الاثنين، 2 ديسمبر 2013

الدكتور محمد محسوب : اللهمّ بلغنا يناير..

د.محمد محسوب: اللهمّ بلغنا يناير..
اللهم بلغنا يونيو.. عبارة ألقاها مرموق على قارعة تويتر فلم يلتفت إليها أحد..
جاء يونيو وكاد ينقضي دون أن يلحظ الناس ما في يونيو من أسرار.. في اليوم الأخير ألهب الحرُّ العقول طيلة يومٍ قاسٍ.. ثم جاء الليل ليخرج آلاف
الناس في تظاهرة ليلية وكأنها كرنفال الحرية يرسم على القلوب سعادة الأحرار.. فمصر بعد ستة قرون ترقص في ثوب الحرية الفضفاض دون أن ينغصّ حياتها تنبيهات العسكر أو قرارات الجنرالات.. فقط لغط المختلفين يملأ الميادين وقاعات الندوات وشاشات العرض.. كأي ديموقراطية عريقة بدت مصر في لحظة تمام العام على انتخاب أول رئيسي من غير مرتدي ثياب بيت الملك..
انفضّ الجمعُ بعد أن ترك رسالة مدوية على باب الحكم الذي لا تحرسه سوى أصوات من اختارت من يسكن خلفه.. رسالة تجعل الحاكم المُختارُ يتقلب في فراش نومه دون أن تُغمض له عين.. يفكر كيف يجاوب شعبه.. رسالة مزعجة لكنها تبث في نفوس المؤمنين بالحرية البهجة.. ولا تملك أن تبحث عن سبب خروج المتظاهرين إذا كنت مؤمنا بالديموقراطية .. فالأصل أن يخرجوا والمقلق أن يغيبوا..
لكن الجميع ليسوا سواسية.. فالبعض يراها فرصة لإنهاء لعبة ثقيلة أزاحت الملوك عن عروشهم.. والبعض رآها فرصة للتخلص من خصوم الفكر والمختلفين في الرؤى.. فهي للبعض عرسٌ وللبعض فرصةٌ تُقتنص..
خفافيش تختبئ بين ركام الماضي المتناثر في أنحاء لم يجرِ ترتيبها أو تطهيرها.. الاحتجاج بالنسبة لهم انقسام يسمح بالتسرب والانقضاض على ضحيتهم..
قائد الجيش وجّه تحذيرا للرئيس ليتجاوب مع ما أسماه مطالب الشعب..
بيان أعاد مصر كأي بلد في العالم الثالث يعلن قائد الجيش تحكمه في الأمور بما تحت يديه من قوات وسلاح.. العالم الحر لا يعرف الا الانتخابات تترجم تغيرات الرأي العام.. اما في بلاد جيحون خلف بحر الظلام فالجنرالات وحدهم من يرون أنفسهم أقدر على فهم لغة الشعب وقراءة رسائله.. لكنها قراءة لمرة واحدة.. يقرأون الغضب ويستغلونه ثم يغلقون صنابير المشاعر والتواصل مع الشعب بمجرد استلامهم السلطة..
أصدر الجنرال تحذيره وكأنه دعوة للاحتفال بانتهاء عصر الانتخاب وانقضاء لحظة الديموقراطية التي عاشها شعب عاما واحدا خلال ستة عقود من عمره..
تلاحقت الأحداث سريعة.. الرئيس بقبضة الجنرالات.. الشعب منقسم بين من يتمنى زوال من لا يرضى عنه حتى لو زالت نعمة الديموقراطية معه.. ومن يخشى غياب سريع لشمس يوم الديموقراطية القصير..
مضت ساعات لا تجاوز الأربعين ليعلن الجنرال ما توقعه الجميع ، البيان الأول للقيادة العامة للقوات المسلحة ليست بعبور جسر تجاه العدو أو بفتح ثغرة في قواته وإنما بانتهاء اللعبة..
على الجميع أن يعود إلى قواعده التي جاء منها.. من جاء من المعتقل يعود إليه.. ومن جاء من المقهي يرتد إليه.. ومن جاء من مقاعد الفرجة يعود ليلتصق بها.. ومن يتطاول على سيده تنقطع إيده.. ودولاب الفساد يعود لسيرته الأولى قبل فجر ضمير الثورة في 25 يناير..
من جديد تبدأ ذات المسيرة.. حديث عن الحقوق بلا حقوق.. وكلام عن الديموقراطية بلا ديموقراطية.. وحلم بالتقدم لا يحدث أبداً.. لأن الله كما خلق الدواب محمولة على قدمين.. جعل التقدم محمولا على الديموقراطية والحرية بكل ما تحملانه من أخطاء ومخاطر ومخاض..
عاد حلم يناير يتراقص في عيون الثوار.. فاللهمّ بلغنا يناير..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق