وائل قنديل
تقرير مبارك عن فض رابعة :
لا مجرمين، ولا قتلة، في مجزرة فض اعتصامي رابعة والنهضة 2013. هذا ما انتهت إليه تلك التي شكلها مصدرو أوامر القتل، وأطلقوا عليها "لجنة تقصي الحقائق".
مثلت مذبحة رابعة العدوية واحدة من الجرائم ضد الإنسانية التي شاهدها الناس على الهواء مباشرة، من مرحلة التحضير الإعلامي والتأصيل الشرعي، من خلال استدعاء جيش مفتي السلطان، لإقناع الجنود بأن قتل المعتصمين حلال "راجع مقاطع فيديو علي جمعة وعمرو خالد وآخرين"، مروراً بوضع الخطط، ثم الاجتماع الرسمي لاتخاذ القرار وإصداره، وصولاً إلى التنفيذ في عملية بث مباشر للمقتلة.
كل ذلك شاهده الناس، وعايشوه، لكن اللجنة لم تدركه، أو أنها أدركته، ولم تعتد به، أو، على الأرجح، هي ليست لجنة بالمعنى المحترم للجان التحقيق المستقلة، أو النزيهة، بل هي مجرد إدارة تتبع وزارة الخارجية المصرية، أو الهيئة العامة للاستعلامات.
وأكرر أن تزامن إصدار التقرير مع زيارة عبد الفتاح السيسي إلى الفاتيكان وإيطاليا وفرنسا، يجعله أقرب إلى "بروشور"، من إنتاج الخارجية المصرية للدعاية السياسية للنظام الحاكم في الخارج.. كما أن استباقه مليونية 28 نوفمبر التي اتخذت اسم "انتفاضة الشباب المسلم" يحوّله من تقرير لتقصي الحقائق إلى تقرير أمني، أو شهادة براءة مسبقة من جرائم قادمة، ربما لا تقل في وحشيتها عن جريمة قتل المعتصمين في رابعة العدوية ونهضة مصر وسيارة ترحيلات سجن أبو زعبل ومسجد الفتح، وقائمة طويلة من الجرائم.
يعمل النظام ولجنته، إذاً، بقاعدة "لكي تبرر مذبحة قادمة، عليك أن تبرئ مذبحة سابقة"، وهذا يحقق له، أيضاً، قدراً هائلاً من الترويع والتفزيع، لكل من يفكر في النزول والمشاركة، بالقدر الذي يضمن له مساراً قضائياً وحقوقياً في صالحه، حين يتجه الضحايا وذووهم للمطالبة بمحاكمة الجناة.
والطريف أنه، بمنطوق هذا التقرير الكاشف للحالة الحقوقية في مصر، يصبح محمد البرادعي، مثلاً، في فوهة مدافع الاتهام بالخيانة العظمى، إذ إن الرجل الذي استقال من منصب نائب رئيس الدولة، بعد ساعات من المجزرة، وبرر محبوه القرار بأنه غير مستعد للاستمرار في سلطة ملوثة بالدماء. وحين تأتي اللجنة لتعلن أن السلطة لم تقتل أحداً، يكون البرادعي، هنا، متهماً بالتجني والافتراء على هذه السلطة المهذبة البتول.
إن التقرير، بهذه الصياغة الرسمية، لا يختلف كثيراً عن البرقيات التي تصدرها وزارة الخارجية، للترويج على وسائل الإعلام الخارجي، والتوزيع على البعثات الدبلوماسية، حيث تقترب لغته كثيراً من برقيات أحمد أبو الغيط وزير خارجية نظام مبارك، قبل وأثناء ثورة يناير، ومازالت الذاكرة تحتفظ ببرقية الخارجية للبعثات الدبلوماسية، لتسويق مهزلة الانتخابات البرلمانية التي عجلت بانفجار الثورة، وحملت رقم 1439 في 23 ديسمبر/كانون الأول 2010، وتضمنت مقالات أحمد عز، رجل الحديد المسلح بالثروة والسلطة، والتي نشرتها له صحيفة الأهرام الحكومية، للرد على الانتقادات الموجهة للعملية الانتخابية الأسوأ والأردأ في تاريخ مصر.
صدر التقرير وبقيت أسئلة: لماذا قبل مليونية يروّج لها إعلام النظام نفسه باتخاذ تدابير مبكرة غير مسبوقة في شدتها، بينما الخطاب الرسمي يقول إن الحراك المناهض للانقلاب لا يتجاوز بضع مئات من الغاضبين؟ ولماذا يعتبرها يوماً للدمار الشامل؟ وما علاقة الاحتفاء بمليونية 28 نوفمبر، بتحديد اليوم التالي لها (29) للنطق بالحكم في قضية حسني مبارك؟
تقرير مبارك عن فض رابعة :
لا مجرمين، ولا قتلة، في مجزرة فض اعتصامي رابعة والنهضة 2013. هذا ما انتهت إليه تلك التي شكلها مصدرو أوامر القتل، وأطلقوا عليها "لجنة تقصي الحقائق".
مثلت مذبحة رابعة العدوية واحدة من الجرائم ضد الإنسانية التي شاهدها الناس على الهواء مباشرة، من مرحلة التحضير الإعلامي والتأصيل الشرعي، من خلال استدعاء جيش مفتي السلطان، لإقناع الجنود بأن قتل المعتصمين حلال "راجع مقاطع فيديو علي جمعة وعمرو خالد وآخرين"، مروراً بوضع الخطط، ثم الاجتماع الرسمي لاتخاذ القرار وإصداره، وصولاً إلى التنفيذ في عملية بث مباشر للمقتلة.
كل ذلك شاهده الناس، وعايشوه، لكن اللجنة لم تدركه، أو أنها أدركته، ولم تعتد به، أو، على الأرجح، هي ليست لجنة بالمعنى المحترم للجان التحقيق المستقلة، أو النزيهة، بل هي مجرد إدارة تتبع وزارة الخارجية المصرية، أو الهيئة العامة للاستعلامات.
وأكرر أن تزامن إصدار التقرير مع زيارة عبد الفتاح السيسي إلى الفاتيكان وإيطاليا وفرنسا، يجعله أقرب إلى "بروشور"، من إنتاج الخارجية المصرية للدعاية السياسية للنظام الحاكم في الخارج.. كما أن استباقه مليونية 28 نوفمبر التي اتخذت اسم "انتفاضة الشباب المسلم" يحوّله من تقرير لتقصي الحقائق إلى تقرير أمني، أو شهادة براءة مسبقة من جرائم قادمة، ربما لا تقل في وحشيتها عن جريمة قتل المعتصمين في رابعة العدوية ونهضة مصر وسيارة ترحيلات سجن أبو زعبل ومسجد الفتح، وقائمة طويلة من الجرائم.
يعمل النظام ولجنته، إذاً، بقاعدة "لكي تبرر مذبحة قادمة، عليك أن تبرئ مذبحة سابقة"، وهذا يحقق له، أيضاً، قدراً هائلاً من الترويع والتفزيع، لكل من يفكر في النزول والمشاركة، بالقدر الذي يضمن له مساراً قضائياً وحقوقياً في صالحه، حين يتجه الضحايا وذووهم للمطالبة بمحاكمة الجناة.
والطريف أنه، بمنطوق هذا التقرير الكاشف للحالة الحقوقية في مصر، يصبح محمد البرادعي، مثلاً، في فوهة مدافع الاتهام بالخيانة العظمى، إذ إن الرجل الذي استقال من منصب نائب رئيس الدولة، بعد ساعات من المجزرة، وبرر محبوه القرار بأنه غير مستعد للاستمرار في سلطة ملوثة بالدماء. وحين تأتي اللجنة لتعلن أن السلطة لم تقتل أحداً، يكون البرادعي، هنا، متهماً بالتجني والافتراء على هذه السلطة المهذبة البتول.
إن التقرير، بهذه الصياغة الرسمية، لا يختلف كثيراً عن البرقيات التي تصدرها وزارة الخارجية، للترويج على وسائل الإعلام الخارجي، والتوزيع على البعثات الدبلوماسية، حيث تقترب لغته كثيراً من برقيات أحمد أبو الغيط وزير خارجية نظام مبارك، قبل وأثناء ثورة يناير، ومازالت الذاكرة تحتفظ ببرقية الخارجية للبعثات الدبلوماسية، لتسويق مهزلة الانتخابات البرلمانية التي عجلت بانفجار الثورة، وحملت رقم 1439 في 23 ديسمبر/كانون الأول 2010، وتضمنت مقالات أحمد عز، رجل الحديد المسلح بالثروة والسلطة، والتي نشرتها له صحيفة الأهرام الحكومية، للرد على الانتقادات الموجهة للعملية الانتخابية الأسوأ والأردأ في تاريخ مصر.
صدر التقرير وبقيت أسئلة: لماذا قبل مليونية يروّج لها إعلام النظام نفسه باتخاذ تدابير مبكرة غير مسبوقة في شدتها، بينما الخطاب الرسمي يقول إن الحراك المناهض للانقلاب لا يتجاوز بضع مئات من الغاضبين؟ ولماذا يعتبرها يوماً للدمار الشامل؟ وما علاقة الاحتفاء بمليونية 28 نوفمبر، بتحديد اليوم التالي لها (29) للنطق بالحكم في قضية حسني مبارك؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق