالْغَارِ ، فَرَأَوْا عَلَى بَابِهِ نَسْجَ الْعَنْكَبُوتِ ، فَقَالُوا : لَوْ دَخَلَ هَاهُنَا لَمْ يَكُنْ نَسْجُ الْعَنْكَبُوتِ عَلَى بَابِهِ ، فَمَكَثَ فِيهِ ثَلاثَ لَيَالٍ ] . قال ابن كثير في تاريخه : وهذا إسناد حسن ! وهو من أجود ما روي في قصة نسج العنكبوت على فم الغار .
قال الله تعالى : { مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } [ العنكبوت : 41 ] .
يقول الشهيد سيد قطب معلقًا على هذه الآية : والآن . وعلى مصارع العتاة البغاة من الكفرة والظلمة والفسقة على مدار القرون . والآن . وبعد الحديث في مطالع السورة عن الفتنة والابتلاء والإغراء . الآن يضرب المثل لحقيقة القوى المتصارعة في هذا المجال . إن هنالك قوة واحدة هي قوة الله . وما عداها من قوة الخلق فهو هزيل واهن ، من تعلق به أو احتمى ، فهو كالعنكبوت الضعيفة تحتمي ببيت من خيوط واهية . فهي وما تحتمي به سواء .
إنه تصوير عجيب صادق لحقيقة القوى في هذا الوجود . الحقيقة التي يغفل عنها الناس أحياناً ، فيسوء تقديرهم لجميع القيم ، ويفسد تصورهم لجميع الارتباطات ، وتختل في أيديهم جميع الموازين . ولا يعرفون إلى أين يتوجهون . ماذا يأخذون وماذا يدعون ؟
وعندئذ تخدعهم قوة الحكم والسلطان ، يحسبونها القوة القادرة التي تعمل في هذه الأرض ، فيتوجهون إليها بمخاوفهم ورغائبهم ، ويخشونها ويفزعون منها ، ويترضونها ليكفوا عن أنفسهم أذاها ، أو يضمنوا لأنفسهم حماها !
وتخدعهم قوة المال ، يحسبونها القوة المسيطرة على أقدار الناس وأقدار الحياة . ويتقدمون إليها في رغب وفي رهب؛ ويسعون للحصول عليها ليستطيلوا بها ويتسلطوا على الرقاب كما يحسبون!
وتخدعهم قوة العلم ، يحسبونها أصل القوة وأصل المال ، وأصل سائر القوى التي يصول بها من يملكها ويجول، ويتقدمون إليها خاشعين كأنهم عباد في المحاريب !
وتخدعهم هذه القوى الظاهرة . تخدعهم في أيدي الأفراد وفي أيدي الجماعات وفي أيدي الدول ، فيدورون حولها ، ويتهافتون عليها ، كما يدور الفراش على المصباح ، وكما يتهافت الفراش على النار!
وينسون القوة الوحيدة التي تخلق سائر القوى الصغيرة ، وتملكها ، وتمنحها ، وتوجهها ، وتسخرها كما تريد ، حيثما تريد .
وينسون أن الالتجاء إلى تلك القوى سواء كانت في أيدي الأفراد ، أو الجماعات ، أو الدول ، كالتجاء العنكبوت إلى بيت العنكبوت ، حشرة ضعيفة رخوة واهنة لا حماية لها من تكوينها الرخو ، ولا وقاية لها من بيتها الواهن .
وليس هنالك إلا حماية الله ، وإلا حماه ، وإلا ركنه القوي الركين .
هذه الحقيقة الضخمة هي التي عني القرآن بتقريرها في نفوس الفئة المؤمنة ، فكانت بها أقوى من جميع القوى التي وقفت في طريقها ؛ وداست بها على كبرياء الجبابرة في الأرض ، ودكت بها المعاقل والحصون .
لقد استقرت هذه الحقيقة الضخمة في كل نفس ، وعمرت كل قلب ، واختلطت بالدم ، وجرت معه في العروق ، ولم تعد كلمة تقال باللسان ، ولا قضية تحتاج إلى جدل ، بل بديهة مستقرة في النفس ، لا يجول غيرها في حس ولا خيال .
قوة الله وحدها هي القوة . وولاية الله وحدها هي الولاية . وما عداها فهو واهن ضئيل هزيل ؛ مهما علا واستطال ، ومهما تجبر وطغى ، ومهما ملك من وسائل البطش والطغيان والتنكيل .
إنها العنكبوت : وما تملك من القوى ليست سوى خيوط العنكبوت : { وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون } .
وإن أصحاب الدعوات الذين يتعرضون للفتنة والأذى ، وللإغراء والإغواء . لجديرون أن يقفوا أمام هذه الحقيقة الضخمة ولا ينسوها لحظة ، وهم يواجهون القوى المختلفة ، هذه تضر بهم وتحاول أن تسحقهم . وهذه تستهويهم وتحاول أن تشتريهم . وكلها خيوط العنكبوت في حساب الله ، وفي حساب العقيدة حين تصح العقيدة ، وحين تعرف حقيقة القوى وتحسن التقويم والتقدير .
** هذه هي الصورة الهائلة التي يجب أن تقف طلائع البعث الإسلامي في كل مكان وفي كل زمان أمامها ، حين تطاردها الجاهلية ؛ وحين « تغلبها » الجاهلية!
وإنه ليس عليها إلا أن تثبت وتستمر في طريقها ؛ وإلا أن تعرف مصدر قوتها وتلجأ إليه ؛ وإلا أن تصبر حتى يأتي الله بأمره ، وإلا أن تثق أن وليها القدير لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ، وأنه لن يترك أولياءه إلى أعدائه ، إلا فترة الإعداد والابتلاء ؛ وأنها متى اجتازت هذه الفترة فإن الله سيصنع لها وسيصنع بها في الأرض ما يشاء .
د . رفعت القيعي
** لله تعالى جنود لا يعلمها إلا هو ، فهي غيب ، لا نعلم حقيقتها وماهيتها ، وطبيعتها وصفاتها ، وعددها ، ووظيفتها ، وقدرتها ، ولو إجمالاً ، فضلاً عن الاطلاع على تفاصيل أحوالها من كم وكيف ونسبة . وهو - سبحانه - يكشف عما يريد الكشف عنه من أمرها .
** وجنود الله تعالى غير متناهية ؛ لأن مقدوراته غير متناهية .
** وجنود الله - عز وجل - التي يخذل بها الباطل وأهله ، وينصر بها الحق وأهله ، أعم من أن تكون مادية أو معنوية ، وإذا كانت مادية فإن خطرها لا يتثمل في ضخامتها ، فقد تفتك جرثومة لا تراها العين بجيش ذي لَجَب .
** ومن جنود الله التي استعملها في هلاك أعداء أوليائه : الطوفان الذي أغرق الله به من كفر بنوح – عليه السلام - ، والريح التي أهلك الله بها عاد قوم هود – عليه السلام - ، والصاعقة التي أفنت ثمود قوم صالح – عليه السلام - ، والبحر الذي أغرق فرعون وجنوده ، والطير والحجارة التي أهلك الله بها أبرهة وجيشه ، والعنكبوت والتراب حفظ الله بهما حبيبه المصطفى – صلى الله عليه وسلم – ليلة الهجرة ، والملائكة وحفنة التراب يوم غزوة بدر ، والرعب والريح يوم الخندق ، التي نصر الله بها أهل الحق على أهل الباطل ...إلخ .
روى الإمام أحمد في مسنده : عن ابن عباس – رضى الله عنهما – قال : [...لَمَّا أَصْبَحُوا – أي : المشركون - ثَارُوا إِلَيْهِ ، فَلَمَّا رَأَوْا عَلِيًّا رَدَّ اللَّهُ مَكْرَهُمْ ، فَقَالُوا : أَيْنَ صَاحِبُكَ هَذَا ؟ قَالَ : لَا أَدْرِي . فَاقْتَصُّوا أَثَرَهُ – صلى الله عليه وسلم – ، فَلَمَّا بَلَغُوا الْجَبَلَ – أي : جبل ثور - خُلِّطَ عَلَيْهِمْ ، فَصَعِدُوا فِي الْجَبَلِ فَمَرُّوا بِالْغَارِ ، فَرَأَوْا عَلَى بَابِهِ نَسْجَ الْعَنْكَبُوتِ ، فَقَالُوا : لَوْ دَخَلَ هَاهُنَا لَمْ يَكُنْ نَسْجُ الْعَنْكَبُوتِ عَلَى بَابِهِ ، فَمَكَثَ فِيهِ ثَلاثَ لَيَالٍ ] . قال ابن كثير في تاريخه : وهذا إسناد حسن ! وهو من أجود ما روي في قصة نسج العنكبوت على فم الغار .
قال الله تعالى : { مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } [ العنكبوت : 41 ] .
يقول الشهيد سيد قطب معلقًا على هذه الآية : والآن . وعلى مصارع العتاة البغاة من الكفرة والظلمة والفسقة على مدار القرون . والآن . وبعد الحديث في مطالع السورة عن الفتنة والابتلاء والإغراء . الآن يضرب المثل لحقيقة القوى المتصارعة في هذا المجال . إن هنالك قوة واحدة هي قوة الله . وما عداها من قوة الخلق فهو هزيل واهن ، من تعلق به أو احتمى ، فهو كالعنكبوت الضعيفة تحتمي ببيت من خيوط واهية . فهي وما تحتمي به سواء .
إنه تصوير عجيب صادق لحقيقة القوى في هذا الوجود . الحقيقة التي يغفل عنها الناس أحياناً ، فيسوء تقديرهم لجميع القيم ، ويفسد تصورهم لجميع الارتباطات ، وتختل في أيديهم جميع الموازين . ولا يعرفون إلى أين يتوجهون . ماذا يأخذون وماذا يدعون ؟
وعندئذ تخدعهم قوة الحكم والسلطان ، يحسبونها القوة القادرة التي تعمل في هذه الأرض ، فيتوجهون إليها بمخاوفهم ورغائبهم ، ويخشونها ويفزعون منها ، ويترضونها ليكفوا عن أنفسهم أذاها ، أو يضمنوا لأنفسهم حماها !
وتخدعهم قوة المال ، يحسبونها القوة المسيطرة على أقدار الناس وأقدار الحياة . ويتقدمون إليها في رغب وفي رهب؛ ويسعون للحصول عليها ليستطيلوا بها ويتسلطوا على الرقاب كما يحسبون!
وتخدعهم قوة العلم ، يحسبونها أصل القوة وأصل المال ، وأصل سائر القوى التي يصول بها من يملكها ويجول، ويتقدمون إليها خاشعين كأنهم عباد في المحاريب !
وتخدعهم هذه القوى الظاهرة . تخدعهم في أيدي الأفراد وفي أيدي الجماعات وفي أيدي الدول ، فيدورون حولها ، ويتهافتون عليها ، كما يدور الفراش على المصباح ، وكما يتهافت الفراش على النار!
وينسون القوة الوحيدة التي تخلق سائر القوى الصغيرة ، وتملكها ، وتمنحها ، وتوجهها ، وتسخرها كما تريد ، حيثما تريد .
وينسون أن الالتجاء إلى تلك القوى سواء كانت في أيدي الأفراد ، أو الجماعات ، أو الدول ، كالتجاء العنكبوت إلى بيت العنكبوت ، حشرة ضعيفة رخوة واهنة لا حماية لها من تكوينها الرخو ، ولا وقاية لها من بيتها الواهن .
وليس هنالك إلا حماية الله ، وإلا حماه ، وإلا ركنه القوي الركين .
هذه الحقيقة الضخمة هي التي عني القرآن بتقريرها في نفوس الفئة المؤمنة ، فكانت بها أقوى من جميع القوى التي وقفت في طريقها ؛ وداست بها على كبرياء الجبابرة في الأرض ، ودكت بها المعاقل والحصون .
لقد استقرت هذه الحقيقة الضخمة في كل نفس ، وعمرت كل قلب ، واختلطت بالدم ، وجرت معه في العروق ، ولم تعد كلمة تقال باللسان ، ولا قضية تحتاج إلى جدل ، بل بديهة مستقرة في النفس ، لا يجول غيرها في حس ولا خيال .
قوة الله وحدها هي القوة . وولاية الله وحدها هي الولاية . وما عداها فهو واهن ضئيل هزيل ؛ مهما علا واستطال ، ومهما تجبر وطغى ، ومهما ملك من وسائل البطش والطغيان والتنكيل .
إنها العنكبوت : وما تملك من القوى ليست سوى خيوط العنكبوت : { وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون } .
وإن أصحاب الدعوات الذين يتعرضون للفتنة والأذى ، وللإغراء والإغواء . لجديرون أن يقفوا أمام هذه الحقيقة الضخمة ولا ينسوها لحظة ، وهم يواجهون القوى المختلفة ، هذه تضر بهم وتحاول أن تسحقهم . وهذه تستهويهم وتحاول أن تشتريهم . وكلها خيوط العنكبوت في حساب الله ، وفي حساب العقيدة حين تصح العقيدة ، وحين تعرف حقيقة القوى وتحسن التقويم والتقدير .
** هذه هي الصورة الهائلة التي يجب أن تقف طلائع البعث الإسلامي في كل مكان وفي كل زمان أمامها ، حين تطاردها الجاهلية ؛ وحين « تغلبها » الجاهلية!
وإنه ليس عليها إلا أن تثبت وتستمر في طريقها ؛ وإلا أن تعرف مصدر قوتها وتلجأ إليه ؛ وإلا أن تصبر حتى يأتي الله بأمره ، وإلا أن تثق أن وليها القدير لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ، وأنه لن يترك أولياءه إلى أعدائه ، إلا فترة الإعداد والابتلاء ؛ وأنها متى اجتازت هذه الفترة فإن الله سيصنع لها وسيصنع بها في الأرض ما يشاء .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق