وائل قنديل :
عندما يعتذر الجنرال لقطر
3 نوفمبر 2014
وضعت سلطة السيسي يداً في جيوب المصريين، ومدت الأخرى للتسول من الجميع.. الجميع، هنا، الرعاة الرئيسيون لانقلابه على الثورة المصرية، وأيضا الذين يتخذون موقفا إنسانياً وأخلاقياً ضد مذابحه ضد رافضي الانقلاب.
لعلك لاحظت تلك الابتسامة الخليعة على وجوه أبواق السيسي الإعلامية، على مدار الأسبوعين الماضيين، في وجه قطر، وهذا التدفق المحير لنبأ اعتذار عبد الفتاح السيسي للدوحة على ما طالها من رذاذ الشتائم الوقحة، وسخام البذاءات الرسمية وشبه الرسمية، الذي تدفق من أفواه لعوب سباباً رخيصاً وطعناً في أعراض شخصيات قطرية محترمة.
ولعلك تساءلت، أيضاً، عن سر هذا التأدب المفاجئ الذي ارتسم على منصات الانحطاط الإعلامي، في تناولها العلاقات مع الدوحة، هل اكتشفوا خطأهم فجأة، أم أنه أدب القرود طلباً لبعض الثمار؟
أين ذهبت قائمة الاتهامات القطعية بأن الدوحة تتآمر على مصر وتعاديها؟
حسنا: عليك أن تعود بالذاكرة قليلاً إلى الوراء، لتجد التبديل ذاته في الموقف من "حماس" والمقاومة الفلسطينية إبان العدوان الصهيوني الأخير.. في البداية، كانت هناك حفاوة رسمية من مصر الانقلابية بالعدوان على غزة، وإصرار على استمرار الآلة العسكرية الصهيونية لفض القطاع ومحوه من الوجود، على طريقة فض اعتصام رابعة العدوية، وإبادة المشاركين فيه، حتى أن حكومة العدو الصهيوني أبدت دهشتها من مزايدة النظام المصري عليها في الكراهية للمقاومة والعداء للشعب الفلسطيني في غزة.
وفي تلك الأثناء، ظهرت فجأة ما سميت "مبادرة مصرية"، ودعيت "حماس" المحظورة في مصر بقرار رسمي صنفها على أنها عدو، إلى القاهرة، في تبدل مدهش للمواقف.
ولم تكن تلك بالطبع استفاقة من العار الحضاري، ولا اعتذاراً للتاريخ والجغرافيا والقيم، بقدر ما كانت التحاقاً بقطار المعونات والمنح المطروحة لإعادة إعمار غزة، واقتناصاً لدور تمت الاستقالة منه، في سبيل الحصول على الرضا الأميركي والغربي والاعتراف بسلطة الانقلاب.
بالعودة إلى الموضوع القطري ستجد أن الأمر لا يختلف، فالاعتذار، هنا، ليس من باب فضيلة الرجوع إلى الحق، بل تهرباً والتفافاً على رجوع الحق، ذلك أن موعد سداد الوديعة القطرية البالغة مليارين ونصف المليار دولار (نحو 20 مليار جنيه مصري) قد حان، فلا بأس هنا من بعض الغزل غير العفيف للدوحة، أو إظهار نوع من الأدب وادعاء حالة "أنسنة"، لا يمكن تصديقها من نظام يتغذّى على الجرائم ضد الإنسانية، ويكتسب قوت سلطته من إراقة الدماء وإهدار القيم الإنسانية في الداخل والخارج أيضا.. نظام يقتل في القاهرة وسيناء وغزة، كما يقتل في المناطق الليبية، ويدعم القتل في الأراضي السورية.
وحسب المنشور في موقعنا، أمس، فإنه "يتعين على مصر سداد 2.5 مليار دولار لدولة قطر مستحقة على سندات جرى إصدارها لأجل 18 شهرا خلال عام 2013، طلبت الدوحة عدم تجديدها، بحسب تصريحات محافظ المصرف المركزي المصري، هشام رامز، في وقت سابق"
إن الاعتذار عن الخطأ فضيلة، لكن، حين يكون الاعتذار طلباً لمصلحة أو تنفيذاً لرغبة نفعية فإنه يفقد أخلاقيته، حسب القاعدة الذهبية للفعل الأخلاقي عند فيلسوف الواجب إيمانويل كانط، ويصبح أكثر من رذيلة، وليس أسوأ من أن تعتذر عن خطأ، وتطلب مقابله عشرين مليار جنيه.
وعلى هذا، ستصبح قطر جميلة ورائعة لو تنازلت عن وديعتها، وإن لم تفعل ستنهمر سيول البذاءات مجدداً.. إنه منتهى الأخلاقية من سلطةٍ جاءت بثورة مضادة للأخلاق.
"العربي الجديد"
عندما يعتذر الجنرال لقطر
3 نوفمبر 2014
وضعت سلطة السيسي يداً في جيوب المصريين، ومدت الأخرى للتسول من الجميع.. الجميع، هنا، الرعاة الرئيسيون لانقلابه على الثورة المصرية، وأيضا الذين يتخذون موقفا إنسانياً وأخلاقياً ضد مذابحه ضد رافضي الانقلاب.
لعلك لاحظت تلك الابتسامة الخليعة على وجوه أبواق السيسي الإعلامية، على مدار الأسبوعين الماضيين، في وجه قطر، وهذا التدفق المحير لنبأ اعتذار عبد الفتاح السيسي للدوحة على ما طالها من رذاذ الشتائم الوقحة، وسخام البذاءات الرسمية وشبه الرسمية، الذي تدفق من أفواه لعوب سباباً رخيصاً وطعناً في أعراض شخصيات قطرية محترمة.
ولعلك تساءلت، أيضاً، عن سر هذا التأدب المفاجئ الذي ارتسم على منصات الانحطاط الإعلامي، في تناولها العلاقات مع الدوحة، هل اكتشفوا خطأهم فجأة، أم أنه أدب القرود طلباً لبعض الثمار؟
أين ذهبت قائمة الاتهامات القطعية بأن الدوحة تتآمر على مصر وتعاديها؟
حسنا: عليك أن تعود بالذاكرة قليلاً إلى الوراء، لتجد التبديل ذاته في الموقف من "حماس" والمقاومة الفلسطينية إبان العدوان الصهيوني الأخير.. في البداية، كانت هناك حفاوة رسمية من مصر الانقلابية بالعدوان على غزة، وإصرار على استمرار الآلة العسكرية الصهيونية لفض القطاع ومحوه من الوجود، على طريقة فض اعتصام رابعة العدوية، وإبادة المشاركين فيه، حتى أن حكومة العدو الصهيوني أبدت دهشتها من مزايدة النظام المصري عليها في الكراهية للمقاومة والعداء للشعب الفلسطيني في غزة.
وفي تلك الأثناء، ظهرت فجأة ما سميت "مبادرة مصرية"، ودعيت "حماس" المحظورة في مصر بقرار رسمي صنفها على أنها عدو، إلى القاهرة، في تبدل مدهش للمواقف.
ولم تكن تلك بالطبع استفاقة من العار الحضاري، ولا اعتذاراً للتاريخ والجغرافيا والقيم، بقدر ما كانت التحاقاً بقطار المعونات والمنح المطروحة لإعادة إعمار غزة، واقتناصاً لدور تمت الاستقالة منه، في سبيل الحصول على الرضا الأميركي والغربي والاعتراف بسلطة الانقلاب.
بالعودة إلى الموضوع القطري ستجد أن الأمر لا يختلف، فالاعتذار، هنا، ليس من باب فضيلة الرجوع إلى الحق، بل تهرباً والتفافاً على رجوع الحق، ذلك أن موعد سداد الوديعة القطرية البالغة مليارين ونصف المليار دولار (نحو 20 مليار جنيه مصري) قد حان، فلا بأس هنا من بعض الغزل غير العفيف للدوحة، أو إظهار نوع من الأدب وادعاء حالة "أنسنة"، لا يمكن تصديقها من نظام يتغذّى على الجرائم ضد الإنسانية، ويكتسب قوت سلطته من إراقة الدماء وإهدار القيم الإنسانية في الداخل والخارج أيضا.. نظام يقتل في القاهرة وسيناء وغزة، كما يقتل في المناطق الليبية، ويدعم القتل في الأراضي السورية.
وحسب المنشور في موقعنا، أمس، فإنه "يتعين على مصر سداد 2.5 مليار دولار لدولة قطر مستحقة على سندات جرى إصدارها لأجل 18 شهرا خلال عام 2013، طلبت الدوحة عدم تجديدها، بحسب تصريحات محافظ المصرف المركزي المصري، هشام رامز، في وقت سابق"
إن الاعتذار عن الخطأ فضيلة، لكن، حين يكون الاعتذار طلباً لمصلحة أو تنفيذاً لرغبة نفعية فإنه يفقد أخلاقيته، حسب القاعدة الذهبية للفعل الأخلاقي عند فيلسوف الواجب إيمانويل كانط، ويصبح أكثر من رذيلة، وليس أسوأ من أن تعتذر عن خطأ، وتطلب مقابله عشرين مليار جنيه.
وعلى هذا، ستصبح قطر جميلة ورائعة لو تنازلت عن وديعتها، وإن لم تفعل ستنهمر سيول البذاءات مجدداً.. إنه منتهى الأخلاقية من سلطةٍ جاءت بثورة مضادة للأخلاق.
"العربي الجديد"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق