دولة الباشوات الأمناء!
بقلم: أ. د. حلمي محمد القاعود
تنتقل دولة العسكر من فشل إلى فشل، ومن أزمة إلى أخرى، وانتهت كما هي عادة الانقلابات العسكرية إلى ديكتاتورية صريحة تقضي على كل رأي مخالف، وتستبيح كرامة كل مصري لا ظهير له ولا سند. وأضحى ساري عسكر بونابرته فرنساوية الذي ادعى أنه جاء ليحرر مصر من صراع المماليك، ويرفع راية الإسلام، أول من يحارب الإسلام، ويشعل صراع الفرقاء، ويقصف الشعب يوميا بالبارود والرصاص الحي والغاز المسيل للدموع والأمخاخ.
فشل ساري عسكر في حل مشكلات الناس اليومية، وهي المشكلات التي فاقمها وجعل منها مسمار جحا لينقض على الشرعية، ويهين الإرادة الوطنية، ويأسر الرئيس الشرعي للأمة، ويعتقل عشرات الألوف من أبنائها الأطهار الأشراف، ويحاكمهم محاكمات ظالمة يرقبها خالق الأرض والسماء.
لم يستطع ساري عسكر أن يحل مشكلة واحدة من مشكلات الكهرباء والمياه والبنزين والسولار والخبز والتموينات، وأضاف إليها تحميل المساكين والفقراء مضاعفة الأسعار في السلع والمواصلات والخدمات والعلاج والدواء. وعندما قيل له إن الانقلاب كان بسبب هذه المشكلات التي تفاقمت الآن، زعم أن الانقلاب كان من أجل الهوية ّ! أي إنه كان حريصا على هوية أخرى غير هوية الإسلام التي كان الرئيس محمد مرسي – فك الله أسره - سوف يقودنا إليها حسب مزاعمه!
في خميس الظلام التاريخي 4/9/2014م، زفت إلينا إذاعة البرنامج العام وكانت الوسيلة الإعلامية المتاحة بحكم أنها تعمل بالبطاريات، نبأ متابعة ساري عسكر لانقطاع الكهرباء، وتوقف حركة المترو والمطار والبنوك والنت والقناة وماسبيرو ومدينة الإنتاج وتعطل المصانع معظم النهار، وصراخ مواطني "تسلم الأيادي" من بؤس حياتهم وثلاجاتهم ومستشفياتهم التي مات فيها بعض المرضى وأطفال الحضانات، أما شعب الشرعية فلم يعد متاحا له الصراخ، يا حسرة على وطني!
الفشل الأعظم تمثل في الأمن المفقود، فالجندرمة لم تحافظ على سلامة الناس وأموالهم وممتلكاتهم، وصار الرصاص الحي يتدفق بلا رحمة ولا خوف من الله ضد الشباب الثائر الذي يعلن رفضه لدولة العسكر وممارساتها العدوانية الوحشية. لم تكن الجندرمة في يوم ما في صف الشعب المظلوم بل كانت ضده، لدرجة أن المثل الشعبي راح يؤكد في كل المناسبات " إن كان ذراعك عسكري اقطعه!" وهذا مثل يصف واقع الجندرمة بتركيز شديد. ولا أدري ماذا يقول من صاغ هذا المثل لو عاش في زماننا، ورأى القسوة الوحشية غير المسبوقة من جانب الجندرمة الفاشلة ضد الأبرياء والأحرار وأبناء الوطن الذي يمنحهم من قوته وعرقه فوق ما يستحقون، ومع ذلك يقابلون هذا التدليل بمزيج من القسوة والوحشية والدموية.
أحد أقاربي كان يهتف لساري عسكر، ويغني للانقلاب العسكري الدموي الفاشي الذي سيجعل الكهرباء مستمرة طوال اليوم والليلة وسيحل المشكلات جميعا، ويرفع صوته بغناء "تسلم الأيادي"، الآن ينزل يوميا صاغرا من مسكنه في الأدوار العليا إلى الدور الأرضي لتشغيل الموتور الذي اشتراه واستدان ثمنه. إنه الآن لا يتكلم ولا ينطق، وإن كان يحاول أن يلقي بالتبعة والمسئولية على الشعب كله الذي لا يؤدي واجبه! لم يقل ذلك أيام الرئيس مرسي – أزال الله كربه - بل كان يسبه ويلعنه ويذكر اسم أمه بما لا يليق! آه يا قريبي المنافق ماذا ستقول غدا عندما يواصل ساري عسكر مسيرته الدموية مستعينا بأذرعه الإعلامية المأجورة التي تسعى لتبيض أعماله بالبهتان والزور والتلفيق ويصيبك منها بعض الرذاذ؟!!
الجندرمة أفرزت جنسا ثالثا كتبت عنه مرات، وهو جنس أمناء الشرطة الذين لم يصيروا ضباطا، ولم يكونوا عساكر عاديين!
الضباط يقتلون الناس لأنهم أحيطوا علما أنهم لن يحاكموا على قتل أي مخلوق من أجل تحقيق الأمن والطمأنينة للشعب، ولكنهم يقتلون ببساطة دون أن يحققوا أمنا ولا اطمئنانا.
في دمنهور دخل الضابط الفرحان بالنجمة أو النجمتين على كتفيه إلى عيادة الأسنان، وأخرج مسدسه الميري أو الحكومي، وأطلق النار على رجل يقال إنه رفض أن يزوجه بنت أخته فأرداه قتيلا في الحال أمام عيون المرضى الذين ينتظرون العلاج! يبدو أن القتيل نسي أن العسكر سادة البلد، وأنهم يأمرون فيطاعون، ويشيرون فيجابون، حتى في الزواج الذي يقوم على الرضا والقبول!
ومن قبله قتل ضابطان أكثر من أربعين معتقلا في سيارة الترحيلات بالغاز، وتم تبرئتهم عيني عينك.. كما حصل من قتلوا قرابة ألف متظاهر في ثورة يناير على البراءة في كل القضايا! فماذا لا يكون الجنس الثالث من أمناء الشرطة مثل الضباط؟ إنهم يمثلون عمود الأمن وذراعه. الضباط يتركون لهم العمل باسمهم، والعساكر العاديون يرونهم أفضل منهم ويفهمون أكثر منهم. فلماذا لا يمارس الأمناء الباشوات القتل أيضا؟
أتذكرون الأمين الذي أطلق عليه السُّنّي؟ قتل عددا كبيرا أمام أحد الأقسام، وبعد محاكمات عديدة نال البراءة والتقدير العظيم لأنه كان يدافع عن النفس؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق