الأحد، 20 أبريل 2014

أخطاء الإخوان.. أوهام - بقلم: د. هاني إسماعيل

 أخطاء الإخوان.. أوهام

بقلم: د. هاني إسماعيل

كلما نظرت إلى الوضع الراهن وما وصلنا إليه أسأل: فيمَ أخطأ الإخوان لنصل إلى هذه المرحلة القاسية وما فيها من آلام دامية أقلها تلك الدماء الزكية التي سالت – وما تزال – من خيرة أبناء الوطن، وفتياته؟

بعيدا عن جلد النفس أو إطراء الذات أحاول في هذا المقال أقدم قراءة موضوعية ومحايدة لأحداث ثورة 25 يناير وحتى اللحظة، وفي كل الأحوال هذه القراءة قراءة شخصية تعبر عن وجهة نظري وفي حدود ما أعلم.

السؤال الذي يطرح نفسه: ماذا كان على الإخوان فعله حتى تنجح ثورة يناير ولا ينقلب عليها العسكر؟

لم يكن أمام الإخوان سوى المشاركة في ميدان التحرير وقد أخذوا قرارهم بهذا وقد عوتبوا على تأخرهم في إعلان المشاركة الرسمية، ومع ذلك فقد شاركوا وكانوا في الصدارة وحموا الميدان من موقعة الجمل التي شهد الجميع من العدو والصديق أن الفضل يرجع لهم في حماية الميدان في هذا اليوم.

وقد أدرك العسكر – الذين انخدع فيهم الشعب المصري – أن الإخوان هم حجر العثرة أمامهم فحاولوا تدجين الإخوان عبر المشاركة السياسية، وكان العسكر يرغبون في إجراء الانتخابات في أسرع وقت حتى يتم سيناريو تولي مرشح عسكري – شفيق فيما بعد – الرئاسة بعد تدجين الإخوان وشباب الثورة بالمقاعد النيابية في مجلس الشعب والشورى والمجالس المحلية.

أراد الإخوان توسيع المشاركة السياسية وجمع الشمل، فأعلنوا عن تشكيل تحالف انتخابي لرفقاء الثورة فخرج التيار السلفي يرفض المشاركة ويعلن عن تشكيل تحالف إسلامي آخر ليخوض المعركة الانتخابية، كما رفض العلمانيون التحالف مع الإخوان وأعلنوا عن تحالف علماني مناهض للتيار الإسلامي بشقيه الإخواني والسلفي، وبهذا نجح العسكر في إشعال حالة الاستقطاب، فلم يكن أمام الإخوان إلا أن يستمروا في تحالفهم مع بعض الأحزاب وقد نجحوا في تحقيق الفوز، بمعنى أن الشعب رفض حالة الاستقطاب بين العلماني والإسلامي واتجه إلى حالة الانسجام بين الإسلامي والمدني.

وهذا هو النجاح الثاني للإخوان بعد حماية الثورة في الميدان، وهو أنهم تجاوزوا مرحلة الاستقطاب، وحققوا أغلبية أرقت المجلس العسكري الذي كان يدير البلاد – وما زال – مما دفعه إلى حل مجلس الشعب في نهاية المطاف.

بقيت المعركة الثالثة، معركة اللجنة التأسيسية التي خاضها الإخوان مجبرين بعدما تم تأجيج الاستقطاب بين الاتجاه العلماني والاتجاه الإسلامي، والذي كشفت الأيام فيما بعد حقيقته، فقد قام حزب النور باتخاذ موقف متشدد من العلمانيين باسم الحفاظ على الشريعة في الدستور، وفي المقابل قام العلمانيون بمهاجمه حزب النور (والإسلاميين عامة) باسم الحفاظ على مدنية الدولة، وقد نجح الإخوان في التوفيق بصعوبة بين الاتجاهين ليمر دستور للبلاد يحقق – ولو الحد الأدنى – من متطلبات الشعب والثورة.

وعلى مسار آخر كانت معركة من نوع آخر، وهي ترشح الإخوان للرئاسة في الأساس، وفي تقديري أن الإخوان دخلوا هذه المعركة مجبرين لا مخيرين، عندما حاول العسكر أن يقدم مرشحا عسكريا ليلتف على الثورة ويجهز عليها باسم الانتخابات الحرة النزيهة، وقد فطن الإخوان واتجهوا إلى اختيار رئيس توافقي فقوبل الأمر بالاستهجان من القوى السياسية والمعارضين، فبحث الإخوان عن مرشح رئاسي من خارجهم فأبى الجميع، فلم يكن هناك مفر من ترشحهم، خاصة أن الأيام كشفت أن المرشحين الآخرين الذين كانت تعول القوى السياسية المعارضة عليهم ليست لديهم الإمكانيات التي للإخوان، وسقطوا واحدا تلو الآخر بدون أن يدخلوا القصر الرئاسي، مما يعنى أن استدراجهم وإفشالهم كان سيبقى أمرا أسهل من مرسي والإخوان.

وهكذا نجح الإخوان في إفشال المخطط العسكري في الالتفاف على الثورة عبر صناديق الاقتراع.

ولكن السؤال المهم: هل نجح الإخوان في إدارة الدولة في العام الذي قضاه مرسي؟

الإجابة بعد 10 شهور من الانقلاب وبرغم كل النتائج الأليمة، لا نملك إلا أن نقول نعم، ولا برهان أكثر من المقارنة بين عام مرسي وعام الانقلاب، فقد كانت الأزمات أيام مرسي في جلها مفتعلة أو على الأقل كانت مؤسسات الدولة والإعلام ضده، وكان اعتماد مرسي على الاقتصاد المصري في الدرجة الأولى، في حين أن الانقلاب مدعوم بأموال الخليج، ويسخر مؤسسات الدولة لصالحه، ومع ذلك تعيش الدولة أسوأ مما كانت تعيش أيام مرسي.

وما يتبادر للذهن الآن: هل كان على مرسي أن يكون أكثر حزما مما كان عليه حتى يستتب له الأمر؟

قد حاول مرسي وجس نبض الشارع الثوري، فقامت الدنيا عليه ولم تقعد من المخلصين قبل المغرضين عندما أقال نائب مبارك الذي كان مطلب إقالته مطلبا جماهيريا وثوريا، ولكن لما اتخذه مرسي وقف الجميع ضده حتى لا تعود دولة الفرد! كما حاول مرسي أن يأخذ مواقف أكثر تشددا مع الإعلام ولكن القضاء فوت الفرصة عليه بالإفراج عن الصحفيين أو التأجيل (وضع القضايا في الثلاجة).

لم يكن أمام مرسي والإخوان إلا واحدة من اثنتين: إما الرضوخ للدولة العميقة بمعنى (التمسكن حتى التمكن) ولن يتم هذا الأمر إلا بأن يساير المياه الجارية فيبقى على الوساطة والمحسوبية وطبعا القضاء له نصيب الأسد، وقد أبدت الأيام ما كان خافيا من (نزاهة) و(إنصاف) امتاز به القضاء (الشامخ)!!، ولا ننسى أن مرسي أو الإخوان لو فكروا في تقديم أي تنازل لهاجمهم التيار الإسلامي عامة والسلفي خاصة بحجة أنهم مفرطون في شرع الله، وأنهم يتخذون من الدين ستارا للوصول إلى السلطة، ولنتذكر سويا موقف التيار الإسلامي من مقابلة مرسي للفنانين والممثلين، والتي دعاهم فيها لأن يكون الفن رسالة للمجتمع، فقد هاجمه الجميع وشنوا عليه حملة ضارية وكأنه تخلى عن ثوابت الدين!.

أما الخيار الثاني وهو الصدام واتخاذ قرارات جريئة ضد رءوس الأفاعي، وفي هذه الحالة كان سيقدم للعسكر هدية على طبق من ذهب لأنهم سيجدون المبرر في الانقلاب عليه بحجة أنه مستبد جديد وطاغية صاعد يسعى لاحتكار السلطة، وكان سيختصر عليهم المسافة، ويسهل لهم المهمة، ولو فرضنا جدلا أن مرسى أخذ أي قرار كهذا، مَن الذي كان سينفذ هذا القرار؟ الشرطة التي تحمل ثأرا من الشعب والإخوان، أم العسكر الذي يرى عدوه التقليدي يتربع على كرسي الرئاسة؟ ورأينا بأم أعيننا تخاذل الشرطة والجيش عن حماية رئيس الوزراء في صلاة جنازة شهداء سيناء، وتخاذلهم في حماية الرئيس نفسه.

ما وصلنا له اليوم هو الأمر الطبيعي والمتوقع، ولو كان من الإخوان خطأ فهو خطأ عدم توقع الانقلاب، وعدم الاستعداد له، ولكنه في كل الأحوال كان سيقع، ولو أخذنا بأي سيناريو غير السيناريو الذي صار به الإخوان كان الانقلاب سيتم تعجيله قبل 30/6.

وفي تقديري أن الإخوان كسبوا من هذه المعارك أكثر من قبل، فهم خرجوا من المعركة بشرعية جعلت من قضيتهم قضية عادلة على المستوى المحلي والدولي، كما دخلوا عقر بيت النظام وعرفوا كيف تدار الدولة ومدى نفوذ العسكر، من منا كان يتوقع أن العسكر هم الذين يحكمون ويسيرون الأمور في مصر، كنا نهتف: "الجيش والشعب يد واحدة"، ولكن اليوم عرفنا أن العسكر هم الطرف الثالث الذي كان يدبر ويخطط للقضاء على الثورة والذي يملك ثروات البلد ويحتكرها، ومن منا كان يتصور أن الفساد هو الأصل في مؤسسات البلد المختلفة بدءا من القضاء وانتهاء بأصغر موظف في الدولة.

خرج الإخوان من المعركة وقد جعلوا من القضية قضية شعب وليست قضية إخوان، خرج الإخوان من المعركة وقد أماطوا اللثام عن الوجه القبيح لقيادات كنا نظن فيها خيرا، خرج الإخوان وأصبحت الحقيقة كالشمس في كبد السماء.

ومن السذاجة السياسية أن يظن المرء أن المعركة ستنتهي في أيام أو شهور أو من جولة أو جولتين، بل على المرء أن يفطن أن المعركة بدأت الآن، وأننا نخوض معركة شرسة ونحارب نظاما فاسدا مدعوما من أموال الخليج الحرام، ويسير وفق مخطط مخابراتي صهيوأمريكي، فالآن نقف ضد أجندة عالمية تسعى للقضاء على الإخوان كما قضت على التنظيمات الإسلامية الأخرى من قبل، لذا المعركة شرسة وتحتاج إلى النظر في الحلول لا البكاء على اللبن المسكوب، وأظن أن ما يقوم به الإخوان من جهاد سلمي وزخم ثوري هو الحل الأمثل، ونحتاج إلى تصعيد مستمر، وتطوير في الأداء حتى يترنح هذا النظام ويتهاوى، مع العلم بأن الجولة لن تنتهي بالضربة القاضية، وما النصر إلا من عند الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق