مبادرة لإنقاذ مصر
بقلم د. عبد الله هلال
أدى الصراع السياسي غير الرشيد وتغييب العقل والإصرار على بث الكراهية بين
مكونات الشعب المصري، كوسيلة سهلة للقضاء على ثورة 25 يناير؛ أدى إلى
تهديد مستقبل مصر بل وقرب انهيارها إذا ما استمر هذا الوضع- لا قدر الله.
ولا يجادل أحد في أن مصر الآن في وضع خطير لا تحسد عليه، إذ لم يعد هناك
حكماء أو مَن يمكن اعتبارهم محايدين أو مستقلين لكي تستمع إليهم الأطراف
المتصارعة، فقد نجح إعلام (السحَرة) في شق الصفوف والتفريق حتى بين المرء
وزوجه، كي لا نستطيع الوصول إلى أي توافق. فإذا أضيف الوضع الراهن- الذي
يمكن أن يعيدنا إلى الخلف عقودا- إلى الموروث الرديء من التخلف والعشوائية
والإهانة للمواطنين الذي استمر عقودا، فإننا نكون بحق على شفا الانهيار،
والعياذ بالله.
ويحضرني ما أورده المؤرخون عن السلطان
سليمان القانوني الذي حقق الرخاء والرفاه بجميع أنحاء مملكته، فقد كان يدرك
من عِبَر التاريخ أن كل دولة قوية لا بد أن يأتيها يوم تواجه فيه الضعف
والانحلال، لأن حكمة الله تعالى أن (لكل أمة أجَل). وتساءل الرجل: أيكون
هذا هو مصير الدولة العثمانية أيضا؟ وهل هناك وسيلة لتجنب هذا المصير؟
وانشغل ذهنه بهذه القضية، وعندما احتار عقله قرر طرح هذا السؤال على
العالِم المشهور "يحيى أفندي" فكتب له رسالة ضمّنها سؤاله: "أنتم ملمون
بمعرفة العديد من الأسرار، لذا نرجو منكم أن تتلطفوا علينا وتُعلمونا متى
تنهدم الدول؟ وما عاقبة الدولة العثمانية ومصيرها؟". وجاء جواب يحيى أفندي
قصيرا ومحيِّرا: "ما لي ولهذا أيها السلطان؟ ما لي أنا؟". تحير السلطان
سليمان من هذا الجواب: هل يتضمن معنى سرّيا لم يفهمه؟ ولم يجد مفرا من
الذهاب بنفسه إلى يحيى أفندي- الذي كان أخاه في الرضاعة- وكرر السؤال مضيفا
إليه في لهجة عتاب: "أرجو منك يا أخي أن تجيب على سؤالي وأن تعد الموضوع
جديا وخبرني ماذا قصدتَ من جوابك؟". قال يحيى أفندي ما ينبغي أن يعيه كل
مصري وعربي الآن: "أيها السلطان؛ إذا انتشر الظلم في بلد وشاع فيه الفساد
وقال كل من سمع وشاهد هذا الظلم والفساد "ما لي ولهذا؟" وانشغل بنفسه فحسب،
وإذا كان الرعاة هم الذين يفترسون الغنم، وسكت من سمع بهذا وعرفه، وإذا
ارتفع صراخ الفقراء والمحتاجين والمساكين وبكاؤهم إلى السماء، ولم يسمعه
سوى الشجر والمدر، عند ذاك ستلوح نهاية الدولة، وفي مثل هذه الحال تفرغ
خزينتها، وتهتزّ ثقة الشعب واحترامهم للدولة، ويتقلص شعور الطاعة لها،
وهكذا يكون الاضمحلال قدَرا مكتوبا على الدولة لا مفر منه أبدا".
إن هذا الكلام الطيب يعتبر بمثابة إنذار لنا في مصر، فإذا كان ما نحن فيه
الآن يؤدي إلى انهيار الدول المتقدمة والغنية، فما بالنا نحن وقد جثم على
وطننا التخلف والانحلال لأكثر من ستة قرون؟ ألا ينبغي في هذا الظرف المرعب
أن ننسى خلافاتنا وتعود وحدة الصف إنقاذا لحاضرنا ومستقبلنا؟
أعلم
أن الأمر ليس سهلا بعدما حدث من تسميم للعقول والنجاح الباهر لإعلام
السحَرة في شق الصفوف، برغم ما يقدم من خرافات لا تتفق مع العقل، ولكن
المثل يقول (الزن على الوِدان أقوى من السحر). ولا يختلف اثنان أن استمرار
الوضع الراهن يعد كارثة كبرى بجميع المقاييس، وأنه لابد من البحث عن صيغة
للوسطية والتوافق. فقد انقسمنا إلى طرفين متنافرين لا ثالث لهما تقريبا، ما
يصعب وجود من يمكن أن يستمع إليه الجميع. والمشكلة أن كلا من الطرفين لديه
من المبررات ما يجعله يتمسك برأيه ويصر عليه. وهذا يطيل أمد الخلاف ويعقد
الأزمة الخانقة التي تهدد الوطن. فالطرف الذي يتمسك بالخيار الديمقراطي
الذي لم نظفر به إلا بدماء شهداء الثورة سبيله الوحيد عودة الشرعية
الدستورية، والطرف الآخر لديه القوة التي تمكنه من المراوغة ومحاولة فرض
الأمر الواقع. وإذا افترضنا أن هذا الانقسام يشق الوطن إلى نصفين، متساويين
تقريبا، فالحكمة والعقل يقتضيان البحث عن حلول وسط يقبلها الجميع. ونظرا
لأن الإعلام نجح في خلط الأمور تنفيذا لخطة عناصر الثورة المضادة بحتمية
ترسيخ الكراهية لمن اختارهم الشعب لكي يصل الناس إلى تقبل ما يكرهون بمقولة
(نار العسكر/ أو الفلول/ ولا جنة الإسلاميين) ونظرا لأن الإسلاميين
يتحملون جزءا من المسؤولية بتجاهلهم لخطورة الثورة المضادة، ما أوصلنا لهذا
الوضع المتأزم؛ فلابد من قبول بعض التنازلات من أجل مصر. وبداية: لا نظن
أن الدكتور محمد مرسي يقبل على نفسه أن يعود إلى الحكم بعد كل ما حدث من
دون أن يطلب تجديد البيعة له، وأعتقد أن هذا ينطبق على الإخوان عموما، وهذا
يسهل حل المشكلة. لذا نطرح هذه المبادرة التي تعيد الأمور إلى الشعب، صاحب
المصلحة، وتستند إلى ضرورة العودة إلى المسار الديمقراطي الذي لا يرفضه
إلا فلول النظام المخلوع وهم قلة:
- احترام الدستور الذي وافق عليه الشعب باعتباره أهم مكاسب ثورة 25 يناير.
- العودة المؤقتة للرئيس المنتخب لكي يدعو إلى استفتاء فوري باستمراره رئيسا أو الدعوة لانتخابات مبكرة.
- في حال الموافقة على استمرار الرئيس مرسي، يقوم بالدعوة إلى انتخابات جديدة لمجلسي الشورى والنواب.
-
في حال عدم الموافقة على استمراره رئيسا، وحتى لا يحدث فراغ دستوري: يعود
مجلس الشورى لمدة محددة يصدر خلالها قانون انتخابات مجلس النواب، الذي يقوم
بعد انعقاده بإجراء التعديلات اللازمة على الدستور، وتقوم الحكومة
المنبثقة عن المجلس بإجراء الانتخابات الرئاسية بعد إصدار القانون
الانتخابي اللازم.
- في الحالين تعلن جماعة الإخوان المسلمين العودة إلى النشاط الدعوي وترك العمل السياسي لحزب الحرية والعدالة.
-
يعود الجيش إلى ثكناته، ويحول نشاطه الاقتصادي إلى قطاع منفصل للخدمة
المدنية يتبع وزارة الدفاع، على غرار وزارة الإنتاج الحربي. ويتفرغ الجيش
للتدريب والإنتاج الحربي.
- إجراء مصالحة شعبية بين الشرطة والشعب.
المصدر: الجزيرة مباشر مصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق