الأربعاء، 4 ديسمبر 2013

محمد كمال يكتب : " السيسى " و الصراع الداخلى فى أمريكا والسعودية

محمد كمال يكتب : " السيسى " و الصراع الداخلى فى أمريكا والسعودية
محمد كمال
  
اطمأن "السيسى" تماما لخطة الانقلاب المبنية على رؤية استراتيجية ثلاثية ظنها متقنة؛ وهى:
المحور اﻷول: الإجهاز السريع على "الرئيس" ومؤيديه عبر القوة العسكرية.
المحور الثانى: التأييد غير المشروط من "أمريكا" للانخراط فى المجتمع الدولى.
المحور الثالث: الدعم الإقليمى عبر المال والنفوذ السياسى "السعودي".
والمحور الأول كان أوثق الخطوات الاستراتيجية "للسيسى" لأن تفاصيله بيده، كما أنه قد درس موقف "الرئيس" ومؤيديه جيدا، وبالشكل الذى أكد له أن مقاومته ستكون ضعيفة للغاية، لاسيما بعد الدعاية الشعبية ضده وضمان التأييد الشعبى لعزله.
وبناء على النجاح المتوقع فى المحور اﻷول فقد كان مطمئنا لتعاظم الدعم الأمريكى لأن المصالح المتبادلة مقدور على تحقيقها، "فالسيسى" قدم نفسه على أنه استمرار لولاء الجيش المصرى للقرار الأمريكى، وبالتالى فإن الطلبات الأمريكية المطلوبة منه مؤكدة التحقيق مهما علا سقفها!
وقلنا سابقا إن عرض "السيسى" فى هذا الإطار هو "ضمان التمدد الإسرائيلى" بعد أن كان دور "طنطاوى" هو "ضمان الأمن الإسرائيلى"، أما "أمريكا" فستقدم الوافد الجديد باعتباره زعيم ثورة شعبية، لتفتح له صناديق التمويل الدولية، والعلاقات الواعدة مع الدول المانحة.
وبخصوص العلاقة مع "السعودية"، فقد كانت أيضا مبشرة للغاية، حيث يمنحهم "السيسى" الأمان من تصدير الثورة إلى الديار السعودية الهشة، عبر تحجيم الثورة الأهم فى "مصر"، وتقليم أظافر القيادة الكبرى للثورة وهى "الإخوان".
ويكون ذلك فى مقابل الدعم المالى السخى لمصاريف الانقلاب، ثم المساندة فى المرحلة الانتقالية، وكذلك الدعم السياسى بممارسة "السعودية" نفوذها لحشد الدول الخليجية لتصطف وراء "السيسى" وتدعمه ماليا وسياسيا.
 لا نتكلم طبعا عن ظهير سياسى مهم للانقلاب وهو الحكومة الصهيونية، حيث يتأجل دوره لخطورة تدخله الظاهر فى المرحلة الأولى نظرا للكراهية الشعبية التى تحظى بها حكومة الاحتلال.
إذن الخطة محبوكة وقد تؤكد وجهة النظر التى ساقها "يسرى فودة" عن "السيسى" بأنه (رجل ذو رؤية ثاقبة يستطيع قراءة الأحداث)!
فما الذى حدث لهذه الاستراتيجية؟!
ببساطة شديدة كانت استراتيجية طفولية لم تدرك الحقائق على الأرض.. لماذا؟
أولا: فيما يتعلق بالشأن المصرى فقد كانت الحسابات مضللة "للسيسى"، ولم يعرف أن التزييف الإعلامى، وتشويه شخص "الرئيس" لا يصلح أن يُبنَى على أنقاضه حكمٌ يحظى بالرضا الجماهيرى، خاصة بعد ثورة يناير الكبرى التى يطالب فيها الشعب حكامه بمطالب كبيرة للغاية من عيش وحرية وعدالة وكرامة.
كما أن حساباته كانت خاطئة تماما فى توقع ردة الفعل الجماهيرى لمؤيدى "الرئيس"، من حيث الحشود أو الصمود، والتى تحولت إلى ثورة كاملة، كما أن حساباته كانت خاطئة من حيث قاعدة مؤيديه، والتى تأكد أنها لا تقوى على خوض صراع سياسى جماهيرى، ضد فصيل لا سقف لتضحياته أو ﻹصراره مثل مؤيدى الشرعية.
ومن ثم فقد انهارت حسابات الداخل ولم يصل الرجل إلى مبتغاه منها، رغم تضحيته بسمعة الشرطة تماما، ثم بالحكومة التى خذلته، ثم "بالقضاء الفاسد" صاحب أحكام الـ17 والـ11 عاما للشباب والفتيات المتظاهرين، وامتدت التصدعات والشروخ إلى داخل البيت الانقلابى، سواء لدى ضباط الجيش كما شرح "صفوت الزيات" أو لدى الصف السياسى الموالى له والذى كان قانون التظاهر هو الحجة المعقولة ﻹنهاء زواج المتعة معه، والانضمام لثوار الشرعية بشكل أو بآخر.
والآن يقف" السيسى" كالتلميذ البليد ينتظر المراقب الذى يأتيه "بالبرشام" ليغش، ولكن المراقب يتلكأ والوقت يمر.
ينتظر "السعودية" و"أمريكا":
أما "السعودية": فتعانى حالة انهيار داخل الأسرة الحاكمة للدرجة التى تنبأت بعض الدراسات (المركز اﻷمريكى والعربى للدراسات) بتعرضها لانقلاب، وهى نفسها تعتمد على دعم أمريكى مراوغ لبقائها فى السلطة آمنة من التهديدات الإقليمية، وقد كان مدهشا أن "السعودية" ما زالت تلوم حليفها الأمريكى على تخليه عن "مبارك" وذلك فى أثناء مفاوضات "جنيف" التى جرت مع" إيران"، والتى أبدت فيها "السعودية" تخوفاتها أيضا من النفوذ الإيرانى المتعاظم، والذى من شأنه أن يهدد نفوذ الأسرة الحاكمة، والمعلوم أن "الملك عبد الله" خارج الخدمة تقريبا، ولا يسد الخانة عنه ولى عهده ووزير دفاعه ذو الـ76 عاما لأنه -بدوره- فى حالة صحية متواضعة وصفته بأنه (لا يركز فى التفاصيل!) وليست هنالك رؤية واضحة للتاج السعودى بعد وفاة اثنين من أولياء العهد، وزاد المصاب ألما اضطراب السياسة الخارجية السعودية بسبب عدم قدرة وزيرها "سعود الفيصل" على متابعة عمله لدرجة تمثيل نائبه (وابن الملك) فى قمة عدم الانحياز "بطهران".
فإذا أضفت الاضطرابات الحادثة فى "القطيف" و"المنطقة الشرقية" التى تغذيها بعض دول الجوار، فستعلم أن (المحور السعودى) فى حالة يرثى لها ويخشى أن يفتح على نفسه بابا من الثورة بسبب الصمود اﻷسطورى لثوار مصر، وتسرب الغضب من دعم الانقلاب إلى دوائر متنفذة وشعبية، فى وقت أراد أن يحمى نفسه من هذه الثورة بتأييد هذا الانقلاب!... كما يخشى الحكام من عاصفة تدق الباب الملكى لتنذر بانقلاب داخلى إما عسكرى أو دموى كما توقعت الدراسة المشار إليها. لذا فالدعم السعودى فى طريقه للانسحاب.
أما بخصوص "المحور الأمريكى"، فلم يتحسب "السيسى" لطريقة اتخاذ القرار السياسى هناك واعتمد على دعم "تشاك هاجل" وزير الدفاع الأمريكى، لكن الأمر ليس بهذه السذاجة "الســيســية".
فالرئيس "أوباما" حوله ثلاثى نسائى يُشكِّل طريقة حكمه من "البيت الأبيض"، وفى مواجهة هذا "الثلاثى النسائى" هناك "وزارة الخارجية".
ومن هؤلاء الثلاثى السيدة "سوزان رايس" مستشارة الأمن القومى والتى تتصادم رؤيتها تجاه الانقلاب مع رؤية وزارة الخارجية بقيادة "جون كيرى".
فالسيدة "رايس" وزميلتاها "سامانثا باور" السفيرة الدائمة بالأمم المتحدة و"فاليرى جاريت" مستشارة "أوباما" السياسية... هذا الثلاثى يمثل (الانتماء) للرئيس وإظهار الوجه اﻷخلاقى فى سياساته، أما الخارجية فهى تلتزم (بالاستراتيجية) العامة لمصالح الدولة.
أى أن فريق (البيت الأبيض) يبحث عن المكاسب الآنية لتدعيم (مكانة الرئيس)، أما الخارجية فتواجه تحديات استراتيجية ترغمها على البحث عن (مصالح أمريكا).
وهذا التناقض هو ما يجرى الآن؛ فالوزير (كيرى) خالف تعليمات (رايس) فيما يتعلق "بمصر"، و(رايس) كانت قد أصدرت تعليمات بضرورة التشدد فى الموقف تجاه الإدارة المصرية الجديدة، خاصة بعد المقاومة المجيدة التى فضحت الانقلاب، وخشى "البيت اﻷبيض" من تهديد صدقية الرئيس إذا اعترف بانقلاب على رئيس أتت به انتخابات ديمقراطية نزيهة، أما "كيرى" فقد فاجأ العالم و"البيت الأبيض" نفسه بتصريح من 19 كلمة دعم فيه الانقلاب واعتبر أن "الإخوان" سَرَقْت الثورة.
ولم يستطع الفريقان إخفاء الخلاف وظهر التناقض فى الميديا الأمريكية، لأن الخلاف بين مؤسسة الأمن القومى ووزارة الخارجية قديم، وكل رئيس يعطى وزنا نسبيا مختلفا لكلا الفريقين فحين كان "كيسنجر" رئيس فريق الأمن القومى فى عهد "نيكسون" كان وزنه أعلى من الخارجية فلما حمل "كيسنجر" حقيبة الخارجية انتقل معه مركز التأثير والثقل.
والرئيس أوباما -بشكل قاطع- يعطى وزنا أكبر "لمجلس الأمن القومى"ولرئيسته "رايس".
ولكن شخصية "كيرى" المدعوم من "الكونجرس" تجعل الكفة متوازنة، مما يجعل القرار مشلولا فى حالة الخلاف (كما الحال نحو الانقلاب)، ومن هنا يصطدم فريقان قويان مما يضعف موقف "أوباما"، لذا رأينا رسائل متناقضة للانقلابيين "بمصر"، ويقولون هناك إن الأمر لو كان بيد "كيرى" و"هاجل" لما توقفت المعونة الأمريكية، ولكنه تأثير (رايس) والأمن القومى.
والذى يراه الكثيرون أن اﻷمور تسير فى اتجاه تغليب موقف الأمن القومى بالتشدد تجاه الانقلاب مع استمرار المقاومة الشعبية له، رغم كفاح الخارجية الأمريكية لدعم "السيسى".
وأخيرا …
إذا رأيت معى أن المقاومة العنيدة للانقلاب قد أفشلت المحاور الثلاثة، فإن هذا يدعونا لتوسيع نطاق العمل ليشمل وفودا خارجية محترفة تستطيع الخطاب المسئول، وتؤكد الاستراتيجية التى انتهجها "الرئيس مرسى"، وهى (لسنا أعداء ﻷحد كما أننا لسنا عملاء ﻷحد).
كذلك فإن الصمود وتطوير الثورة بالداخل هما أكبر ضمانة لانهيار استراتيجية الانقلاب.
فاشلون ومهزومون وقتلة... ثم يريدون حكمنا!!
مكملين.
لا رجوع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق