وائل قنديل : أم عزباء أو المعركة اللقيطة
أياً كان موقفك الإنساني من أزمة الفتاة التي أقامت علاقة، خارج مؤسسة الزواج، وأنجبت مولوداً، تنكر الطرف الثاني له ولها، فإن الموضوع برمته ليس قضية الوطن.
تتضامن معها، أو تتعاطف، أو تستنكر الواقعة كلها، فهذه قضية إنسانية بحتة، تتعلق بحالة تصطدم بالمجتمع، ومناخه العام، سواء كنت راضياً عنه، أم رافضاً له، ومن ثم من العبث أن نعتبرها قضية الوطن، أو تعبيراً عن ثورة اجتماعية، أو تقليباً في تربة التقاليد والأعراف، بصرف النظر عن موقفك من المنظومة القيمية التي يعيش بها، وعليها، المجتمع.
أطلت القصة برأسها في اليوم الأول من يناير/ كانون الثاني 2017، عام المرأة، كما أطلق عليه عبد الفتاح السيسي، وفجر موجات من السخرية اللاذعة، حين نشرت صاحبة القصة/ المأساة صورتها مع مولودها، من الشاب الذي قالت إنها ارتبطت به بعلاقة غير رسمية، اعتبرتها زواجاً، فيما اختفى الطرف الآخر.
وبمرور الوقت، فعلت السوشيال ميديا أفاعيلها، لتتصاعد القصة درامياً، وتصبح مادة للاستقطاب المجتمعي والإنساني، بين من يرى الفتاة بطلة، جسورة، تتحدى تقاليد المجتمع، وموروثه القيمي، وبين من يرجمها ويجلدها، إلكترونياً، وينظر للموضوع كله من زاوية الدين والتقاليد.
غير أن ما يثير الدهشة أن يصر بعضهم على أن القضية هي قضية وطنية وثورية، تطغى على ما سواها من قضايا وأزمات تعصف بمصر، في الداخل والخارج، خصوصاً أن هذا التطور الدرامي جاء متزامناً مع تصاعد الغضب من النظام، في ظل إصراره على التفريط في جزيرتي "تيران وصنافير".
التوقيت، كذلك، ملفت للنظر للغاية، حيث اندلعت قضية الـ(Single mother) مع انكشاف عورة النظام، أمنياً في سيناء، بتكرار العمليات الإرهابية التي تحصد مزيداً من الضحايا، من المجندين البسطاء، ووصل الحد إلى اختطاف آليات عسكرية تابعة لقوات الأمن، وأيضاً، انكشاف عورة النظام، سياسياً بموضوع تيران وصنافير، والمضي قدماً في تحدي المشاعر الشعبية، الغاضبة من تسليم الجزيرتين، ورفض السلطة التصريح بتظاهرة أمام مجلس الوزراء، وإلقاء من يريدون التظاهر في عراء حديقة الفسطاط، ليكون المتظاهرون بين فكي البطش الأمني، وتوحش "المواطنين الشرفاء" الذين يتم شحنهم يومياً بجرعات من الكراهية والعداء لمعارضي النظام.
وبدلاً من أن توجه كل طاقات الكلام والنقاش والاشتباك والغضب صوب فضائح النظام السياسية والاقتصادية والاجتماعية، يأتي التقاط موضوع الفتاة ومولودها غير الشرعي، والنفخ فيها وتضخيمها، لتصبح أم القضايا، وتتم عملية صناعة فسطاطين، يتصارعان حولها، من يتضامن ويدافع بحماسة شديدة، ومن يرجم ويجلد ويحاسب بقسوة أشد، وبين الفسطاطين، يتوارى الكلام عن استحقاق "الفسطاط" موعد التظاهرة الشعبية ضد التنازل عن الجزيرتين.
غير أن الأخطر هو تسييس المأساة الخاصة بالفتاة لتتحول إلى موضوع للاستقطاب بين معسكر الليبراليين و اليسار والعلمانيين، ومعسكر الإسلاميين والمحافظين، إذ يتم التركيز على كون الفتاة ناشطة ومدونة سياسية، تنتمي لتيار ما، يبدي معارضة للسياسات الحالية، وهو ما يوفر للنظام، ومواطنيه الشرفاء، في وسائل الإعلام، والطبقات الاجتماعية التي تمثل وقوداً لفاشيته وفشله ووحشيته، يوفر لهم الفرصة لضرب الحراك الوطني المتصاعد ضد السلطة في مقتل، ويتيح لها اللعب على أوتار العيب والقيم والأخلاق والدين.
الآن من الممكن جداً أن يلتقط إعلاميو السيسي الهدية، ويستثمروها في وصم كل معارضي السيسي بما في هذه الفتاة، ويتحول الهتاف في ستوديوهات الفاشية ضد من يدافع عن مصرية تيران وصنافير، أو يقاوم القمع والبطش وتغييب القانون والتكفير بالديمقراطية: اخرسوا يا بتوع الـ(single mother) وفي مناخ مشبع بأتربة إعلام مدمر للوعي وقاتل للحس الإنساني، ومسيطر تماماً على كل المنابر، يتحول كل معارض للسيسي إلى مدافع عن الانحلال الاجتماعي والتهتك الأخلاقي.
مرة أخرى، أن تكون مع الفتاة، أو ضدها، فهذا اختيارك الشخصي، لكن لا تفرض موضوعها، قضية وطنية أساسية.. هذه معركة لقيطة، يريدون أن يضعوها، عنوة، كأم المعارك.
----------
العربي الجديد
في 2017-01-14
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق