السبت، 1 فبراير 2014

الكابوس فى جمهورية الجاموس

الكابوس فى جمهورية الجاموس


الثلاثاء, 28 يناير 2014 -  
 
بقلم: محمد يوسف عدس
(١)

من عجائب جمهورية الطراطير والأقزام  وأنصاف الرجال، أن يخرج علينا ضابط نصف متعلم  لا تزيد ثقافته عن ثقافة  تلميذ فى المدرسة الإعدادية.. ليتحدث عن ضرورة إصلاح الخطاب الديني.. وهو لا يعرف شيئًا عن الدين ولا عن الخطاب.. وإذا تفحصت حديثه لوجدته مقتبسًا بحذافيره من كلام سبق أن كتبه شيخ من شيوخ السلاطين لمبارك ليلقيه فى مناسبة من المناسبات الدينية..
ويبدو أن   صاحبنا ليس عنده شيئ جديد يقوله .. وأنه استمرأ الغش؛ فخطابه الانقلابي المشهور مقتبس بنصّه الحرفي من آخر خطاب للرئيس المخطوف.. الذى منعت المخابرات  إذاعته فى حينه لإخفاء الأصل .. ولكن تمكّن بعض الخبثاء  من رصده ونشره فى تسجيل مثير للسخرية  يقارن بين الخطابين..

لست مندهشًا فقد لاحظت أن أجرأ الناس على الغش وسرقة كلام الآخرين .. –بلا خجل-  هم أكثر الناس جهلًا وغباءًا.. وأشدهم بلادة حسّ.. وعادة ما يكون جمهور هؤلاء ممن ينتمون إلى نفس الفصيلة التى تتميز بقدر هائل من الجهل والغباء وبلادة الحِسّ..!!"

(٢)

نادرًا ما تنتابنى الكوابيس.. ولكنى نسيت دعاءَ قبل النوم الليلة الماضية ؛ فأَلَحّ عليَّ كابوسٌ مروّع.. أعرف أننى لن أستطيع التخلُّص منه إلا بالحديث عنه مع بعض الأصدقاء.. لذلك سجلته لأرويه مفصَّلًا هكذا:

"
رأيت أناسا بقرون سوداء كالجاموس أشبه بالشياطين..  يشيّدون بناءًا كرتونيًّا ضخمًا عليه لافتة كبيرة مكتوب عليها "إمبراطورية الطراطير الديمقراطية العسكرية العظمى"..

قال دليلى السياحي : هذه أعجب إمبراطورية ظهرت فى تاريخ العالم.. ولكنى أنبهك من الآن: فقد يوحى إليك الإسم بأننا نتحدث عن جمهورية القذافى أو "كيم إِلْ سونج" فى كوريا الشمالية .. لا.. إننا نتحدث عن إمبراطورية قائمة على أرض المحروسة .. يتم صناعتها وتشكيلها بأساليب عبقرية وعقول عبقرية.. ودليل عبقريتها أن مواد صناعتها ومكوّناتها الأساسية مشتقّة من أعرق مقالب القمامة المصرية .. ومن خلاصة النفايات الطبيعية والبشرية فيها..
جمهورية مبرّأة من كل آثار العقل والمنطق والدين ومبادئ الأخلاق.. وليس فيها من التكنولوجيا الحديثة المستوردة من الخارج إلا: المدرّعات والمجنزرات وسيارات ترحيل وحرق السجناء.. وقنابل الغاز والخرطوش والرصاص الخارق للجماجم  والكرابيج المكهربة .. وأحدث أساليب التعذيب فى المعتقلات...!

أعظم مؤهلات عناصرها البشرية: عراقة الأصل والمصدر.. وعدد سنوات الخبرة فى مقالب القمامة؛  فكلما زادت ارتفع صاحبها فى سلم المسئولية والقيادة حتى يصل إلى منصب رئيس جمهورية.. أبديت دهشتى.. فقال دليلى وهو يفسّر لى اللغز:

لا تعجب أن ترى كبار المسئولين والقادة فى الجمهورية الوليدة زبالة.. وأن ترى كبار قُضاتها ونياباتها زبالة.. ووزراءها وشيوخها وقساوستها زبالة.. وأشهر الإعلاميين فيها و أكثرهم حظوة وانتشارًا زبالة الزبالة..!!

ولا يتفوّق على هؤلاء جميعًا فى عراقة الأصل والنفوذ والوجاهة إلا الملشيات العسكرية والبوليسية الذين تخصصوا فى الجري وراء الأطفال فى الشوارع .. ووراء الطلاب والطالبات فى المدارس والجامعات ممن يحملون فى مظاهراتهم شارة رابعة أو المسطرة السرية فى حقائبهم .. أو بعض المطبوعات الإرهابية الممنوعة؛ كالمصاحف وصور الرئيس المخطوف.. فيكون مصيرهم الدهس بالمدرعات أو الإعدام الفوري بالغاز القاتل أو الخرطوش أو الرصاص الحي .. أو الاعتقال والتعذيب الوحشي.. أوالمحاكمات التى أذهلت العالم بأحكامها الخرافية التى فاقت فى غرابتها قصص ألف ليلة وليلة ...

قال دليلي –واسع الاطلاع- إذا سألتنى ما هي قمة إفرازات جمهورية الطراطير وأعجبها على الإطلاق..؟ لأجبتك -بلا تردد: إنها وثيقة العار التى يسمونها دستورًا  وطرحوها للاستفتاء .. وأعجب منها  وأحقر هم أولئك الذين يروِّجون لوثيقة العار..  ثم تلك الأغنام الغبية.. فاقدو الشعور بالكرامة ، الذين ذهبوا  ليدلوا بأصواتهم فى الاستفتاء، وفوق رقابهم عصا الشرطي وبندقية العسكري !.. وحيث يقوم على هذه الصناديق أعظم الناس جبنا ونفاقًا وانعدام ضمير.."!..

كان أبرز مشهد فى هذا الكابوس وأكثره وضوحًا صورة تلفازية  لبهلوان يلبس قناع قاضٍ .. قدّمه المذيع  على أنه المستشار رئيس اللجنة العليا .. يدلى ببيان عن نتيجة الاستفتاء.. كان يقرأ فى ورقة مكتوبة له .. ولكنه لم يفلح فى نطق كلمة واحدة نطقًا صحيحا .. حاولت أن أفهم ولكنى لم أستطع..  فانتابنى شعور  بالقرف والغضب .. وحاولت أن أمد يدى لأغلق التلفاز ولكنها كانت  مقيدة  بشيئ مَا لم أتبيّنه.. فاشتد غيظى.. وشعرت بالضيق والاختناق .. فى هذه اللحظة  اقتحم  المكان كائن كالجاموسة بقرون شيطانية سوداء.. هائج..  يحطم كل شيء فى المكان وهو يصيح بصوت يصمّ الآذان.. لا أذكر أننى سمعت مثيلا له فى بشاعته .. يقول صارخًا: من أذن لكم أيها الغرباء الأوغاد أن تتحدثوا عنى وعن جمهوريتى..؟!  انتفض كيانى كله فجأة .. فهممت أن أجرى فزعا ؛ وإذ وجدت قدميّ خفيفتين  فدفعتهما بكل قوتى لأنهض قائما وألوذ بالفرار..  
ولكن اصطدمت رأسى بجسم صلب آلمنى.. فاستيقظت من شدة الألم .. وأنا أحاول استرجاع هذا الدعاء من ذاكرتى وأُجريه على لسانى:
 "أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه ومن شر عباده.. ومن همزات الشياطين .. وأعوذ بك ربّى أن يحضرون.."
myades34@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق