أيحسب أن لن يقدر عليه أحد !
بقلم: وليد أبو النجا
الليالي
حُبلى بالمقادير، ولا يعلم الغيب إلا الله، وكم أهلك الشرهُ صاحبَه، ودفعه
الطمعُ إلى حتفه، كم فكَّر أحدهم وقدَّر، فقُتل كيف قدَّر، وهو يحسب (أن
لن يقدر عليه أحد).
قالوا:
إن النعامة تخفي رأسها في الرمال إذا أحست بالخطر، وكأنها تشعر بشيء من
الأمان عندما تخفي وجهها عن عيون المتربصين بها، وهكذا الحمقى، الذين
يتغافلون عن جرائمهم، يظن أحدهم (أن لم يره أحد).
إن
دعاء أب مقهور، ودموع أم ثكلى، وصيحة زوجة ترملت، وصرخة يتيم محروم،
فَقَدَ حنان أم أو رعاية أب: ستطاردك في منامك ويقظتك، وتلاحقك في حلك
وترحالك.
إن
كل قطرة دم أريقت ظلما، وكل صرخة ألم صدرت من جريح، وكل لحظة حبس حُرم
فيها ابن من أبيه، وأم من ولدها، وامرأة من زوجها، ستكون لعنة عليك.
إن
كل حكم قضائي جائر، قضى به قاضٍ موتور، ميت الضمير، منتكس الفطرة، ذابل
الإيمان، يحاول به أن يثبِّت سلطتك، أو يقوي شوكتك، ستظهر لك عاقبته في
الدنيا، ولن تفلت من تبعته يوم القيامة.
إن التاريخ لا يحابي أحدا، وما أصدق من قال: الدنيا دول، والمال عارية، ولنا بمن قبلنا أسوة، وفينا لمن بعدنا عبرة.
ومن
يسأل التاريخ يجبه، ومن طلب العبرة اعتبر. فكم من أمراء غدروا بملوكهم،
وخانوا عهودهم، وحنثوا في أيمانهم، ليستحوذوا على الملك، ويستقر لهم الأمر،
فشربوا من نفس الكأس التي سقوا منها غيرهم.
منهم
من قُتل بيد أخيه، ومنهم من سعت للتخلص منه أمه، ومنهم من كانت نهايته على
يد فِلذة كبده! منهم من مكث في الحكم شهرا، ومنهم من حكم البلاد يوما!
كان
يحيى بن خالد البرمكي من رجال الدهر، حزما ورأيا، وسياسة وعقلا، ولما
استُخلِف الرشيد رفع قدره، ونوه باسمه، وكان يخاطبه: يا أبي، ورَدَّ إليه
مقاليد الوزارة، وصير أولاده ملوكا، وبالغ في تعظيمهم. غير أن هذا لم يمنع
عنه ما يخبئه له القدر من سجن وابتلاء. سأله
أحد بنيه، وهم في القيود: "يا أبة.. بعد الأمر والنهي والأموال، صرنا إلى
هذا؟!" قال: "يا بني، لعلها دعوة مظلوم غفلنا عنها، ولم يغفل الله عنها".
سهام الليل لا تخطي ولكن لها أمد وللأمد انقضاء
فيمسكها إذا ما شاء ربي ويرسلها إذا نفذ القضاء
إذا
تحدثنا عن الملك والسلطان.. فجميع من حولك يستشرف له، وكل من يحيط بك
يشرئب إليه.. ألسنتهم له لاهثة، وعيونهم إليه طامعة، وإنما ينتظرون اللحظة
التي انتظرتَها أنت من قبل، ليعيدوا فعلتك!
فيا
ترى من سيحذو حذوك؟! هل هو وزير دفاعك؟! أم رئيس أركانك؟! أم أحد قادة
الجيوش؟! أم هناك من يدبر في الخفاء ممن لا يُفطن لهم؟! أم أن بطش الله
سيسبق ذلك؟!
لعلك
قرأت مصير جنرال باكستان الذي سبقك إلى هذا السبيل، ومضى في ذات الطريق من
قبل: وهو يعاقب الآن بيد القضاء - الذي طالما سخره لمآربه - بتهمة الخيانة
العظمى؛ لأنه فرض حالة الطوارئ، وعلق العمل بالدستور، الخطوات ذاتها. ولعل
مصيره ينتظرك!
لا
أدري من سيحرمك حلمك، وينغص عليك عيشك، ويقض مضجعك، ولكنني أثق أن هذا
سيحدث: جزاء وفاقا، ومن سل سيف الغدر قُتل به، وعلى الباغي تدور الدوائر!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق