وائل قنديل
أنصار بيت السيسي .. أو الجيستابو
لا تختلف فكرة إنشاء شرطة مجتمعية في مصر، ومبادرة مقاولي الثورة المضادة لإنشاء ميليشيات من المتطوعين، تكون في خدمة سلطة الانقلاب وجيشها، لا تختلف كثيراً عن "الجيستابو"، أو البوليس السري لألمانيا النازية.
لو نقرت على لوحة المفاتيح في محرك البحث جوجل، ستقول لك ويكبيديا إن:
"الجيستابو أو الغيستابو أو البوليس السري الألماني، وهو أكثر أجهزة الأمن الألمانية شهرة وسرية، وقد كان المسؤول عن العديد من عمليات الاغتيال والتدمير للملايين، خلال فترة الحكم النازي تأسس لحماية الدولة والحزب النازي.
اترك ويكبيديا، واذهب إلى صحافة الانقلاب في مصر، ستقرأ أن نائبا برلمانيا سابقاً (في بلد بلا برلمان)، أطلق مبادرة لتجنيد 60 مليون مصري في الجيش المصري لمواجهة خطر التيارات المتطرفة في سيناء وتنظيم داعش.
النائب المتحمس لقيادة "أنصار بيت السيسي" أشار إلى أن مصر تخوض حرباً عالمية، يشترك فيها ما يقرب من 80 دولة، تحت راية الولايات المتحدة الأميركية، مؤكداً أن عملية التقسيم في الدول العربية مستمرة، وتهدف إلى الدخول إلى مصر وتقسيمها. وطالب "الجندي" رئاسة الجمهورية ممثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسي بضرورة إعلان البدء في إنشاء معسكرات في سيناء ومناطق جنوب وغرب الجمهورية، مقترحاً قيام إدارة الدولة بتعليم المتطوعين أساليب القتال والصناعة والزراعة، ثم تمليك الأراضي لملايين المتطوعين للمساهمة في عمليات تعمير سيناء.
يأتي هذا التوجه الفاشي، بعد أيام من مسخرة الشرطة المجتمعية التي ترمي إلى تسليح من تسميهم السلطة "المواطنين الشرفاء"، ويعرف المجتمع أنهم "البلطجية"، وبعد مهزلة "فالكون" شركة الأمن الخاص التي تتولى السيطرة الأمنية المطلقة على الجامعات، وأخيراً، كارثة عسكرة الماء والهواء بفرمانات من "العسكري" الذي يحكم البلاد، ويهجر العباد من بيوتهم وأراضيهم.
دوافع العسكرة، ومنطلقات منح "البلطجية" الصفة الرسمية ودمجهم في المنظومة الأمنية للسلطة، وأخيراً، الدعوة لتشكيل ميليشيات على طريقة "الجيستابو" تأتي في سياق لوثة "الدولتية"، أو أولئك الذين يهرفون، طوال الوقت، بأناشيد تمجد نوعاً من الوطنية الفاسدة تتأسس على التنصل من كل ثوابت التاريخ، وتسخر من كل القيم الإنسانية والمجتمعية، وتسحق المواطن، وتدهسه بفاشيتها ونازيتها، من أجل الحفاظ على "الدولة".
ولو عدت إلى "جيستابو النازية"، ستكتشف أن مؤسسة القمع وقهر الإنسانية قامت، أيضاً، على مفردة " الدولك"، حيث كان دور الشرطة السرية "الجيستابو" ينبني على حماية الدولة، وتشكيل قوة ضاربة لما يتربص بالدولة من أعمال تخريب، أو تجسس، أو خيانة.
وتقول الوقائع التاريخية الموثقة إنه تم تغيير القانون الألماني بصورة تجعل الجيستابو يتحرك بصورة حرة، وبعيدًا عن المساءلة القانونية. وكما وصف قاض ألماني أفعاله "طالما تتحرك الجيستابو بمشيئة الحزب، فإن حركاته وأفعاله قانونية". ونص القانون الألماني نصًا صريحًا على إعفاء "الجيستابو" من المثول أمام المحاكم الألمانية، ما حال بين المواطنين المدنيين ووصول شكواهم إلى القضاء الألماني.
وإذا كان النازيون قد شرعوا للقمع والقتل والتنكيل بالبشر، انطلاقاً من حماية "الدولة" وتاريخها وثوابتها، فإن "السيسيين" يريدون القمع والبطش لإحراق تاريخ الدولة، وتدمير ثوابتها وقيمها ومحدداتها التاريخية والجغرافية.
وإذا كان القمع النازي يبرر نفسه بأنه في سبيل خدمة طموحات الدولة والأمة في التوسع والتمدد، فإن القمع على الطريقة المصرية يحفر طرقه في أجساد المواطنين، طلباً لتقزيم الوطن، وانكماشه وتحويله إلى لاعب صغير في الفناء الخلفي لمن يراهم كباراً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق