عن صناعة الملاهي في مصر
بقلم: وائل قنديل
30/3/2016
كل مرةٍ، يبدو فيها نظام عبد الفتاح
السيسي مكشوفاً مفضوحاً، تميل الذهنية الغارقة في نظرية المؤامرة إلى
اعتبار ما يجري سيناريو شيطانياً للإلهاء والتعتيم والتغطية على ملفات أهم
وأخطر.
أقرب مثال حادث الطائرة المخطوفة إلى مطار
لارناكا في قبرص، أمس، إذ اندلعت تحليلاتٌ وقراءاتٌ تمنح هذا النظام
البليد شهاداتٍ بالنبوغ والعبقرية في صناعة الملهيات والمشهيات، وخطف الناس
مما لا يريد التركيز عليه، إلى ما يريد الثرثرة حوله، فقيل ضمن ما قيل
إنها محاولةٌ للتغطية على واقعة إعفاء المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز
المركزي للمحاسبات، ومنعه من السفر.. وأيضاً التفلت من فضيحة اختراع عصابة
جوليو ريجيني، باصطناع حدثٍ هائلٍ يخطف الأنظار ويحبس الأنفاس.
يثير الدهشة، هنا، أن الذين يسبغون على
النظام هذه القدرات الرهيبة في الشر، هم أنفسهم الذين كانوا حتى ساعاتٍ مضت
يعتبرون أن إثارة موضوع المستشار جنينة، بعد حديثه المروع عن حجم الفساد
في المؤسسات الحكومية، كان يعتبرونه فقرة من فقرات إلهاء الناس وحرفهم عن
القضايا الأهم، وبلغ الشطط ببعضهم أن رأوا في المستشار جنينة عنصراً
أساسياً في لعبة النظام بالعقول والأبصار، وأنه يؤدي دوراً مرسوماً، لإشعال
حرائق الكلام، للتغطية على الأهم.
عن الدهشة من هذا التسليم المجاني الكامل
بشطارة النظام، أكرّر استغرابي من ألا يجد بعضهم في مأساة هشام جنينة، سوى
أن السلطة الحالية تستخدمه لإلهاء الناس عن ذكرى الثورة، واصطناع الحكايات
والحواديت المسلية لخطف الأبصار عن الموعد المضروب في الخامس والعشرين من
يناير/ كانون الثاني الماضي، من دون الانتباه إلى أن موضوع التربّص برئيس
جهاز المحاسبات، لكونه تحدث عن فساد النظام الحالي، يكفي لحشد الجموع من
الذين حلموا يوماً بوطنٍ بلا فساد، وبلا ظلم، وبلا إقطاع غشوم، وغشيم، يمتص
أرزاق البلاد والعباد، ويعيد ثنائية الأسياد والعبيد.
أريد أن أسأل هؤلاء الآن: ماذا بعد أن
رأوا رأس هشام جنينة طائراً، لأنه تجرأ ووضع يده في عش الزنابير، وأزعج
الفساد في مضاجعه، وحك أنف الفاسدين بتقريره التاريخي؟ ما رأيكم وأنتم
تشاهدون من اعتبرتموه مشاركاً في جريمة إلهاء، ضحية لجريمة ضد كل شيء محترم
في مصر؟.
نعم، حاول النظام استثمار واقعتي التخلص
من توفيق عكاشة وأحمد الزند، في إيهام الناس بأنه ليس سليل التطبيع
والفساد، فبدت عملية "شلح" الأول برلمانيا، والثاني وزاريا، وكأن عبد
الفتاح السيسي يقود الحرب ضد رجال إسرائيل، ورجال الاستبداد القضائي، غير
أنك لو دقّقت جيداً ستكتشف أن المحصلة أنه أطاح مطبعاً ضئيلاً لكي يحافظ
على حرارة التطبيع في معدلاتها التي يريدها، كما ضحّى بالزند، لكي يحتفظ
بنظام الزند القضائي.
ليس عليك إلا أن تنظر في الثمن الفادح
الذي دفعه القضاء المحترم، مقابل إنزال الزند من حافلة السلطة، مذبحة أطاحت
عشرات القضاة، وعزلت رئيس الجهاز المعني بمكافحة الفساد، المستشار جنينة،
كي تستمر منظومة الزند القضائية فاعلة وحاكمة.
وإلى أي مدىً، ستظل الثورة تواصل نزيف
الفرص لخوض معاركها الحقيقية، وأظن أنها كانت ثورةً على الفساد، وتنشغل
ببهلواناتٍ يقدمون ألعاباً أكروباتية في سيرك البدائل، المحلية والمستوردة،
من دون اقترابٍ حقيقيٍّ وجاد من اعتبار الثورة نفسها هي البديل الوحيد
الذي يمكنه الصمود في مواجهة كل هذا الفساد وكل هذا الانهيار؟.
ليس بعيداً عن ذلك الذهاب في موضوع خطف
الطائرة إلى أن النظام بلغ من المهارة والتفوّق ما يجعله يفتعل أمراً بهذا
الحجم والخطورة، لكي يضحك على الداخل والخارج، معاً، ويسحب الاهتمام
والتركيز إلى مساحاتٍ أخرى، وهو ما يعطي النظام علامات نجاحٍ وتفرد، هو
نفسه لا يراها فيه، ولا يدركها، لتتحول القصة من فسادٍ وإهمال ضاربيْن
بجذورها في العمق الأمني والإداري لدولة السيسي، إلى مهارات لاعبٍ حريف في
الخداع والمراوغة.
لا أدري إلى متى سوف تستمر هذه المعادلة:
كلما سجّل النظام هدفاً في مرماه، رد بعض معارضيه بهدفين في مرمى الثورة،
أو على الأقل لا يعترفون بصحة الأهداف التي يسجلها النظام البليد في نفسه؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق