في تفاصيل الكارثة
بقلم: عبد الرحمن شكري
يعتبر نظام هندسة الري في مصر من أفضل أنظمة
الري في العالم وأدقها وأكثرها ملاءمة للبيئة التي نشأ فيها منذ مصر
القديمة وحتى تولى محمد علي حكم مصر سنة 1805.
وبذل محمد علي جهودا كبيرة لضبط الري بدأت
عام 1817م بتعيين المهندس الفرنسي باسكال كوست كبيرًا للمهندسين ليبدأ عام
1818م في حفر قناة المحمودية لتصل المياه العذبة إلى الإسكندرية لأول مرة.
ولنقل البضائع من الجنوب إلى الإسكندرية ثم
إلى البحر المتوسط ، كما أنشأ وزارة الأشغال عام 1836م والتي قامت بإنشاء
الترع والقناطر لتوسيع المساحة المنزرعة.
وبعد إنشاء السد العالي عام 1962 انتهي ري
الحياض تمامًا وصارت أرض مصر كلها تروى بري دائم يعتمد علي شبكة واسعة من
الترع الكبيرة والمتوسطة والصغيرة مجموع أطوالها 30 ألف كيلو متر وهى عبارة
عن مستويات ولها مقاييس مخصوصة بحيث تغذى الترع الكبيرة المتوسطة وتغذى
المتوسطة الصغيرة وفق نظام هندسي دقيق.
في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات
تحدثت تقارير دولية كثيرة عن الوضع السيئ لمياه الشرب في مصر وأثره على
الصحة العامة وزيادة أعداد مرضى الفشل الكلوي إلى مستو خطير وزيادة عدد
وفيات الأطفال بسبب الإسهال إلى 17 ألف طفل سنويا (تقرير منظمة الصحة
العالمية).
ومثل هذا ضغطًا على الحكومة المصرية لتوسيع
شبكة مياه الشرب النظيفة بدعم من الوكالة الأمريكية والبنك الدولي ليشمل
القطاع الأكبر من المدن و القرى المصرية وإنشاء محطات تنقية لمياه النيل
لتغذية هذه القرى بالمياه النظيفة.
ولما كان الكثير من المدن والقرى يبعد عن
مسار النيل والترع الكبيرة فقد تم تغذية مآخذ مياه الشرب من الترع المتوسطة
بشرط استمرار وجود المياه بها وعلى مستويات تغطى مآخذ السحب لمحطات
التنقية.
ولم تخبرنا الحكومة ماذا ستفعل في هذه
المشكلة بعد إعلان اثيوبيا بدء ملء بحيرة سد النهضة في أول يوليو/تموز
المقبل، ومن أين ستأتي بالمياه؟
هذه الشبكة الضخمة لمياه الشرب الممتدة إلى
كل الوحدات المحلية على امتداد مصر تمر بين الحقول والزراعات، فهل يمكن أن
تمر المياه في الترع الكبيرة والمتوسطة والفلاحين من حولها زراعاتهم تموت
من العطش ويتركوها تمر.
الحكومة بصمتها واستهتارها بقلق الشعب من
هذه القضية المصيرية تضعنا أمام حالة من الصراع الاجتماعي الدامي ليس بين
أبناء البلد الواحد فقط بل بين أبناء الشارع الواحد وفقا لسوابق ممتدة على
أولوية الري بين الفلاحين.
وفي مصر92 مليون نسمة وعشرون مليون رأس
ماشية غير كثير من المصالح والثروات مهددة بالموت عطشا، ماذا ستفعل الحكومة
لمواجهة الكارثة وبما ترد على الخبراء الذين يحذرون من نقص حصتنا؟
صمت الإعلام المشبوه وما يسمى بالبرلمان
والنقابات ومنظمات المجتمع الأخرى غير معقول، إلا أن يكون عبد الفتاح
السيسي قد أمرهم بالصمت حتى يمر عام الانتخابات المزورة 2018 يستهلك فيه
رصيدنا من المياه في بحيرة ناصر وتصفيتها وإلغاء السد العالي تماما والقضاء
على صمام الأمان المائي والكهربي في مصر حاضرا ومستقبلا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق