الثلاثاء، 25 نوفمبر 2014

بل هي عدونا اللدود بقلم: محمد سيف الدولة



بل هي عدونا اللدود
بقلم: محمد سيف الدولة
دأب عبد الفتاح السيسي، منذ تولي الحكم، على التأكيد مرة تلو الأخرى، بمناسبة وبدون مناسبة على الإشادة بالسلام مع إسرائيل، والحرص على أمنها.

وهو يؤكد على ذلك بمواقفه السياسية، وانحيازاته الإقليمية، وقراراته الأمنية، وتصريحاته الإعلامية، متحديًا وصادمًا لكل ما عرفناه وتعلمناه وخبرناه على مر التاريخ.
 
وكان آخرها أمس في حديثه مع "صحيفة كورييري ديلا سيرا" الإيطالية، الذي قدم فيه اقتراحه "المريب" ((باستعداده لإرسال قوات مصرية إلى الدولة الفلسطينية بعد قيامها كضامن لأمن إسرائيل ولطمأنتها، وانه تحدث طويلا مع نتنياهو في هذا الِشأن)). وهو الاقتراح الذي أخشى ما أخشاه أن يكون تمهيدا لدور عسكري مصري في غزة.
 
وسبق أن قال لقناة فرنسا 24 منذ بضعة أيام ((لن نسمح ان تستخدم أراضينا لشن هجمات على إسرائيل جارتنا)). وقال إن ((إنشاء المنطقة العازلة كان ضرورة قديمة تأخرت كثيرًا)).
 
كما قال في ذات الحديث ((من كان يتوقع منذ 40 سنة ان السلام بين مصر وإسرائيل سيستقر بهذا الشكل)). ومن قبل قال تصريحه الشهير في لقائه مع الصحفيين ((ان السلام مع إسرائيل اصبح في وجدان المصريين وأنه لا يوجد عبث في هذا الكلام)).
 
***
أما عن رفضه لأي تهديد لإسرائيل من سيناء، فهو في ذلك لم يأتِ بجديد، وانما يؤكد التزامه الامين والمخلص والعلني بما جاء في المادة الثالثة من المعاهدة الذي ينص على ((يتعهد كل طرف بان يكفل عدم صدور فعل من افعال الحرب أو الافعال العدوانية وافعال العنف أو التهديد بها من داخل اراضيه أو بواسطة قوات خاضعة لسيطرته أو مرابطة على أراضيه ضد السكان أو المواطنين أو الممتلكات الخاصة بالطرف الآخر، كما يتعهد كل طرف بالامتناع عن التنظيم أو التحريض أو الاثارة أو المساعدة أو الاشتراك في فعل من افعال الحرب أو الافعال العدوانية أو النشاط الهدام أو أفعال العنف الموجهة ضد الطرف الآخر في أي مكان كما يتعهد بان يكفل تقديم مرتكبي مثل هذه الأفعال للمحاكمة)).
 
وربما كان الجديد الوحيد في هذا الأمر هو أن يدلي رئيس الدولة بنفسه بمثل هذا التصريح الذي كان في الماضي يترك لأحد المتحدثين باسم الخارجية، لرفع الحرج عن رئيس مصر قائدة الامة العربية، الذي لا يصح أن يعبر صراحة عن حرصه على أمن إسرائيل.
 
***
أما استخدام كلمات مثل الجارة والجيران والجيرة لوصف إسرائيل، فهو صادم وغريب ومناقض لكل الحقائق التاريخية والثوابت الوطنية.
 
كما أن فيه ارتقاء بمرتبة إسرائيل ومكانتها وعلاقاتنا معها بضعة درجات عما كان الوضع عليه ايام مبارك أو حتى السادات.
 
فلقد كانت الرواية الرسمية قبل السيسي عن السلام مع إسرائيل هي نظرية ((مجبرٌ أخاك لا بطل))؛ وخلاصتها أن إسرائيل لا تزال هي العدو الرئيسي لمصر، ولكننا يجب أن نقبل بوجودها والسلام معها مكرهين ومضطرين وعلى مضض نظرًا لأن الولايات المتحدة وأوروبا ومجتمعهم الدولي يرعوها ويدعموها ويهددون كل من يعتدي عليها أو يهدد وجودها أو أمنها.
 
أما الرواية المستقرة في الضمير الوطني الشعبي والتي تمثل أحد أهم ثوابتنا الوطنية بعيدًا عن الانظمة والحكومات والرؤساء والمعاهدات فخلاصتها أن إسرائيل ليست جارتنا بل هي عدونا اللدود، وهى ليست دولة طبيعية لشعب طبيعي يعيش على ارضه التاريخية مثل باقي دول العالم، بل هو كيان استعماري استيطاني إحلالي عنصري إرهابي اغتصب فلسطين وطرد وذبح وأباد وحاصر وآسر شعبها.
 
وعليه فإنها لا يمكن أن تكون جارة طبيعية مثل ليبيا وفلسطين والسودان والأردن والسعودية، بل هي مشروع وكيان عدواني يستهدف مصر والأمة العربية بقدر استهدافه لفلسطين.
 
كما أنها قاعدة استعمارية استراتيجية وعسكرية متقدمة للغرب الاستعماري بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
 
أما السلام معها فهو لم يستمر و"يستقر" إلا بالخوف والإكراه والتواطؤ والاستبداد. ولو اطُلق سراح الشعب المصري والشعوب العربية، لما ظلت فلسطين محتلة حتى اليوم.
 
***
أما القول بأن المنطقة العازلة هي ضرورة قديمة تأخرت كثيرًا، فإنه يطرح استنتاجا فوريا و مباشرا، هو ان مصدر ضرورتها الوحيد والفعلي قبل ظهور أي عمليات إرهابية في سيناء، هو امن إسرائيل وحصار غزة ومنع تهريب السلاح إلى المقاومة.
 
وهو الأمر الذي يتأكد يوما بعد يوم، لأن من يريد أن يحمي الأمن القومي لمصر عليه أن يغلق الأنفاق تحت الأرض ويفتح المعبر فوق الأرض ويعامله معاملة أي معبر آخر مثل معبر السلوم من حيث الإجراءات والقوانين المنظمة لحركة الأفراد والبضائع.
 
ولكن هدم الأنفاق مع إغلاق المعبر في ذات الوقت هو لحماية أمن إسرائيل، والمشاركة في حصار غزة، وتنفيذا للاتفاقية المصرية الإسرائيلية الموقعة عام 2005 والمعروفة باسم اتفاقية فيلادلفيا والتي تشترط عدم فتح المعبر الا بموافقة إسرائيل.
 
بالإضافة إلى أن الأمن القومي المصري يفترض تأمين الحدود المصرية(الإسرائيلية) بذات القدر، أن لم يكن أكثر، لتأمين الحدود المصرية الغزاوية، وأن يتم تجميد دخول (الإسرائيليين) من معبر طابا ومكوثهم في سيناء أسبوعين بدون تأشيرة. وقبل ذلك وبعده أن نسعى حثيثا لتحرير سيناء من قيود كامب ديفيد.
 
***
أضف إلى كل ذلك حملات الشيطنة لكل ما هو فلسطيني، وتجنب أي ذكر لدور محتمل لإسرائيل في العمليات الإرهابية، والانحياز المصري لها في عدوانها الاخير على غزة، وفي تعليق الإعمار على شرط نزع سلاح المقاومة، وفي رفع الدعوات القضائية ضد حركات المقاومة بعد ان كنا نرفعها سابقا ضد إسرائيل والمعاهدة وقيودها والتطبيع وتصدير الغاز.
 
ناهيك عن التصريحات الإسرائيلية الرسمية والصحفية المتكررة والمستمرة التي تعبر عن ارتياحها البالغ للعلاقات المصرية الإسرائيلية الحالية و التي يصفونها بانها لم تتعمق ابدا إلى هذا الحد منذ توقيع المعاهدة.
 
فلأول مرة منذ كامب ديفيد توصف العلاقات المصرية الإسرائيلية بالسلام الدافئ والحار، بعد ان كان القادة الصهاينة يشتكون منذ 35 عامًا من كونه سلامًا باردًا.
 
***
وبالإضافة إلى كل ما سبق فان من أخطر آثار مثل هذه التصريحات الدائمة والمستمرة والمقصودة والموجهة هو اختراق الرأي العام المصري لإعادة تشكيل وعيه وثوابته، وترويضه على القبول والتعايش مع إسرائيل التي تسالمنا ولا تهددنا و التي يربطنا معها سلام مشترك وامن مشترك ومصالح مشتركة وعدو مشترك.
 
ويا له من ثمن باهظ لنيل الرضا والاعتراف الدولي الكامل من بوابة إسرائيل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق