الأحد، 29 ديسمبر 2013

المستشار عماد أبو هاشم يكتب : إفلاس الانقلاب وسياسة الباب المغلق

المستشار عماد أبو هاشم يكتب : إفلاس الانقلاب وسياسة الباب المغلق

لا أدرى إن كان قرارُ سلطةِ الإنقلابِ إعلانَ أن جماعةَ الإخوانِ المسلمين جماعةٌ إرهابيةٌ وأن تنظيمَها تنظيمٌ إرهابىٌّ في مفهومِ نصِ المادةِ 86 من قانونِ العقوباتِ ، يستأهلُ تناولَه بالرد عليه أم أن بطلانَه الظاهر وانعدامَ قيمتِه من الناحيتين القانونية والعملية يجعل التعقيبَ عليه غير ذى فائدة ، إن صحَّ أن تناولَه فى ذاتِهِ منعدمُ الفائدة ، إلا أن آثارَه الخطيرة تستوجب إيضاحَ بعض الأمورِ ، ولاسيما إذا علمنا أن المواد من 86 إلى نهايةِ القسمِ الأولِ من البابِ الثانى من الكتابِ الثانى من قانونِ العقوباتِ المتعلقِ بالجناياتِ والجنحِ المضرةِ بأمنِ الحكومةِ من الداخلِ لم يقننْ فيها المشرعُ وجهًا لتدخلِ السلطةِ التنفيذيةِ بقرارٍ منها يؤثرُ فى التجريمِ والعقابِ ، وقد نَحَى المشرعُ إلى ذلك إعمالًا لمبدأِ المشروعيةِ إذ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنصٍ قانونىٍّ ، ومن المعروفِ بالضرورةِ على وجهِ العمومِ أن القرارَ الإدارىَّ لا يرقى – بحالٍ من الأحوال – لمرتبةِ النص القانونىِّ ، وبالخصوصِ فى مسألةِ التجريمِ والعقابِ .

 

إذن هذا القرارُ لا يُسمنُ ولا يُغنى من جُوعٍ فى مجالِ التجريمِ والعقابِ ، ولا يحتاجُ إليه القاضى الجنائىُّ فى استنباطِ كُنْه جماعةٍ أو تنظيمٍ إن كان إرهابيًا من عدمه ، ذلك أنه حرٌ فى تكوينِ عقيدتِه ولا سلطانَ عليه لغيرِ القانونِ ، كما أن وزنَ الأدلةِ وتقديرَها من إطلاقاتِه التى لا يطالبُه القانونُ بإبداءِ أسبابِ تبررُ وجدانَه فى الأخذِ بها من عدمِه ، ومبدأُ حريَّةِ اقتناعِ القاضى الجنائىِّ جعلَه غيرَ مُلزَمٍ بالأخذِ بدليلٍ بعينِه حتى لو كان هذا الدليلُ ثابتًا بأوراقٍ رسميةٍ موثَّقةٍ ، فله أن يطَّرِحها دون أن يبدىَ أسباب اطِّرَاحِهَا .

 

ومن ناحيةٍ أُخرى ، فإن هذا القرارَ صادرٌ من غير مختصٍ ، لأنه تناولَ عملًا قضائيًا بحتًا ، يمتنعُ على السلطةِ التنفيذيةِ البتُ فيه ، وإلا كان ذلك منها تدخلًا فى الشأنِ القضائىِّ بما يُهدرُ مبدأَ الفصلِ بين السلطاتِ فى الدولة ، كما أن هذا القرارَ لا يركنُ إلى سندٍ من القانونِ أو الواقعِ لانعدامِ ما يوجبُه وانتفاءِ ما يبررُه ، وقبل ذلك كلِّه ، فإن الإنقلابَ لا يملكُ السلطةَ الشرعيةَ للحكمِ ، وبالتالى يفتقر إلى المُسَوِّغِ الذى يُمَكِّنَه من إصدارِ أىِّ قرارٍ إدارىٍّ ، كلُ هذا ينحدرُ بهذا القرار إلى مرتبةِ العدمِ ويُجَرِّدُه من أىِّ أثر .

 

والتعاملُ مع هذا القرار يكونُ بأحدِ طريقين : إما بالطعنِ عليه مباشرةً لدى مجلسِ الدولةِ بطلبِ إلغائِه – وفقًا للأسبابِ السالفِ سردها – وطلبِ وقفِه لحينِ الفصلِ فى الدعوى ، وإما بالتصدى له من قِبَلِ المحاكمِ على اختلافِ درجاتِها بحسبانِ أنه قرارٌ ينحدرُ به البطلانُ إلى حدِّ الإنعدامِ ، فيضحى عملًا ماديٌا تختصُ المحاكمُ بالتصدى له ، وفى ذلك الصدد تقول محكمةُ النقض ” من المقررِ فى قضاءِ هذه المحكمةِ أنه إذا كان القرارُ الإداىُّ قد صدر مخالفًا للقانونِ فإنَّ ذلك يُجردُه من صفتِه الإداريَّةِ ويُسقطُ عنه الحصانةَ المقررةَ للقراراتِ الإداريةِ ، ويكونُ من حقِّ القضاءِ العادىِّ أن يتدخلَ لحمايةِ مصالحِ الأفرادِ مما قد يترتبُ عليه. ” (الطعن رقم 149/ 314لسنة56ق – جلسة20/2/1992 – س43 -ج1- ص337) ، وبالتالى فإنه – من الناحيةِ القانونيةِ – يكون ذلك القرارُ مجردَّ زوبعةً فى فنجان ، يملكُ القضاءُ الإدارىُّ إلغاءَه ، كما يملكُ القضاءُ الجنائىُّ التصدىَ له واطِّراحَه لأنه باطلٌ منعدمٌ ، سقطت عنه حصانةُ القراراتِ الإداريَّةِ ، فأضحى عملًا ماديًا ضارًا قد يُشكِّلُ فى ذاته تحريضُا على ارتكاب جرائمَ ضد الإنسانيةِ بما يستوجبُ عقابَ مُصدرِه باعتبارِه شريكًا بالتحريض ، ويُوجِبُ – أيضًا – عليه التعويضَ عن الأضرارِ التى قد تنجمُ عنه .

 

إن الحصيلةَ الوحيدةَ لهذا القرارِ هى أنها عجَّلتْ بالوصولِ بالقوى الوطنيةِ إلى طريقٍ مسدودٍ لا تُؤْمَنُ عواقبُه ، وأظهرت ارتباكَ الإنقلابِ وتخبطَه ، وكشفت ضحالةَ وسذاجةَ وجهلَ مستشاريه القانونيين ، فأرونى أىَّ عبقرىً جرَّ علينا هذا الهراءَ الذى لم يسبقنا إليه أحدٌ من العالمين ، أتمنى أن أراه ، لأرى الخيبةَ تجرُّ أذيالَها ، وأخيرًا تساورُنى رغبةٌ فى الضحكِ من هذا القرارِ النكتةِ ، لكننى أبكى على ما وصلت بلادى إليه .

————

 رئيس محكمة المنصورة عضو المكتب التنفيذي لحركة قضاة من أجل مصر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق