الأربعاء، 24 سبتمبر 2014


من يدير الإعلام فى مصر؟!

بقلم: عامر شماخ

لفت نظرى منذ سنين -باعتبارى دارسًا ومتخصصًا فى الإخراج الصحفى- تكرار عناصر الصفحة الأولى (مانشيتات، صور، أخبار) فى أكثر من صحيفة فى توقيت واحد، رغم اختلاف ملكياتها، فما كنت أراه فى (الأهرام) -مثلا- كنت أجده فى (المصرى اليوم) أو فى (الدستور)، رغم أن الأولى قومية (حكومية) والأخيرتين مستقلتين (خاصتين).

ولنيتى الطيبة، كنت أعتقد أن الزملاء المشرفين على الصفحة الأولى فى الأهرام، محررين ومخرجين، هم أنفسهم من يشرفون على الصفحة الأولى فى الصحف الأخرى، وكنت أبرر هذا الاعتقاد بأن كثيرًا من الصحفيين الذين يعملون فى صحف حكومية، يعملون أيضًا فى صحف خاصة فى أوقات إضافية.

لكن بعد أن وقع الانقلاب الدموى أصبحت الأمور أكثر وضوحًا، ولم يعد هناك حرج لدى (الجهات السيادية) فى أن تعلن فى (الوسط الصحفى) أنها من تقوم بتوزيع الصور والمانشيتات والأخبار (المهمة!!) على الصحف التابعة لها، كما يلحظ القارئ الكريم هذه (السنة) التى ابتدعها العسكر بشكل يومى الآن، فكثيرًا ما تجد صورة بعينها (وبكادر محدد) منشورة فى أكثر من صحيفة، وكذلك (مانشيتات) لا تنقص ولا تزيد كلمة واحدة موزعة بين أكثر من صحيفة فى الوقت ذاته.

وبهذا يكون قائد الانقلاب قد صدقنا -وهو كذوب- إذ أعلن منذ فترة أنهم نجحوا -أى العسكر- فى صناعة (أذرع أعلامية) تهيئ الرأى العام لتقبل أكاذيبهم والقناعة بما ينزلونه على الشعب من مصائب ومحن.

وهذه الأذرع الفاسدة هى التى أوصلتنا إلى ما نحن فيه من ابتذال سياسى وضياع اقتصادى وتفسخ اجتماعى، وتقسيم وفرقة؛ إذ بدلا من أن يكون الإعلام وسيلة تنمية ورقى وإصلاح للأوضاع المقلوبة، صار موجهًا بطريقة تعسفية نحو فرض آراء بعينها على الجماهير، وفى الوقت ذاته لم تتح الفرصة لآراء أخرى بالوجود، والتى لو وجدت لردت تلك الآراء المستبدة القائمة على الكذب والتدليس، لكن هكذا الأنظمة العسكرية العلمانية الفاسدة؛ حيث لا يُسمح لأحد بأنه ينتقد أو يرد، أو حتى يفكر -مجرد التفكير- فى هذين الأمرين.

والحق يقال إن الإعلام الآن هو السلاح الأقوى دون منازع، فلم تعد الجيوش تغزو الدول كما كان فى السابق، بل يغزوها الإعلام، ولم يعد الحكام والحكومات يديرون البلاد وينفذون القوانين والتشريعات بسلطة القهر والإرغام وإنما بالحملات الإعلامية وتوجيه الرأى العام وحشده، كذلك صار للإعلام دور رئيس فى الصراع السياسى بين الفرقاء، فربما قلب الحقائق تمامًا وجعل المنكر معروفًا والمعروف منكرًا..

وهو عين ما رأيناه فى مصر المحروسة على يد إعلام (الشئون المعنوية) فى السنوات الأربع الماضية، فكأن القنوات الفضائية والصحف والمجلات ومواقع النت تنطق بلسان واحد، وتتوصل لنتيجة واحدة، وتعبئ الجماهير للاقتناع بأشخاص ومواقف بعينها، ربما قدحت منذ أسابيع أو أيام فى هؤلاء الأشخاص أنفسهم والمواقف ذاتها.. وللأسف فإن الجهل السياسى المسيطر على شعبنا لعقود سود قضاها تحت حكم العسكر، جعله يصدق كل ما يأتى به هذا الإعلام ولو كان مخالفًا للشرع والدين -إلا من رحم ربى ممن علموا الجهة الحقيقية التى تدير الإعلام فى مصر.

وإذا كانت تلك حالنا الإعلامية، فلا عجب أن تكون حالنا السياسية على الوتيرة نفسها، وما يستتبع ذلك من تخلف وتردٍ، فليس فى التاريخ دولة ناجحة قامت على الاستبداد والقهر والانفراد بالرأى والتعتيم على الآخرىن -لمخالفة ذلك لفطرة البشر وطبيعة الإنسانية التى رحمها الله بالاختلاف بين أفرادها- ولو استمرت مثل تلك الدولة فى الحكم لفترة، فإن زوالها يكون فجائيًا سريعًا، مخلفة وراءها كوارث ومصائب لا حصر لها.

أليس من هؤلاء رجال راشدون يدلّون بقيتهم على الحق والصواب، وينذرونهم مغبة ما يفعلون بالبلد؛ من تضييع لأمنه القومى، وتشتيت لشمل أبنائه، وزرع فسائل الفرقة والتنابز والحروب؟!.. إن ما يجرى الآن جرى مثله من قبل، وفى هذا البلد ذاته، لكن يبدو أن للغباء رجاله كما للكيس والفطنة رجالها.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق