وصفي أبو زيد: أيها البرهامي أخزاك الله
24/04/2014
في
رد علمي رصين فنّد د. وصفي عاشور أبو زيد فتوى ياسر برهامي بجواز ترك
الزوجة للاغتصاب ولا يسمح لهم بقتل النفس، مبينا بأقوال الإمام ابن تيمية
والشهيد عبد القادر عودة إلى القول بوجوب عدم التمكين أو حرمة السماح بهذا
حتى لو وصل الأمر إلى القتل، بخلاف ما قاله "برهامي" من وجوب السماح
بالاغتصاب حمايةً للنفس.
وكانت
فتوى ياسر برهامي عن "أن الرجل الزوج إذا تعرض أحد لاغتصاب زوجته، وغلب على
ظنه أنه إذا دافع عنها قتلوه، فينبغي هنا ألا يسمح لهم بقتله، ويتغاضى عن
اغتصاب زوجته تقديما لحفظ النفس على حفظ العرض، وجوبًا"، قد أثارت سخط
العلماء وجدلا على مواقع التواصل الاجتماعي.
واستنكر
"أبو زيد" صمت ياسر برهامي عن أيام المذابح (الجرس الجمهوري، والمنصة،
ورابعة، والنهضة، ورمسيس، والدقي، وغيرها)، قائلا: ألم تُقتل فيها أنفس بل
آلاف النفوس؟ لماذا تم إلجامه ورضي بهذه الدماء وسكت عنها، بل حمّلها لفصيل
معين، ولم يستنكر وقوعها أوضح أن برهامي لم يتعرض لما تمارسه الأجهزة
الأمنية من انتهاكات واغتصابات وقتل بالجملة.
نص المقال
برهامي ومأساة الفتوى في واقعنا المعاصر
من مآسي
واقعنا المعاصر أن يتصدر للإفتاء من ليسوا أهلا له، ومن لم يشمّوا رائحة
الفقه، وإذا نقلوا عن العلماء دلسوا عليهم لعدم علمهم ولا إدراكهم لمرادات
العلماء، وبخاصة الأئمة منهم.
وأقرب
مثال على هذا هو الدكتور ياسر برهامي، "نائب رئيس الدعوة السلفية"، فهو
طبيب ولا علاقة له بالفقه والفتوى، وكذلك غلامه وتلميذه "النجيب" الذي كان
يدير "محل سايبر"، ويتصدر الآن للإفتاء ويكذب على رسول الله.
فقد
"أفتى" برهامي بأن الرجل الزوج إذا تعرض أحد لاغتصاب زوجته، وغلب على ظنه
أنه إذا دافع عنها قتلوه، فينبغي هنا ألا يسمح لهم بقتله، ويتغاضى عن
اغتصاب زوجته تقديما لحفظ النفس على حفظ العرض، وجوبًا!!
وقد نسب
هذا القول لسلطان العلماء العز بن عبد السلام، والعز لم يقل بالوجوب
مطلقا؛ إنما جاء كلام العز في سياق حديثه عن تقديم الفاضل على المفضول،
وليس الواجب على المندوب، وضرب له أمثلة، قال في المثال السابع عشر: "إذَا
وَجَدَ مَنْ يَصُولُ عَلَى بُضْعٍ مُحَرَّمٍ، وَمَنْ يَصُولُ عَلَى عُضْوٍ
مُحَرَّمٍ أَوْ نَفْسٍ مُحَرَّمَةٍ أَوْ مَالٍ مُحَرَّمٍ، فَإِنْ أَمْكَنَ
الْجَمْعُ بَيْنَ حِفْظِ الْبُضْعِ وَالْعُضْوِ وَالْمَالِ وَالنَّفْسِ،
جَمَعَ بَيْنَ صَوْنِ النَّفْسِ وَالْعُضْوِ وَالْبُضْعِ وَالْمَالِ
لِمَصَالِحِهَا، وَإِنْ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَهَا، قَدَّمَ الدَّفْعَ
عَنْ النَّفْسِ عَلَى الدَّفْعِ عَنْ الْعُضْوِ، وَقَدَّمَ الدَّفْعَ عَنْ
الْعُضْوِ عَلَى الدَّفْعِ عَنْ الْبُضْعِ وَقَدَّمَ الدَّفْعَ عَنْ
الْبُضْعِ عَلَى الدَّفْعِ عَنْ الْمَالِ". قواعد الأحكام: 1/ 104. طبعة
دار القلم.
فهذا كلام ينتسب للفقه الحي، الذي يراعي الموازنات والأولويات، وهذا ليس غريبا على العز، فقيه المقاصد والأولويات والموازنات.
يضاف
إلى هذا أن كلام العز مطلق عام ليس له سياق معين، أما كلام برهامي فله سياق
لا يمكن معه هذا القول، ولا يصح أن تصاغ الفتاوى في السياق المصري الذي
نحياه بهذا الشكل، وقد أجمع الأصوليون أن سياق الفتوى يجب أن يعتبر وإلا
يكون إهماله استنباتًا للفقه في الهواء، واستصدارًا للفتوى في الفراغ.
ومن
الغريب أن برهامي لم يتعرض لما تمارسه الأجهزة الأمنية من انتهاكات
واغتصابات وقتل بالجملة، كل هذا عمدٌ وليس خطأ.. فهو لا يجرؤ أن يقول
للشرطة والأجهزة الأمنية "لا"، لا بملء فيه ولا بالهمس؛ إذ ما سأل عنه
السائل يأتي في هذا السياق، ويجب أن يُعَالَجَ السياق في الفتوى التي ليس
من حق برهامي ومن على شاكلته أن يتعرضوا لها.
ثم أين
كان برهامي أيام المذابح (الجرس الجمهوري، والمنصة، ورابعة، والنهضة،
ورمسيس، والدقي، وغيرها)، ألم تُقتل فيها أنفس بل آلاف النفوس؟ لماذا تم
إلجامه ورضي بهذه الدماء وسكت عنها، بل حمّلها لفصيل معين، ولم يستنكر
وقوعها!!
قال
الإمام ابن تيمية: "وأما إذا كان مطلوبه -أي الصائل – الحرمة، مثل أن يطلب
الزنا بمحارم الإنسان، أو يطلب من المرأة أو الصبي المملوك أو غيره الفجور
به، فإنه يجب الدفع عن نفسه بما يملكه ولو بالقتل، ولا يجوز التمكين بحال".
[مجموع الفتاوى: 28/320].
وقال
القاضي الشهيد عبد القادر عودة في كتابه التشريع الجنائي الإسلامي: "وقد
اتفق الفقهاء؛ على أن دفع الصائل واجب على المدافع في حالة الاعتداء على
العرض، فإذا أراد رجلٌ امرأةً على نفسها ولم تستطع دفعه إلا بالقتل، كان من
الواجب عليها أن تقتله إن أمكنها ذلك، لأن التمكين فيها محرم، وفي ترك
الدفاع تمكين منها للمعتدي، وكذلك شأن الرجل الذي يرى غيره يزني بامرأة، أو
يحاول الزنا ولا يستطيع أن يدفع عنها إلا بالقتل، فإنه يجب أن يقتله إن
أمكنه ذلك". التشريع الجنائي: 1/ 474.
فانظر
كيف ذهبا –معا– إلى القول بوجوب عدم التمكين أو حرمة السماح بهذا حتى لو
وصل الأمر إلى القتل، بخلاف ما قاله "برهامي" من وجوب السماح بالاغتصاب
حمايةً للنفس؟!.
ثم
لماذا لا يوجه فتواه –إن صحت له فتوى– إلى المجرمين الذين يمارسون القتل
والقمع والاغتصاب، ويقول لهم: كفّوا عن القتل، كفوا عن الإجرام، كفوا عن
اغتصاب بناتنا ونسائنا؟ .. أليست وظيفة الأجهزة الأمنية -أيها البرهامي
أخزاك الله– توفير حماية الناس، وحفظ أمنهم؟ أم أنك تركت هذا كله وحرمت على
الزوج المغلوب على أمره أن يدافع عن عرضه وشرفه حتى لو أدى هذا إلى
قتله؟!، ألم يقل النبي عليه السلام فيما رواه أبو داود بسنده عَنْ سَعِيدِ
بْنِ زَيْدٍ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ قُتِلَ
دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ أَوْ دُونَ
دَمِهِ أَوْ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ»؟. أم أن الذي يفرط في دينه
ودماء المسلمين يمكن أن يفرط فيما هو دون ذلك؟!
إنني
أبرأ إلى الله تعالى من هذه الأقوال والمواقف التي تستنزل غضب الله على
الأرض، وتستدعي انتقامه العاجل في الدنيا قبل الآخرة، يوم يقف الناس أمام
الله عرايا لا تخفى منهم خافية!
إن
مأساتنا المعاصرة في مجال الفتوى – بالإضافة لمن يفتون وهم ليسوا من أهل
الفتوى– أننا نستدرج للإجابة عن أسئلة فرعية ونترك مصدر إثارة هذه الأسئلة
الذي يجلب على الفقهاء والمشتغلين بالفقه سلوك مسارب بعيدة عن الرشاد،
وربما انتهجوا فيها التسويغ والانبطاح...
لماذا
لا تتوجه الفتوى على الأجهزة التي تمارس هذه الرذائل والكبائر، فنمسك في
المصدر ونترك الفرع؛ لأن إصلاح الأصل فيه صلاح للفرع؛ ولأنه يجب غلق
"صنبور" المياه بدلا من أن نعالج ما يحدثه من غرق وإغراق؟!!
لماذا
لا تقوم مؤسساتنا الدينية الرسمية بإصدار الفتوى الصحيحة بعيدا عن المؤثرات
السياسية، وتنطق الحكم الشرعي الحق لما قامت به الأجهزة الأمنية من إجرام
وقتل جماعي وحرق جماعي ودفن جماعي؟!
إن مؤسساتنا الدينية لم تعد محلا لثقة الناس؛ ولهذا يلجؤون لمن ليسوا أهلا للفتوى، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق